لا زالت بؤر الفساد تلاحق بلدية برج الكيفان، فمنذ عهد المندوبية التنفيذية لسنة 1984، وهي تعاني ويلات النهب والتلاعب بالعقار. وما يؤكد هذا؛ هو اكتشاف القضاء يوميا لقضايا النهب التي ما زالت مخلفاتها لليوم. فإذا أردت الحصول على قطعة أرض أو قرار استفادة، رخصة بناء أو تجديد الرخصة، ما عليك إلا الدخول إلى معترك الانتخابات للظفر بمنصب عضو بلدية. وإن عجزت عن هذا، عليك التعرف على أحد العارفين والوالجين كثيرا لأحد مكاتب بلدية برج الكيفان، ولو كان حارسا أو سائق البلدية، فكل هؤلاء يستطيعون مساعدتك للحصول على قطعة أرضية تساوي الملايير، مع احتساب فوائد ضئيلة لصالح الجيوب، لا تصل ثُمن الفائدة التي تجنيها من استفادتك. حديثنا هذا لا نقصد به فتح أعين المواطنين على الطرق غير المشروعة للنهب بالبلدية، وإنما استطلاعنا وغوصنا في موضوع بلدية برج الكيفان أرهبنا، ما جعلنا نذكر الطرق غير المشروعة للنهب التي يتبعها منتخبونا المحليون. إذا رآهم الواحد منا شهورا عدة، إن لم نقل أعواما، وهم في حملات انتخابية، تظنهم أكثر الخائفين على مصلحة البلاد والعباد، ولكن في الباطن خائفين على كيفية ملء الجيوب. القضايا التي تطرح يوميا على محاكم الجزائر العاصمة، جعلتنا نفكر جديا في طرح تساؤلات عدة عن سبب هذا النهب؟ أين كان المجلس الوطني للمحاسبة لما مورست كل هذه التلاعبات بالعقار؟ كيف وصلت البلدية إلى هذه الدرجة من الخطورة، ليصل الأمر بالمير خميري منور للاستنجاد بالوالي المنتدب حتى يضع حدا لهذا النهب؟ أين كان القانون والعدالة لما مورس التلاعب؟ كلها تساؤلات لم نجد لها إجابات... أثناء تقصينا عن الموضوع، تلقت "الأمة العربية" معلومات من مصادر قضائية عليمة بالملف، مفادها أن قاضي تحقيق الغرفة الثالثة بمحكمة عبان رمضان يتابع ملفا ثقيلا تورط فيه موظفو بلدية برج الكيفان، بدءا من رئيس المجلس الشعبي البلدي، إلى آخر موظف بالبلدية، وهو الحارس وعون الأمن. وقد تورط في القضية 18 متهما، من بينهم المير خميري منور رفقة أعضاء البلدية، ضابط شرطة، رفقة رئيسة المندوبية التنفيذية للعهدات السابقة، رئيس مصلحة البناء والتعمير، وهذا لارتكابهم جرم تكوين جمعية أشرار، التزوير واستعمال المزور في شهادات إدارية، تحرير عمدا الإقرار أو شهادة تثبت وقائع غير صحيحة ماديا، طلب مزية غير مستحقة لأداء عمل من واجباته، تبديد أموال عمومية عهد بها إليه بحكم وظائفه، إساءة استغلال الوظيفة بغرض الحصول على منافع غير مستحقة، استغلال النفوذ، المشاركة في تبديد أموال تعارض المصالح، التصريح الكاذب. لما رأى المير قرارات الاستفادة تتطاير على مكتبه هنا وهناك، كل يوم يستقبل مواطنا ويجد عنده قرارا أو رخصة بناء بختمه وإمضائه الخاص، دون أن يقوم بذلك، أرسل رسالة نجدة للوالي المنتدب للدار البيضاء، تتضمن شكوى عن النهب الحاصل بعقار البلدية. وعلى إثر هذه الأخيرة، بدأت فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بالجزائر إثر وجود إرسالية حاملة لرقم 08/414/2/ف.ش.ق/م.و.