كان الصمت والهدوء يخيمان على مقر حزب العمال بالحراش، صبيحة الخميس، يوم الاقتراع، بعد عودة لويزة حنون من أداء واجبها الانتخابي. مدير حملتها، آيت جودي، يقف بالساحة يستقبل الاتصالات الهاتفية بشكل متواتر، يستقبل الصحافيين ويعتذر عن عدم إمكانية لقائهم للأمينة العامة، وبينما غادر الزملاء ظلت "الأمة العربية" بالمكان مصرة على رصد كواليس مداومة المرأة الوحيدة المرشحة للرئاسيات. وفي قاعة استقبل فيها بعدها الصحافيين، كانت آلاف النسخ من برنامج المرشحة مكدسة على الجهة اليمنى من الباب غطيت بعدها تحسبا لاستقبال حنون للصحافيين في ذات القاعة. وأول ما أكده آيت جودي هو تلك التجاوزات الكثيرة التي تم إبلاغه بها من قبل القياديين من الولايات وقال "لحد الآن ...لا يوجد إلا التجاوزات". وكانت التقارير والمتابعات الميدانية لمجريات الاقتراع بكل الولايات تصل إلى مقر الحزب بالحراش عبر الهاتف أو الفاكس. واستقبل محدثنا مكالمة من برلمانية الحزب، زبيدة خرباش، من البليدة التي أطالت الحديث معه تعلمه بحجم التجاوزات التي سجلت بمكتب للاقتراع يقع ببني مراد "لقد وجدوا 148 بطاقة للتصويت للمرشح بوتفليقة في أحد الصناديق ...قبل الاقتراع" قال آيت جودي، الذي أسر لنا أن عيونهم في مختلف مكاتب التصويت ثاقبة لحد أنها تتمعن في البطاقات المرمية بسلال المهملات لمعرفة توجه الناخبين ومدى تصويتهم على لويزة حنون. حنون ... والهدوء الغريب خلال الظهيرة خرجت حنون للصحافيين الذين توافدوا على المقر واجتمعت بهم بالقاعة وبدت جد مرتاحة بمعنويات مرتفعة ، أمر استغربه الصحافيون الذين ألفوا المرأة ثائرة وغاضبة على الدوام، وفي أحسن الأحوال تتحدث بلهجة منفعلة طبيعيا. لكن بصوت هادئ قالت "هناك سكينة هذه الصبيحة" واستطردت باسمة "أكيد من الصعب التخلص من تبعات حكم النظام الواحد بسهولة ...فقد تم تسجيل عدد من التجاوزات التي أبلغنا عنها وزارة الداخلية التي تدخلت فور إطلاعها، أمر أكدته عناصرنا المتواجدة بالميدان ...". وحسب حنون تمثلت التجاوزات في "حشو الصناديق ببطاقات لمرشح معين، بينما مكاتب أخرى لم يعثر فيها على بطاقات خاصة بي، كما أن مواطنين تفاجأوا لدى توجههم للتصويت بعدم وجود أسمائهم من قوائم المسجلين"، أما المشكل الأكبر حسبها أن "يصر آخرون على التصويت دون وكالة لفائدة أشخاص غيرهم". وأردفت حنون بثقة في النفس "عدا هذه التجاوزات.... فإننا متأكدون أننا لم نخطئ في توقعاتنا" تقصد إمكانية إحداثها المفاجأة وترجيح المواطنين الكفة لصالحها. وبنفس الهدوء، ذكرت حنون بشعبية الحزب المتزايدة مؤخرا خاصة مع نجاح حملتها الانتخابية، لكنها تضيف تؤكد "التزوير فيها فيها". وبدت حنون بشوشة بروح دعابة أراحت الصحافيين الذين أصبحوا مؤخرا يترددون في طرح الأسئلة عليها بعد ردودها التي وصفت من قبلهم بالعنيفة نوعا ما، وأضافت "لا يوجد حزب خرجت نساؤه