بعض الجمعيات ظهرت مع الانفتاح السياسي الذي عرفته البلاد خلال بداية التسعينيات، حيث تقدمت الكثير من الجمعيات المختلفة بملفات إلى وزارة الداخلية من أجل اعتمادها، حيث كانت وزارة الداخلية آنذاك، تعتمد أي جمعية تتوفر فيها الشروط القانونية، إلا أن اللافت أن ثمة جمعيات لم تعقد مؤتمرها التأسيسي منذ عقدها لمؤتمرها الأول إلى غاية اليوم، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول نشاط هذه الجمعيات ووجودها في الميدان؟ وعكس هذا، توجد جمعيات معينة لا تنشط في الميدان ولا أثر لها ولا للأهداف التي خلقت من أجلها، تعقد مؤتمراتها السنوية في فنادق ذات خمس نجوم دون أن يدري أحد عن سر هذا التمويل الذي تتلقاه مثل هذه الجمعيات رغم غيابها الميداني؟ كما كان هو الشأن بإحدى الجمعيات التي لا أثر لها في الميدان حين عقدت مؤتمرها في أحد الفنادق الفخمة وتم صرف 700 مليون سنتيم في 3 أيام، رغم أن نشاط هذه الجمعية شبه غائب. بعدما انتشرت كالفطريات.. جمعيات باسم أزواج مسؤولين محليين وأقاربهم ما يلاحظ في الكثير من البلديات، هو وجود جمعيات متعددة التسميات والنشاطات، رياضية، ثقافية اجتماعية، وغيرها، إلا أن لا أثر لها في الميدان ولا تساهم لا في التنمية على مستوى البلدية، ولا في التوعية، حيث يعمد الكثير من المسؤولين المحليين إلى تسيير هذه الجمعيات إلى أقاربهم، وعائلاتهم والأصدقاء. واللافت أن أغلب هذه الجمعيات يسيرها أقرباء لمسؤولين في البلديات أو الدوائر، وفي بعض الأحيان أزواج رؤساء البلديات وأبناؤهم، والهدف هو الحصول على المساعدات المالية لتستغل في أغراض شخصية، بدليل أنه لا يوجد أي نشاط ميداني لهذه الجمعيات. وإن وجد، فلا يعدو أن يكون نشاطا عاديا وبسيطا لذر الرماد في العيون وتبييض الأموال التي يستغلونها. وهذه الظاهرة انتشرت بكثرة في أغلب البلديات، حيث توجد جمعيات لا يسمع بها المواطن، رغم أنها جمعيات أنشئت وتحث أهدافها على خدمة المواطن. والغريب، أن هذه الجمعيات صارت مثل الفطريات التي تعيش على الآخرين دون أن تقدم لهم شيئا. والأكثر من هذا، تحوّلت الكثير من الجمعيات إلى مجرد مرافق للنصب والاحتيال، حيث احتال الكثير من رؤساء الجمعيات أو أعضاء منها على مواطنين. أما الأثر الجمعوي على أرض الواقع لهذه الجمعيات، لا يوجد إطلاقا. وإطلالة بسيطة عبر بلدياتنا في غالب قطر الوطن، لنتأكد أن المواطن لا يعرف حتى هذه الجمعيات، فضلا عن وجودها، إلا بعض الجمعيات الحقيقية البعيدة عن المصلحة والتي لا تستفيد لا من التمويل ولا من الدعم. وأمام ظواهر مثل هذه التي صارت ثقافة قائمة بذاتها من أجل نهب أموال الدولة، فإنه حان الوقت لمحاسبة هذه الجمعيات ورؤساء البلديات محاسبة دقيقة ومراقبة نشاطاتها السنوية، مع تقرير مادي حقيقي تشترك فيه عدة أطراف. لم يظهر لها أي أثر.. انتفاضة الشباب تعري ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني رغم كثرتها وانتشارها ومشاركتها في ملتقيات "ملء البطون"، غابت هذه الجمعيات تماما عن الميدان في أول امتحان لها بعد خروج الجزائر من العشرية السوداء ومن النفق المظلم، حيث عاث بعض الشباب في جانفي الماضي خرابا ودمارا ولم تستطع هذه الجمعيات التي تتحدث في وسائل الإعلام عن عد منخرطيها الذي وصل إلى الآلاف، بينما اختفت بلا أي ظهور ولو كان محتشما في الميدان، وهنا يجدر التساؤل عن وظيفة هذه الجمعيات وعن الأموال التي تنفقها الدولة عليها؟ لذا لابد من محاسبة جدية لما يسمى ب "جمعيات المجتمع المدني" التي لا تظهر سوى على الورق، وفي منتديات وملتقيات "الإطعام المجاني"، في محاولة منها للظهور أو لتسجيل الحضور لا أكثر ولا أقل. وإن كان هذا هو الدور الحقيقي لهكذا جمعيات، فعلى السلطات حلها وتوفير الأموال في مشاريع أخرى تفيد الشباب العاطل عن العمل.. والعاطل عن الأمل في الوقت نفسه. في الوقت الذي تقدم فيه خدمات للمجتمع.. جمعيات تعاني التضييق ونقص الموارد المالية في ظل غياب أي دعم من الدولة أو المؤسسات الخاصة، تنشط بعض الجمعيات بقوة في الميدان، وأحيانا تعدت