ج بتاريخ 04 / 08 / 2008 عن قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني بالجزائر، مرفقة بإرسالية رقم 08/4775 بتاريخ 29 / 07 / 2008 عن النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، مفادها فتح تحقيق ابتدائي في الشكوى المرفوعة من طرف والي ولاية الجزائر ضد مجهول من أجل التزوير واستعمال المزور، التعدي على الملكية العقارية. الشكوى المذكورة جاءت بناء على تقارير صادرة عن الرئيس السابق لبلدية برج الكيفان، خميري منور، المتضمنة اكتشافه لعمليات تزوير واستعمال المزور في محررات إدارية، تتمثل في منح قطع أرضية ملك للبلدية بحي قايدي 12 بنفس البلدية، مشيرا إلى تورط المدعو "ل.د" ضابط شرطة والمدعو "ح.م" صاحب قاعة شاي ببوزريعة ضمن مجموعة من الأشخاص يحتالون على المواطنين، من خلال بيع لهم قطع أرضية بوثائق مزورة. حسب أحد تقارير المير، أنه من بين الوثائق المزورة التي اكتشفها، هناك قراري استفادة من قطعتين أرضيتين مخصصتين للبناء، الأول يحمل رقم 65/95 باسم "ل.سليم"، والثاني رقم 64/95 باسم "ب.جمال"، وكذا رخصتي بناء تجديد خاصتين بهاتين القطعتين يحملان رقم 93 و94 على التوالي. كون القطع الأرضية الواقعة بالبلدية والمقدرة ب 31 قطعة أرضية، قسمت بتواطؤ من الأعضاء، كل واحد استفاد من قطعة أرضية لأهله وأصدقائه مقابل مبالغ زهيدة يتحصل عليها العضو بالبلدية، وقد تورط في القضية مير برج الكيفان خميري منور، والمير الذي يسبقه، رفقة أعضاء مجلسه الشعبي العهدة السابقة والحالية بالإضافة إلى أصحاب المستثمرة الفلاحية الفردية المسماة "م.السعيد"، حيث قدر عدد المتهمين ب 29 متهما، وقد وجه للمتهمين تهم تتعلق بالتزوير واستعمال المزور، التعدي على الملكية العقارية، البناء بدون رخص، إساءة استغلال الوظيفة. وقائع قضية الحال بدأت بالشكوى المودعة من قبل المير خميري إلى وكيل الجمهورية بمحكمة الحراش، مفادها وجود تلاعب بالعقار على مستوى المستثمرة الفلاحية الواقعة بالضفة الخضراء ببرج الكيفان، والتي تبين أنه استفاد عدة أشخاص من عقود إدارية لقطع أرضية تابعة للمستثمرة الفلاحية، واستفادوا من تجديد لرخص البناء لم يتم تسجيلها بالسجلات الخاصة بالمداولة الحاملة للرقم 83/88، أين كان يترأس البلدية المير السابق "ح.ج" في الفترة الممتدة من 1984 إلى 1989، وتبين غياب السجل الخاص بالمستفيدين خلال تلك الفترة، أين كان المسمى "ك.م" أمين عام للبلدية، وكان المسمى "ث.م" نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لتلك العهدة وترأس اللجنة الخاصة بالمستفيدين من القطع الأرضية بحي الضفة الخضراء، وتبين قيام صاحب المستثمرة الفلاحية "م.سعيد" رفقة ابنه "م.حكيم" ببيع عدة قطع أرضية بمبالغ مالية تتراوح بين 3 إلى 4 ملايين دينار. كما تبين أنه تم تجديد رخص البناء لتلك القطع بعهدة "خ.منور"، هذا الأخير الذي استفاد بدوره من عدة قطع أرضية بأرض المستثمرة الفلاحية، كما هو الحال للقطعة رقم 18 باسم زوجته والقطعة رقم 19 باسم صهره والقطعة رقم 23 باسم صهره أيضا. وتبين من خلال التحريات، أنه استفاد عدة أقارب للمسؤولين بالبلدية، كما هو الحال للأمينة العامة "ب.