يتفق معظم الجزائريين على أن الجمعيات التي تعنى بالدفاع عن حقوقهم وتحميهم كمستهلكين أصبحت بمثابة الحاضر الغائب، حاضرة في المناسبات والتظاهرات الرسمية فقط، وغائبة لعدم تحركها إزاء مختلف الأحداث التي يصارعها المستهلك الجزائري من تزايد الغش التجاري مرورا بالتهاب أسعار مختلف المواد الغدائية وصولا إلى أزمة ندرة الحليب· ويجمع المواطنين على فقدانهم الثقة في جمعيات حماية المستهلك، فمنذ تاريخ تأسيسها مطلع التسعينيات بموجب قانون 31 90/ المتعلق بتكوين الجمعيات لم نر لهذه الأخيرة أي دور من شأنه التخفيف من الأزمات المعيشية التي عاشتها الجزائر على مدار السنوات الماضية· ولعل النقطة السلبية التي ضربت مصداقيتها عرض الحائط فضيحة تسويق وتناول لحوم الحمير سنتي 2003 و.2007 ويرى العديد من المواطنين على غرار ''محمد'' أنه لا توجد أية هيئة أو جمعية تأخذ على عاتقها السلامة الصحية للمستهلكين، بدليل العديد من المنتوجات الاستهلاكية على غرار ''الشوكولاطة'' المعروضة على قارعة الطريق دون التأكد من أنها لا تشكل أي خطر على صحة المستهلك· أما السيدة ''سعاد'' فتقول إن الجمعيات التي تعنى بالدفاع عن حقوق المستهلكين أصبحت كغيرها من المئات من الجمعيات في مختلف القطاعات الأخرى التي يبحث القائمون عليها دائما عن صيغ تدر عليه أي أموال حتى وإن كان ذلك على حساب صحة المستهلك· نفس التصريحات أكدها أيضا ''عبد الله'' الذي قال إن الجمعيات الحالية التي تزعم حماية المستهلك قائمة أساسا على خدمة المصالح الشخصية لمؤسسيها بدل المصالح العامة المنحرفة بذلك عن الأهداف المؤسسة عليها· جمعيات حاضرة قانونيا وغائبة ميدانيا تشير الأرقام إلى وجود نحو 20 جمعية مختصة في الدفاع عن حقوق وحماية المستهلك الجزائري، منها 3 جمعيات ذات طابع وطني والبقية تنشط بصفة محلية، إلا أن هناك العديد من الانتقادات التي توجه إلى هذه الجمعيات بسبب قلة نشاطها، إن لم نقل انعدامه· ويقابل جمود نشاط هذه الجمعيات غضب واستياء شديدين لدى المستهلك الجزائري الذي يلقي مسؤولية ما يتعرض له من أمراض وتسممات غذائية على الجمعيات التي تتخذ موقف المتفرج تجاه مختلف التجاوزات التي ترتكب في حقه، على مرأى من الوزارة الوصية (وزارة التجارة) التي تكتفي هي الأخرى بالمشاهدة دون التحرك· ويبرر العديد ممن التقتهم ''الجزائر نيوز'' اتهامهم الجمعيات باللامبالاة بسلامة صحتهم، بعدم تقيدها بقانون حماية المستهلك، خاصة لما جاء في المادة 23 التي تنص على أنه يمكن لجمعيات حماية المستهلك أن تقوم بدراسات وإجراء خبرات مرتبطة بالاستهلاك على نفقاتها وتحت مسؤوليتها· في ذات السياق، قال السيد ''مختار'' إن خرق القانون يظهر جليا في العدد الكبير لمختلف السلع التي تعرض عليهم هنا وهناك دون أية رقابة، وبعلم من جمعيات حماية المستهلك التي من المفروض عليها استغلال الدعم والإعانات المالية التي تتحصل عليها لإجراء تحاليل لتلك السلع، قصد التأكد من سلامتها أو حتى الإبلاغ عنها الجهات الرقابية المختصة· أزيد من 5000 تسمم غدائي سنويا تحصي وزارة الصحة سنويا ما يزيد عن 5000 تسمم غدائي، ترجح