تمر، اليوم، الذكرى 66 لمجازر الثامن ماي 1945، التي ارتكبتها السلطات الإستدمارية الفرنسية في حق الشعب الجزائري، جيث حصدت في أيام قليلة أرواح أكثر من 45 ألف شهيد جزائري، بينهم أطفال ونساء، ورمت بعضهم في أفران الجير والتي ما تزال شاهدة على الجريمة لحد اليوم في ولاية ڤالمة، وبالضبط في منطقة هيلوبوليس. تمر الذكرى اليوم والجزائر ما تزال تعاني من التبعات الاستعمارية، ومن الاستفزاز الفرنسي الذي يلاحق الشعب الجزائري، من خلال قوانين العار الممجدة للاستعمار الفرنسي، من خلال محاولة زعزعة استقرار الجزائر من خلال الوقوف خلف ما يسمى بالمجلس الانتقالي الليبي الذي صار يتهم الجزائر في مناسبة وغير مناسبة، وربما اليوم الأسرة الثورية والمنظمات الحقوقية مطالبة في أكثر من وقت مضى بتوثيق الجرائم الفرنسية، وعلى رأسها جرائم الثامن من ماي ورفعها إلى المحاكم الدولية المختصة في جرائم الحرب، بما أن الجرائم لا تموت بالتقادم، فالتاريخ، الشهادات الحية وحتى الوثائق الرسمية الموجودة في الأرشيف الفرنسي، فإن التعامل مع المتظاهرين الجزائريين الذين خرجوا للاحتفال سليما والمطالبة بتنفيذ وعود الحرية التي قطعتها فرنسا لهمو جوبهت بوحشية قلّ نظيرها في التاريخ، حيث أبادت فرنسا 45 ألف مواطن جزائري، منهم الكثير من النساء والأطفال، بوحشية قلما تحدث في التاريخ البشري. ويعتبر الكثيرون أن أح اث الثامن ماي 1945 كانت منعرجا حاسما في تفكير الكثير من النخب التي بدأت تفكر جديا في حل مسلح والتخلي عن العمل السياسي الذي صار مضيعة للوقت، حيث تأسست أول خلية مسلحة في 1947 تحت قيادة الشهيد محمد بلوزداد، لتنتشر بعض الأعمال السلحة المتفرقة والمعزولة في الكثير من المناطق ضد الاستعمار البغيض، ممهدة للثورة المظفرة التي اندلعت في الفاتح من نوفمبر 1954، مغيرة تفكير الكثير من النخب الذين كانوا يؤمنون بإمكانية التعايش مع الاستعمار الفرنسي في ظل المساواة، وتساوي الحقوق بين الشعبين، فلن يمح التاريخ عار فرنسا خلال هذه المجازر البغيضة أين استعملت فرنسا الهمجية أعتى الوسائل العسكرية ضد شعب أعول أبادت من خلالها القرى والمداشر بحقد وغل غريبين، لا ينم سوى عن العقلية الفرنسية الاستعمارية التي ما تزال متشبثة بها إلى اليوم، وما يزال بعض من بقوا على قيد الحياة يتذكرون أحبابهم وأقرباءهم القتلى وهم يرمون في أفران الجير من أجل أن تقلل فرنسا من أثار جريمتها، في تصرف لا يختلف تماما عن التصرف النازي، رغم أن فرنسا خرجت من توها من حرب ضد النازية نالت من خلالها حريتها بفضل دماء الشباب الجزائريين الذين كانوا في الصفوف الأولى للقتال والدفاع عن أرض غير أرضهم، في الوقت الذي جبن جنودها وضباطها عن مواجهة الآلة العسكرية الألمانية، بينما استطاعوا أن يظهروا "شجاعة نادرة" في قتل النساء والأطفال في مجازر الثامن ماي 1945. بني عزيز بولاية سطيف قصة مكان يشهد فضاعة وشراسة مجازر فرنسا في الثامن ماي بموقعها على سفح جبل سيدي ميمون على ارتفاع 1.646 متر عند بداية سلسلة جبال بابور تصادفك بني عزيز الساحرة التي يقطنها 20 ألف ساكن، حيث بإمكان الزائر ولوجها بعد تجاوز منعطف الطريق لتظهر مبتسمة وسط مساحات خضراء ووادي بورديم. ومن الصعب أن ندرك اليوم أنه وبعد مرور 66 عاما بأن هذه المنطقة الساحرة لبني عزيز كانت ذات ربيع 8 ماي إلى غاية جويلية 1945 مسرحا لمجازر واسعة النطاق دخلت ضمن عمليات الإبادة. إن الموقع كان بهذه العمليات الغير معقولة كجهنم جراء إطلاق النار والقتل والاغتصاب وانتهاكات هستيرية ارتكبها