نصيرة" التي استفاد زوجها حارس بالبلدية من قطعة أرضية رقم 28، وكذا والدتها ووالدة زوجها بقطع وقاموا ببيع القطع. وتبين أيضا خلال التحقيق، استفادة المسمى "ف.فريد" من القطعة الأرضية رقم 31، وهو زوج رئيسة مصلحة البناء والتعمير، وقام ببيعها بمبلغ 270 مليون سنتيم. وتبين أن عدة قطع أرضية واقعة بأرض المستثمرة الفلاحية الفردية، تم بيعها عن طريق عضو بالبلدية، والذي تكفل بتجديد رخص بناء مزورة، وكذا إحضار عقود إدارية مزورة، وذلك مقابل مبالغ مالية يتلقاها عن كل عملية. واستكمالا للتحقيق القضائي، صرح المير خميري منور للمحققين أنه خلال بداية سنة 2008 أثناء توليه لمهامه، تقدم منه رئيس مصلحة البناء والتعمير "ك.الطاهر" وبحوزته قراري تنازل عن قطعتين أرضيتين ورخصتي بناء تجديد، قصد التأكد من صحة تسجيلهما بقائمة المستفيدين من القطع الأرضية بحي ڤايدي 12، يتعلق الأمر بقرار استفادة رقم 64/95، مع رخصة بناء تجديد وقرار استفادة ثان رقم 65/95 مع رخصة بناء. مؤكدا أنه بعد إطلاعه على قائمة المستفيدين بذات الحي والأرقام المسجلة بالقرارين، تبين له أن قراري الاستفادة مسجلان بأسماء غير الأسماء التي أتى بها رئيس مصلحة البناء والتعمير، إلا أنه وحسبه لم يمتثلا أمام مصالحه. لما تم التأكد من أن المستفيدين من القرارين، اتضح أنهما غير مسجلين بالقوائم الانتخابية، وهي نفس النتيجة التي تم الحصول عليها من مصلحة الانتخابات لولاية الجزائر، الشيء الذي يؤكد أن القطعة الأرضية رقم 64 بحي ڤايدي 12 رقم 64/95، اتضح أنه غير مؤرخ، أي لا يحمل تاريخا، يحمل الختم الدائري رقم 20 لبلدية برج الكيفان، وعليه الختم الشخصي وإمضاء رئيس المندوبية التنفيذية "ن.علول". أما رخصة البناء (التجديد) رقم 93/2005، فقد عوين عليها طابعان عليهما الختم الدائري رقم 15 لبلدية برج الكيفان، مع الإمضاء والختم الشخصي للرئيس خميري. من خلال ما سبق ذكره، تبين أنه بعد تسجيل القطعة الأرضية رقم 64 بحي ڤايدي 12 باسم شخص وهمي من طرف رئيسة المندوبية التنفيذية للبلدية، قام فيما بعد النائب الأول لمير البلدية "ك.رشيد" بتزوير قرار الاستفادة باسم "ب.جمال" بتاريخ رجعي، يخص نفس القطعة الأرضية مقابل مبلغ 100 مليون سنتيم، ليعتمد المير خميري عليه في إصدار رخصة البناء(التجديد). استغلالا لما ورد في تصريح المسميين "ب.إبراهيم" و"ل.مصطفى"، اتضح أن المير السابق خميري منور ساعة توليه رئاسة المجلس الشعبي البلدي أصدر رخصتي البناء "التجديد" المذكورتين، معتمدا على قرارين مزورين، حيث حاول استرجاع الرخصتين قصد تغطية أفعاله الإجرامية، دون أن يطلب من المعنيين إحضار النسخ الأصلية من قرارات الاستفادة المزورة الصادرة باسم رئيس المندوبية التنفيذية. نظرا لاكتشاف التحريات أن سجل رخص البناء والتجديد تم استعماله في عمليات التزوير من قبل المير خميري، تم حجز هذا السجل ووضعه تحت حرز شرعي. بعد التأكد أن رخصتي البناء (تجديد) رقم 93 و94 غير مسجلتين بالبلدية، تم عرضهما رفقة شهادات إدارية، قرارات تسوية ورخص بناء أخرى على المعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام للدرك الوطني