حتى الأهداف التي سطرتها ضمن برنامجها التأسيسي. ورغم ذلك، تعاني التضييق والتهميش، ونذكر من بين هذه الجمعيات إحدى الجمعيات المهتمة بمحاربة الآفات الاجتماعية التي تنتشر عبر أغلب الولايات ولها فروع في مؤسسات إدارية مختلفة، حيث تمكنت الودادية من كشف الكثير من التجاوزات ورفعتها إلى السلطات المعنية وكتبت تقارير إلى وزارة الداخلية. كما ساهمت في التبليغ عن مجرمين وعن تجار المخدرات وقدمت أدلة ضدهم، وأيضا تمكنت هذه الجمعية من التبليغ عن بعض المشبوهين وقدمت أيضا أدلة على بعض الذين يتاجرون بالأعضاء البشرية. وأكبر ما يسجل لها، هو تحريها عن سيدة محتالة كانت محل بحث قرابة الخمس سنوات، حيث قدمت بياناتها للأمن وتم القبض عليها في وقت وجيز. ورغم ذلك، تعاني الودادية اليوم الكثير من المشاكل القضائية التي جعلتها تجمد نشاطها إلى غاية الفصل فيها. إضافة إلى هذه الجمعية، توجد جمعيات أخرى مثل الجمعية النسوية التي تشرف عليها سعيدة بن حبيلس التي تمر بظروف عصيبة رغم نشاطها في مجال مساعدة المرأة، وكانت السيدة بن حبيلس قد صرحت في حوار سابق جمعها ب "الأمة العربية" أن جمعيتها لم تستطع حتى توفير مبلغ محترم لعقد مؤتمرها. بعد أن برهنت على نشاطها وتواجدها.. جمعيات استحقت الدعم بفضل جهودها إن كانت بعض الجمعيات تنشط ولا تجد الدعم، فإن جمعيات أخرى عرفت كيف تستطيع المحافظة على ديمومتها من خلال نشاطها الميداني والاستفادة من الدعم، حيث تعمل هذه الجمعيات في الميدان، سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية، وتضاعف نشاطها كلما تسنى لها رفع سقف تمويلها ووجدت ممولين يمكنهم المساهمة في مشاريعها الجمعوية، حيث تعتمد مثل هذه الجمعيات على مختصين وفروع خاصة بالبحث عن الدعم المادي، موازاة مع نشاط المنضوين تحت لوائها في الميدان، فلا يكفي أن يكون للجمعية نشاط كبير في الميدان دون أن تستطيع إثبات ذاتها واستقلاليتها ماديا دون تبعية لأي جهة. وفي هذا الصدد، يكفي أن نذكّر أن الكثير من الجمعيات لم تستطع الاحتفاظ باستقلاليتها، فاستغلتها بعض الجهات من خلال تمويلها، وبالتالي صارت تدخل في سيرها. بعدما كانت هذه الجمعيات حاجزا منيعا ضد الارهاب.. أحزاب وتشكيلات سياسية تسيطر على الجمعيات في بداية التسعينيات حين بروز الأزمة الأمنية في الجزائر، تمكنت عدة جمعيات من الصمود ومواجهة الآلة الإرهابية بفضل نشاطها في الميدان، حيث كان صوتها أقوى من صوت الأحزاب، بعدما هاجر رؤساء الأحزاب إلى الخارج، وفضل بعضهم الانزواء بعيدا عن الأضواء، بينما كانت هذه الجمعيات تقيم المسيرات وتنشط خارجيا وداخليا واستطاعت أن توصل صوت الجزائر إلى عدة مؤسسات دولية، وبفضلها تم التعرف على وضع الجزائر وخطورة الإرهاب على استقرار الدول. إلا أنه مع استتباب الأمن في ربوع الجزائر مع بداية القرن الحالي، بدأ نشاط هذه الجمعيات يخفت، في ظل بروز الأحزاب السياسية بفضل الاستقرار الذي عرفته البلاد، حيث تمكنت من احتواء الكثير من الجمعيات، لتفقد العديد منها استقلاليتها وصارت مجرد لواحق للأحزاب المختلفة. وفي هذا الموقف، لابد أن نذكر بما حدث لجمعية الإرشاد والإصلاح التي راحت ضحية الصراع بين حركة حمس والمنشقين عنها، ودخلت صراعات النفوذ بين كلا الطرفين، وتعددت الرؤوس فيها، كل يتكلم باسمها. وليس الأمر متعلقا بجمعية الإرشاد والإصلاح فقط، بل حدث الأمر نفسه للكشافة الإسلامية، وجمعيات عدة تورطت في صراعات داخلية للأحزاب جعلت دورها بعيدا عن الميدان. وفي النهاية، علينا أن نعلم أن مؤسسات المجتمع المدني لها دور كبير في المجتمع، مهما كانت أهدافها. وبالموازاة مع ذلك، تمثل أيضا دورا مضادا وخطيرا إذا وجهت في غير الوجهة التي خلقت لأجلها، أو إذا استغلت من طرف الفعاليات السياسية، لأن هذه الجمعيات تمثل المجتمع بمختلف أطيافه وهي الصوت الحقيقي للمواطن، سواء في المجال الإجتماعي أو الإقتصادي، أو الثقافي، ومن غيرها لا يمكن أن تصل رسالة المواطن إلى المسؤولين ومن غير الممكن أن تحيط الجهات المختصة بالمشاكل الحقيقية في القاعدة الشعبية.