نظمت دار الثقافة في مدينة تيزي وزو، يوم أول من أمس الخميس، تظاهرة تكريمية تخليدا لروح شاعر التجوال والمحن سي موح أومحند ولإبداعاته الشعرية المرهفة. وتم بمناسبة هذا التكريم الذي جرى بالتنسيق مع الجمعية الثقافية سي موح أومحند تنظيم زيارة إلى قبر الشاعر بعين الحمام قبل عرض لباقة من الأشعار من تقديم الجمعية الثقافية "يوسف أوقاسي"، بالموازاة مع تنظيم معرض للكتب وتنشيط محاضرات حول حياة هذا الشاعر الفريد. وتأثرت حياة شاعر الجوال والمحن سي موح أو محند بالأحداث المأساوية التي عاشتها الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي والتي طبعت إلى الأبد مسار هذا الشاعر المرهف الاحساس والذي تمكن من خلال ترويضه للكلمات وصف مجريات عصره وكل الويلات التي كان شاهدا عليها. وكان محند حمادوش وهو الاسم الحقيقي للشاعر الذي ولد 1845 بقرية "ايشر عيوين" بمنطقة تيزي راشد قرب تيزي وزو شاهدا على عصره الذي ميزته أحداث خطيرة طبعت للأبد روحه الشاعرية الحساسة في تلك الحقبة الاستعمارية، ليصبح بذلك مرآة لكل الذين عانوا من ويلات الاحتلال. فقد ذاق الشاعر مرارة الابعاد عن مسقط رأسه منذ صغره حين اضطرت عائلته إلى الفرار من قريته الأصلية التي قام المارشال راندون عام 1857 بإزالتها عن آخرها ليقيم مكانها "حصن نابوليون" الذي تحول فيما بعد إلى "حصن الأربعاء ناث ايراثن". وكان سي موح أومحند قد عاش قبل ذلك هجرة أخرى حزت في نفسه حين فر أهله من قرية أغمون هروبا من قانون القصاص الساري المفعول في تلك الحقبة في كامل منطقة القبائل. ولم تتوقف حيثيات القدر عند هذا الحد بالنسبة للشعار، إذ تعرضت المنطقة كلها في تلك الفترة إلى عدة حملات عسكرية كانت ترمي إلى معاقبة سكانها اثر ثورة 1871. ودفعت عائلة الشاعر آث حمادوش ضريبة ثقيلة لها تمثلت في إعدام والده محند امزيان ونفي عمه الشيخ أرزقي إلى كاليدونيا الجديدة ومصادرة ممتلكات العائلة. وتركت هذه الأحداث أثرا عميقا في نفسية الشاعر الذي كبر مع هذه المحن والأحزان، فدفعه ذلك إلى التمعن في واقع شعبه والتعبير عنه وعن ثورته بفضل تلك الأشعار الجميلة التي كانت تنطلق بسلاسة من قلبه الذي نخرته الأحزان. وكان الشاعر المتجول يجوب القرى والمداشر حاملا عصاه معه وهو يتنقل من بلاد القبائل إلى غاية تونس، زارعا وراءه الكلمات والأشعار الجميلة التي يستوحيها من هموم الناس وحياتهم اليومية.