شرعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية في دراسة ملف الجمعيات الوطنية والمحلية بمختلف تصنيفاتها، وذلك تجسيدا للتهديدات التي كان قد أطلقها نور الدين يزيد زرهوني المسؤول الأول عن القطاع منذ مدة، حين توعد بتطهير المجتمع المدني والنسيج الجمعوي في الجزائر من ''الطفيليات''، بعدما مر على انفتاحه المتزامن مع فتح المجال السياسي قبل أكثر من عشريتين.وقد جاء قرار التعجيل بالنبش في ملف الجمعيات الوطنية تزامنا مع إلقاء القبض على جمعية أشرار احترفت نهب أموال المواطنين بحجة دعم الشعب العراقي في العاصمة والبليدة إضافة إلى بعض الولايات الجنوبية. وحسب ما علمته ''البلاد'' من مصادر مطلعة، فإن كثرة التقارير التي ترد إلى مصالح الوزارة حاملة العديد من التجاوزات في نشاط الجمعيات ذاتها وكذا الانحراف عن أهداف التأسيس الأولى فضلا عن تجاوزات أخرى يعاقب عليها قانون90/14الذي أقر التعددية في الجزائر. وسجلت تلك التجاوزات في غياب التقارير الأدبية والمالية للكثير من هذه الجمعيات، إضافة إلى تخلفها عن عقد مؤتمراتها. ويأتي تسليط وزارة الداخلية لأضوائها الكاشفة على الجمعيات في الجزائر تجسيدا لعمل كانت الوزارة قد شرعت فيه قبل مدة، من خلال القيام بعملية جرد وإحصاء شامل للجمعيات في الجزائر، مما سمح للوزارة إعداد بطاقية تفصيلية عن النشاط الجمعوي عبر جميع الولايات، بحيث تبين بأن عدد الجمعيات في الجزائر قفز بشكل ملفت للنظر من رقم 30 ألف جمعية وطنيا خلال السنوات الأولى التي أعقبت الانفتاح، حيث تحول تأسيس الجمعيات إلى ''موضة'' بعد سنوات الكبت ليرتفع عددها حاليا إلى قرابة ال 90 ألفا تم اعتمادها، غير أن حوالي90 بالمائة من هذه الجمعيات لم تحين علاقتها مع الوزارة أو الجهات التي تنوب عنها محليا. وإلى جانب إهمال الجمعيات ذاتها للجانب القانوني في علاقتها بالوصاية، فإن التقارير الواردة إلى مصالح زرهوني تؤكد حسب ما علمت ''البلاد'' بأن غالبية الجمعيات تعيش انقسامات حادة بسبب الخلاف حول مناصب المسؤولية. كما تنخر كثير منها صراعات بسبب الريوع ما أدى إلى انحرافها عن أهدافها التي أسست لأجلها. في السياق ذاته، وإلى جانب المشاكل الداخلية والصراعات التي تقوض أركان المجتمع المدني في الجزائر، فإن وزارة الداخلية لم تغفل الجانب الأمني في تعاطيها مع الجمعيات الوطنية بمختلف تصنيفاتها، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد من الجهات الأجنبية المانحة لهذه الجمعيات وما تدره عليها من أموال على غرار الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأممالمتحدة، فضلا عن الهيأت الأخرى وبعض التمثيليات الدبلوماسية التي كما اهتمت بالأحزاب السياسية لم تغفل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السلطة التي لم تتردد في الخروج عن صمتها بالتحذير من مغبة الوقوع في شرك الوجه الخفي للعلاقة بين الطرفين. وحسبما علمت ''البلاد'' فإن مصالح الداخلية قد شرعت بموجب نتائج اعتكافها على دراسة ملف الجمعيات في إعداد دفتر شروط جديد يلزم الجمعيات التقيد به خلال مدة محدودة وإلا طالها الحل التلقائي. ويأتي الاهتمام الرسمي بعالم الجمعيات في الجزائر تماشيا مع رغبة السلطة في إعادة تنظيم المشهد التعددي سواء الحزبي منه أو الجمعوي، بحيث كانت البداية بفرض وزارة الداخلية على الأحزاب التي تأخرت في عقد مؤتمراتها بتعجيل عقدها، كما سبق للوزارة أن أجبرت ذات الأحزاب على تقديم كشوفات حساباتها المالية وذالك تزامنا مع التعديل الذي أدخلته الوزارة على قانون الانتخابات، مما سيؤدي بالضرورة بعد سنوات إلى عملية تطهير انتخابية ثم حزبية آلية، وهو ما سوف يشكل خطوات آلية في مسار إعادة رسم الخريطة التعددية في الجزائر.