لتعليق الملصقات ليلا خلال الحملة الانتخابية إلا حزب العمال ودون مقابل على خلاف باقي الأحزاب". وأردفت المتحدثة قائلة "هذه المرة شاركنا بمعنويات مرتفعة، ولنقول كفى لنظام الحزب الواحد". وضحكت حنون وهي توضح أنها لا تقصد من عبارة الحزب الواحد حزب جبهة التحرير الوطني، ولكن تقصد النظام السابق بممارساته. بينما ختمت جلستها الحميمية مع الصحافيين وهي تقف بالقول "إذا لم أنجح هذا المرة، فأكيد المرة المقبلة". حنون والصحافي الأمريكي جون وصل الصحفي الأمريكي جون بعد رفع جلسة حنون مع الصحافيين الجزائريين، وأجرى مفاوضات عديدة مع آيت جودي لتمكينه من إجراء لقاء مع مرشحة حزب العمال، لكن مدير حملتها الانتخابية طلب منه الانتظار ليناقش الأمر مع السيدة. وطال انتظار جون ذو العينين الزرقاوين والشعر الذهبي والصوت الذي يكاد لا يسمع، ومرت قرابة الساعة، ظهر خلالها الملل على الأمريكي الذي يقيم بالرباط ويعمل مراسلا من المغرب العربي لجريدة "ذناشيونال" الأمريكية، ومقرها الرئيسي بدبي الإماراتية. وخلال دقائق الانتظار أكد جون ل"الأمة العربية" بلغة فرنسية فصيحة "من المفروض أن يكون السياسيون اجتماعيين ويقبلوا بإجراء الحوارات وتقديم تصريحات للصحافيين خاصة في مناسبة مثل الرئاسيات"، ومع ازدياد توتره "الهادئ" حاولت صحفية وكالة الأنباء الجزائرية أن تفهمه بأن نفس الوضع كان ليحدث بأمريكا بالنسبة لصحافيين جزائريين يغطون رئاسيات أمريكية مثلا، "لذلك لا يجب أخذ الأمور بحساسية". وما إن خرجت حنون من مكتبها المقابل توجهت مباشرة لصحافية قناة "ميدي 1 " التلفزيوينة لتجيب على أسئلة الصحافية في أزيد من عشرين دقيقة، قضاها جون على بعد حوالي مترين من السيدة، وأجابت حنون بلهجة أقل هدوءا من تلك التي طبعت جلستها مع الصحافيين، لكن بمجرد بدء محاورتها من قبل الأمريكي جون حتى ظهرت للحاضرين حنون المتعود على رؤيتها الرأي العام وهي تتحدث عن السيادة الوطنية والأجانب في بلادنا بصوت مرتفع ينم عن غضب دفين يتفجر في زمن لا منتهي، وأخذت تجيب على أسئلة الصحافي بصوت مرتفع، متهمة إيّاه بطرح أسئلة عنصرية، حاثة إيّاه على عدم استصغار ما وصلت إليه الديمقراطية في الجزائر، وكان جون يطرح الأسئلة بصوت منخفض يكاد لا يسمع وكأنه لا يريد وصوله إلا غير أذن حنون، لكن أجوبتها كانت نارية بصوت جهوري ...كالعادة . وعلّق بعض الصحافيين ممن حضروا اللقاء بأن حنون اشتمت في الصحفي الأمريكي رائحة المساس بمصالح الجزائر، بينما أبدى الآخرون رفضهم لطريقة رد حنون على أسئلة الصحفي الذي يظل صحفيا مهما كانت الجنسية التي يحملها وما تسببه من حساسية لحنون المعروف عنها رفضها للوجود الأمريكي بالجزائر، وخوصصة الشركات الجزائر ببيعها للأجانب. وما أثار ضحك بعض الحضور أنه بمجرد انتهاء حنون من الرد على أسئلته حتى أطلق جون تنهيدة عميقة تؤكد أن حديث السيدة كان يحبس أنفاسه.