يعتبر فن الطرز في الجزائر أحد الفنون الشعبية التي توارثتها الأجيال منذ القدم، إذ كثيرا ما كانت الأم ومازالت تلقن مهاراتها ورؤيتها الفنية في هذه الحرفة لبناتها لكسب وظيفة مهنية حرفية أو ممارستها في أوقات فراغها قصد تهدئة الأعصاب والاسترخاء.فالتطريز فن لا تستغني عنه النسوة، ولا يكاد يخلو بيت من بيوت مناطق بلادنا من وجود مطرزات برعت في انجازها أنامل جزائرية، ولا دليل أصدق من الأفراح والمناسبات التي تشكل المسرح الأمثل لإبراز المعروضات المطرزة، بما في ذلك جهاز العروس الذي يختلف من منطقة لأخرى، من ضمنه الأزياء التقليدية كالبرنوس، الكراكو، القندورة، والمطرزات من الشراشف، الأغطية، الوسائد المطرزة، وغيرها من الحاجيات التي تعتبرها العروس الجزائرية من الكماليات. لا شك أن التطريز الجزائري كغيره من الحرف التقليدية قد عرف في السنوات الأخيرة انصراف قسم كبير من النساء لاسيما من الجيل الجديد، في زمن تغيرت فيه الرؤى وبرزت متطلبات جديدة في عصر العولمة وأصبحت المرأة تحتل مناصب عليا في البلاد. إلا أن هذا لا ينفي وجود طاقات شابة هوايتها المفضلة التطريز على الطريقة التقليدية، لاسيما مع وجود مراكز التكوين والجمعيات عبر ولايات التراب الوطني، و التي تهدف إلى الحفاظ على التراث التقليدي للخياطة والطرز باليد. "الأمة العربية" و خلال جولتها بقصر رياس البحر بالعاصمة على هامش الطبعة الثانية للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة في الفترة الممتدة من 25 ماي الجاري إلى 31 منه، إلتقت بشابات جزائريات يكرسن أوقاتهن لممارسة الطرز على الثياب والمجوهرات والأثاث، وغير ذلك. الحرفية ليندة طالبي من الجزائر "الطرز يمنحني الاسترخاء ويذهب عني الضجر" قالت الحرفية "ليندة طالبي" التي تمارس الطرز على هامش عملها في قطاع المالية منذ حوالي 15 سنة، أن هذه الصنعة تعلمتها على يد والدتها بما فيها الطرز العاصمي الفتلة، نقطة الظل، نقطة بالسترينا والطرز على الشراشف، مضيفة أنها أحبت كثيرا الطرز لأنه يمنحها الاسترخاء و الصبر ويذهب عنها القلق. وأوضحت "ليندة" أنها تسعى دوما لتحسين عملها على الطريقة التقليدية سواء على مستوى الرسومات والألوان وطبيعة الخيوط المستعملة، خاصة مع طغيان المنتوجات الصينية التي أثرت على المنتوج المحلي، متمنية أن تصبح لها ورشة وتعلم فيها الفتيات الراغبات في الطرز. الحرفية "حمي مريم" من ورڤلة "أعشق الطرز حتى النخاغ" من جانبها، تحدثت الحرفية "حمي مريم" عن حبها الشديد لفن الطرز، الذي تكونت فيه مباشرة بعد توقفها عن مزاولة الدراسة، وقررت الإلتحاق بتعاونية أصالة "وادي ريغ" بتقرت التابعة لولاية ورقلة في منتصف التسعينيات، فنهلت المعارف في مجالي الطرز والنسيج الصحراوي لمدة أربع سنوات، لتواصل الدرب في ذات الجمعية التي أصبحت مشهورة بالنوعية الراقية، وانتشار تسويق منتجاتها الأصيلة بالعاصمة. وفيما يخص أدوات التطريز المستعملة، ذكرت "مريم" خيط الحرير وهو النوع الأكثر جمالا وتميزا، لكنه غالي الثمن، إضافة إلى خيط الشعر المستمد من صوف الغنم، وهو نوع قديم شهد انحسارا هذه الأيام. وأشارت "حمي مريم" الى أنها تحاول الحفاظ على الطرز التقليدي للجنوب من خلال اعتماد ذات التقنيات القديمة والأشكال المستمدة من التراث الصحراوي، والتي يطلق عليها "تماسين"، "بوبين"، "ويت فول" وغيرها. الحرفية فاطمة بتبت من غرداية "فتح جمعية مشعل مستقبل المرأة بالمنيعة ساهم في الحفاظ على الحرفة" أكدت الحرفية" فاطمة بتبت" من المنيعة التابعة لولاية غرادية، أنها كانت شغوفة منذ الصغر بالطرز التقليدي والنسيج المتوارث في العائلات الصحراوية، وما إن وصلت الى سن السادسة عشر من عمرها حتى انضمت في فترة التسعينات إلى إحدى المراكز التي كانت تعلم فيهن