العديد من الأوساط الطبية أنه رقم قابل للارتفاع، نتيجة اعتماد العديد من المواطنين على بعض الأدوية للعلاج واقتنائها دون تنقلهم إلى المؤسسات العمومية أو حتى التوجه إلى العيادات الخاصة· ويوضح العديد أن عدم قيام جمعيات حماية المستهلك بالدور الذي يخوله لها القانون، فيما يخص غرس الثقافة الاستهلاكية لدى المواطنين، هي السبب وراء جهل المستهلكين بأبسط الطرق السليمة التي من شأنها إنقاذ حياتهم، ناهيك عن توعيتهم بمخاطر تطبيق العادات السيئة في تداول الأغذية، بداية من الإنتاج إلى الاستيراد والمعالجة· زيادة على مراعاة شروط الحفظ والتخزين والتوزيع والنقل والتحضير، وكذا كيفية الإسهام في مواجهة الغش التجاري· في ذات السياق، يوضح ''كمال'' أنه غير ملم بالإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة تعرضه لتسمم غدائي أو حتى اقتناء منتوج فاسد، قائلا بأنه يكتفي برميه، مضيفا أن العمل الحقيقي للجمعيات يجب أن يتمحور حول تنمية ثقافتنا الاستهلاكية في المجتمع قصد إعادة توجيه سلوكاتنا الاستهلاكية، بالتالي المشاركة في القضاء على بعض التصرفات غير الأخلاقية للعديد من التجار الذين أصبحوا -حسبه- يتاجرون بأرواحهم· نفس التصريحات أيضا أكدتها السيدة ''خديجة'' التي قالت إنه على الدولة إعادة النظر في وضعية الجمعيات التي لا تنشط ميدانيا بفرض تطهير هذا القطاع من الطفيليين الذين يستغلون أرواح الجزائريين لخدمة مصالحهم الشخصية· زواوية· ب ----------------------------------------------- رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك أمين قويدي: عملنا أصبح يقتصر على جمع الشكاوى ورصها في الأدراج إلى ما يرجع ركود نشاط جمعيات حماية المستهلك في الجزائر؟ إن جمعيات حماية المستهلك المتواجدة في الجزائر تعاني العديد من المشاكل التي حالت دون قيامها بمهامها على أكمل وجه، ولعل أهم مشكل يرتبط بافتقارها للإطار المؤسساتي، فالجمعيات الجزائرية تفتقر للصيغة القانونية الصحيحة والواضحة لمزاولة نشاطها، على عكس بقية الدول المجاورة، فلو أجرينا مقارنة بسيطة مع جمعيات حماية المستهلك بالدول الشقيقة كالمغرب وتونس، لوجدنا أن تلك الجمعيات تحظى بالعديد من الامتيازات والتسهيلات التي تساهم في تفعيل نشاطها وكذا لعبها أدوار كبيرة حتى في وضع الخريطة الاستهلاكية، على عكس وضعيتنا الحالية· فنحن نعاني من عدة مشاكل متشعبة وعراقيل جمة أدت إلى ركود نشاطنا· هل يعتبر الإهمال والتهميش الذي تشتكي منه الجمعيات سببا كافيا لسبات النشاط الجمعوي؟ حقيقة إن الجمعيات التي تتكفل بالدفاع عن حقوق المستهلك تسعى بكل الطرق إلى الحفاظ على سلامة صحة المستهلك الجزائري، إلا أن محدودية عملها تقع على عاتق مؤسسات الدولة نتيجة اعتماد هذه الأخيرة على سياسة التهميش والإقصاء وعدم الالتفات إلى هذه الجمعيات إلا في المناسبات· ويظهر هذا الإقصاء جليا من خلال عدم اشراكنا في الموافقة على نوعية السلع المعروضة في السوق، ففي أمريكا مثلا موافقة جمعيات حماية المستهلكين إلزامية من أجل منح الترخيص لأي منتوج قبل عرضه في الأسواق، إضافة إلى عدم اشراكنا في عمليات المراقبة والحجز التي تتم لمختلف المنتوجات لأننا غير مخولين للقيام بهذا النوع من الأعمال نتيجة المخاطر التي تعترضنا، زيادة على مشكل شح الإعانات المالية وما يتبعها من محدودية النشاط· ما زالت جميع الجمعيات تتحجج بنقص الإعانات المادية، متى تبدأ هذه الأخيرة في العمل الميداني؟ لا يمكننا تجاهل واقعا نعيشه يوميا ويؤثر وبشكل مباشر في نوعية نشاطنا، فنحن لا نطالب بأغلفة مالية ضخمة، بل مزيدا من الاهتمام من قبل المسؤولين وحتى إمكانيات بسيطة تكون كافية لتمويل عملنا الميداني وتفعيله، حتى يكون أكثر فائدة، فغرس الثقافة الاستهلاكية لدى الفرد، فالأيام التحسيسية والتوعوية وتنظيم تظاهرات لشرح الأخطار المحدقة بسلامة المستهلكين وكذا إعادة توجيه سلوكهم تتطلب أموالا، لأجل كل هذه العوامل نحن لا نملك اليوم في الجزائر ثقافة حماية المستهلك· ألا ترى أن الجمعيات انحرفت عن الأهداف التي نشأت من أجلها؟ نحن لم ننحرف، بل لا نجد الصيغ والطرق التي نجسد من خلالها الأهداف التي نشأنا من أجلها، فعلى سبيل المثال نعجز عن معالجة العديد من الشكاوى التي تصلنا تباعا من الزبائن بشأن تجاوزات بعض التجار أو وكلاء السيارات أو حتى التصرف في قضايا النصب والاحتيال التي يتعرض لها الزيون الجزائري، سيما من قبل متعاملي الهاتف النقال الذين يطلقون كل مرة مسابقات وهمية بغرض سرقة أموال المستهلك، أمام أعين جميع الهيئات المعنية· في ظل عجزنا عن اتخاذ إجراءات في حقهم لأن القانون يمنعنا من رفع الدعاوى القضائية باسم المستهلكين، زيادة إلى الجهات العمومية التي لا تأخذ مراسلاتنا بعين الاعتبار· خلاصة القول أن عملنا الجمعوي أصبح بدون فائدة وبات يقتصر فقط على جمع الشكاوى من المواطنين ورصها في أدراج مكاتبنا· على ذكركم لقانون حماية المستهلك لسنة ,89 ما هي النقاط السوداء التي ترفعونها وأثرت على نشاطكم؟ نحن كنا كجمعيات مختصة في الدفاع عن حقوق المستهلك نملك العديد من الصلاحيات، إلا أن خضوع القانون الذي كان ساريا إلى التعديل سنة 89 قزم من نشاطنا، كما حرمنا من العديد من الصلاحيات التي أصبحت بمثابة حجر عثرة أمام سيرورة نشاطنا· فالقانون الحالي أقل ما يمكن وصفه بأنه محتشم وغير واضح في العديد من المواد، خاصة بعد حرماننا من رفع دعاوى قضائية باسم المستهلكين لأن هؤلاء لا يملكون ثقافة اللجوء إلى العدالة من أجل إعادة الاعتبار لهم كمستهلكين· ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها حسبكم لإعادة تفعيل النشاط الجمعوي من جهة وضمان أكبر حماية للمستهلك من جهة أخرى؟ يجب أولا إعادة النظر في القانون الحالي قصد تكييفه وفق المعطيات الحالية ولضمان أكبر حماية فعلية للمستهلك من خلال توسيع صلاحيات الجمعيات الناشطة في الميدان، زيادة على إعادة الاعتبار لها· ومن أجل تفعيل النشاط الجمعوي يجب التوقيع على معاهدة تنص على إلزامية تمثيل هذه الجمعيات لدى مختلف مصالح الدولة حتى تكون على إطلاع كبير على مختلف القضايا التي تمس المستهلك بالدرجة الأولى دون نسيان أهمية تحويل طابع تلك الجمعيات إلى إطار مؤسساتي·