عساكر وميليشيات فرنسا الاستعمارية المجنونة. ولم يبق الكثير من شهود عيان مجازر 8 ماي 1945 بمقر عاصمة هذه الدائرة الواقعة على بعد 60 كلم شمال سطيف، وهي البلدية التي أطلق عليها الاستعمار اسم "شافرول" حيث سقط فيها وقتها 379 ضحية، من بينهم عديد النساء والأطفال. أحد آخر الشهود يحكي الرعب قبل يوم من ذكرى ال 8 ماي 1945 المجاهد محمد بشير عزوز، الذي كان لا يتعدى سنه خلال تلك المجازر الدموية 13 عاما ما يزال يحتفظ كبقية الشباب، معظمهم تجندوا للكفاح في صفوف جيش التحرير الوطني من 1954 1962 حكايات الأجداد والآباء حول مجازر 8 ماي 1945. "كنت وقتها تلميذا في الزاوية الحملاوية بالتلاغمة"، يقول الحاج عزوز في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية أنه وبعد استشهاد سعال بوزيد أول ضحية في تلك المجازر قتله الضابط أوليفيري وكان وقتها يتقدم مسيرة المتظاهرين بسطيف في الوقت الذي تلقت فيه جماهير بني عزيز نبأ مقتل الحاكم الإداري لعين الكبيرة بعموشة". كان ذلك يعني بالنسبة للجميع "بأن الأمر يتعلق بجهاد ضد المحتل لأن المعاناة ومظاهر البؤس واليأس كانت الشرارة لتلك الانتفاضة" يقول الحاج محمد. وكان سائق الحاكم الإداري يسمى عمار بوقدورة، وفي اليوم الموالي التاسع من ماي وببني شارك قريب لبوقدورة يدعى عمار بوخروادة في هجوم على الدرك بشفرول وبحوزته بندقية قصيرة فقتل دركي وأحد المعمرين من بين الأوروبيين حسب ما رواه المجاهد محمد بشير عزوز وهو يرتعد أثناء تذكره تلك الفترة المظلمة. فرنسا استخدمت قناصة سينغاليون ومجندون وفي اليوم ما بعد الموالي للثامن من ماي 1945 الخميس وعبر بني عزيز ومشاتي المنطقة كان رد الاحتلال وحشيا وبشعا، على غرار بني مجلات، الأربعاء، عرباوة، عين السبت، حيث كان القناصة السينغاليون مجندون استقدمتهم فرنسا آنذاك من المغرب بمساعدة ميليشيات مشكلة من المعمرين يقتلون ويحرقون ويغتصبون بدم بارد، حسب ما رواه هذا الشاهد الذي رأى كل ذلك بأم عينه. يتذكر أن 12 منزلا تم حرقه بالكامل فيما تم القضاء على الزوج حدة ومبروك عزوز بكل برودة دم في منزلهما، كما أن في بني عزيز قتل رجل رفقة ابنه. ضحايا أرغموا على حفر قبورهم بأيديهم يحكي ومن شدة الرعب، ظل الكثير من شهود العيان مصدومين من رائحة الجثث المحترقة لعائلات بأكملها، كما أن بعض الضحايا أرغموا على حفر قبورهم بأيديهم يحكي حاج عزوز. فهذا الرجل الذي يعتبر ببني عزيز "ذاكرة" 8 ماي 1945 وحرب التحرير الوطنية ذكر كذلك ببعض الأشخاص الذين اعتقلوا ببني عزيز خلال شهر ماي 1945 ولم يطلق سراحهم إلا بعد 1962 من بينهم العربي عزوز وبوجمعة بوخريصة ولخضر بن يحيى ومحمد طولبة وأحمد حريدي. معظمهم أيتام تم تبنيهم من مناضلين وهرانيين في الحركة الوطنية وأضاف حاج عزوز، أن مئات الأيتام تم إحصاؤهم معظمهم تم تبنيهم من طرف مناضلين في الحركة الوطنية أ,من طرف جزائريين عبر مجموع الجزائر خاصة بمنطقة وهران. ومن بين هؤلاء الأيتام مسعود قريدي الذي عاد بعد الاستقلال إلى بني عزيز حيث عاش آخر أيامه منذ فترة قصيرة. "كان عمري 13 عاما في جويلية 1945 بتشودة بالقرب من بني عزيز (...) كنت مع والدتي وأبي من بين مئات سكان المداشر الذين تم تجميعهم بالقوة لإرغامنا على المشاركة في حفل الاستسلام. فكان العساكر يرغموننا على شتم قادة الحركة الوطنية لأحباب البيان والحرية ثم أن الجميع كان مجبر على الركوع مديرا ظهره للقبلة" يتذكر هذا المجاهد قبل أن يقوم ويؤكد قائلا "إذا كان الرجال يزولون، فإن بني عزيز لا تنسى أبدا".