الآباء البيض، العديد من الحرف كالطرز والخياطة والنسيج، مضيفة أنها بعد أن تكونت في المركز جيدا، اتجهت للعمل مباشرة بعد فتح الحرفية فاطمة الزهراء رويغي لجمعية مشعل مستقبل المرأة بالمنيعة، هذه الأخيرة التي أضحت مشهورة داخل الوطن وخارجه، كون صاحبتها متخصصة في الطرز والنسيج ونالت تكوينا في التصميم والجمالية بباريس، ما جعل إبداعاتها تتسم بالتمازج التقليدي والعصري. وأبرزت "فاطمة" أنها متخصصة في الطرز التقليدي الأصيل وتستعمل في إبداعاتها ذات النماذج القديمة والموجودة في الزرابي كالمبدا والخلالة والتراقي وأخرى، داعية المعنيين بالقطاع الى ضرورة تبني إستراتيجية لتسويق المنتجات الحرفية دون الاضطرار الى التنقل إلى ولايات أخرى. الحرفية أنيسة بن صافية من تيزي وزو "الطرز الأصيل والخياطة المتقنة سر استمرارية الحرفة" اعتبرت الحرفية أنيسة بن صافية، فن الطرز من الهوايات التي تهواها كثيرا وتجيدها، لكنها ترى في خياطة الأزياء القديمة المطرزة من قبل أختها نورة متعة أكبر، مضيفة أن الألبسة القبائلية التي تقوم بها شقيقتها مستلهمة من الأزياء القديمة ذات الطرز بالنقاط المتوازية والتي تدعى "ثفيرجين" (البساتين) والطرز من فوق إلى الأسفل ومن اليسار إلى اليمين، إلى جانب ذلك اعتمادها على الألوان والأشكال الفريدة المستمدة من التراث، هو الأمر الذي جعلها تفرض نفسها في منطقتها أمام حرفيات كبار، مذكرة أن الخياطة المتقنة هي التي تجعل من العمل المطرز يغدو أكثر جمالا ويفتح أفاقا جديدة لهذه المهنة التي تتوقف على يد المرأة وبراعتها ورؤيتها الفنية. مبدعات محنكات في الطرز يثنين على الشابات اللواتي حملن مشعل الحرفة هذا، وأكدت عدد من الفنانات المحنكات و اللواتي لهن باع في فن الطرز أمثال جميلة طوراش من قسنطينة، حفصة ناصر ومينة قادري شكشاك من العاصمة وغيرهن، أن المهرجان الوطني لإبداعات المرأة أتاح لهن فرصة عرض منتوجاتهن للزوار والتعرف على إبداعات الفنانات الشابات المتمسكات بالممارسات القديمة لفن التطريز كالفتلة ونقطة الظل والطرز التقليدي الجنوبي والقبائلي، على الرغم من التطور الكبير الذي شهده هذا الفن على أكثر من مستوى سواء على مستوى الألوان المختارة أم على النماذج العصرية والإبداعية الحديثة.
حرفيات بين الإستياء والتفاؤل بمستقبل الطرز في الجزائر من جهة أخرى، اعتبرت الكثير من الحرفيات أن السوق الحالي غير مشجع كثيرا على الإنتاج والتنافس، لأن الإبداع في نظرهن يحتاج إلى مبالغ كبيرة في اختيار الأقمشة الى الخيوط الجيدة لاسيما مع غزو البضاعة الصينية المفتقرة للنوعية والإتقان، متأسفات لغياب من يقيم إبداعاتهن، مع تدني القدرة الشرائية للمواطن الذي يبحث عن السعر الرخيص المحسوب على نوعية المنتوج. ودعت بعض المبدعات السلطات الوصية إلى ضرورة دعم تسويق المنتجات الحرفية الجزائرية وفتح المزيد من الورشات الحرفية لنقل معارف هذه الصنعة للشباب وتحبيبها لهم قصد المحافظة على الموروث الحضاري من جيل إلى جيل. في حين رأت أخريات أن الطرز بالتقنيات الجزائرية متاح، ومن ثم لا داعي للبحث عن مواد مكلفة وصعبة المنال، متفائلات بحال الطرز في الجزائر وإمكانية تطوره، لاسيما مع وجود الكثير من العرائس اللواتي يرتدين الألبسة التقليدية في ليلة زفافهن و يأخذن مطرزات جزائرية تزينية لبيت الزوجية ما ينم على التمسك بالتقاليد الجزائرية وكذلك اقتناء المنتوج الجزائري الأصيل من قبل السواح الأجانب. وعلى وقع التفاؤل، لا يسعنا أن نقول من خلال متابعتنا لفعاليات المهرجان الوطني لإبداعات المرأة في طبعته الثانية، أنه قد شهد تفاعلا رائعا من قبل الزوار والحضور بالرغم من وجود عدة فعاليات أخرى في نفس الزمن والتوقيت وهذا دليل على نجاح و أهمية مثل هذا العرض لدى مختلف أطياف المجتمع.