ببوشاوي، لإجراء الخبرة العلمية لمقارنة الأختام الإدارية، الإمضاءات وأختام الإمضاءات المدونة عليهم، مع نماذج الأختام والإمضاءات التي كانت مستعملة من طرف خميري خلال توليه لمهامه كرئيس للمجلس الشعبي البلدي، حيث أكدت الخبرة بأن كل الأختام والإمضاءات المدونة برخص البناء، قرارات التسوية والشهادات الإدارية التي تم عرضها على المعهد، تنطبق تماما مع تلك التي كانت تستعمل من طرف خميري أثناء توليه لمهامه، مما يؤكد أن رخصتي البناء (تجديد) صادرتان عن المعني الذي اعتمد في إصدارهما على قراري استفادة مزورين. المسمى "ب.أحمد"، عون إداري، أكد أنه عند اكتشافه لعملية النشاط غير الشرعي الذي كان يمارسه المسمى "ص.بشير"، لعدم تعديله لسجله التجاري، قام بمراسلة المير كتابيا مقترحا عليه غلق المحل التجاري إلى غاية تسوية المعني لوضعيته، إلا أن خميري رفض ذلك وطلب منه إحضار ملف "ص.بشير"، مهددا عون الأمن بالطرد من العمل في حالة عدم قيامه بذلك. على إثر ذلك، أوضح عون الأمن أنه لجأ إلى مراسلة الوالي المنتدب للدائرة الإدارية بالدار البيضاء، مخبرا إياه بالقضية، الشيء الذي جعل خميري يقرر توقيفه عن العمل بموجب مقرر رقم 148. لما أصبح التلاعب بالعقار شيئا عاديا ببلدية برج الكيفان، لحق الأمر إلى السائق ليأخذ حصته هو الآخر ويفرض وجوده بالبلدية، حيث سلم لمواطن قرار تسوية، كون القطعة الأرضية التي سلمها له هي ملك لفلاح أوهمه بأنها تعود لملكيته الخاصة، وبهذا تحصل على مبلغ 300 مليون سنتيم. الضحية المواطن لما توجه لبلدية برج الكيفان للتأكد من قرار التسوية الصادر عن البلدية، اتضح له بأنه مزور، والقطعة التي سدد ثمنها لا تعود ملكيتها للسائق، بل لفلاح. على إثر هذه الوقائع، تقدم الضحية لمصالح الأمن وأودع شكوى بتاريخ 15 / 11 / 2011 للإبلاغ عن التزوير واستعمال المزور النصب والاحتيال الذي تعرض له من قبل سائق بلدية برج الكيفان. وقد جاء في فحوى الشكوى، أن الضحية ومنذ حوالي سنة، اتصل بالمشتبه فيه سائق البلدية بصفته موظفا بها للاستعلام عن أية قطعة أرضية صالحة للبناء تكون معروضة للبيع، فأكد له المشتبه فيه أنه يملك قطعة أرضية بحي أبلا معروضة للبيع، ومكنه من معاينتها، ليضيف أنهما اتفقا على مبلغ البيع المقدر ب 300 مليون سنتيم، واعدا إياه بأنه سيستخرج له قرار التسوية ورخصة البناء بدلا من قرار الاستفادة. بعد أيام من الاتفاق، أمّن الضحية مبلغ 300 مليون وتوجه للمشتبه فيه، حيث سلم له المبلغ بحضور شاهدين "س.مجيد" رفقة "ف.كمال"، وسلم له في اليوم الموالي نسخة من شهادة ميلاده ورخصة سياقته. وبعد ما تسلم المشتبه فيه الوثائق والمبلغ المالي، سلم للضحية قرار تسوية ورخصة بناء باسمه صادرين عن بلدية برج الكيفان، وعلى إثرها توجه الضحية مباشرة إلى البلدية أين تبين له أن الوثيقتين مزورتان، حينها اتصل بالمشتبه فيه للاستفسار وتسوية الأمر معه، لكنه رفض وطرده. وفي السياق ذاته، أكد الشاهد "زوبير.ب" أن سائق البلدية توجه إلى المسمى "ف.كمال" موظف بدائرة باب الزوار وطلب منه أن يودع ببلدية برج الكيفان ملفي لتسوية عقارين أحضرهما له المشتبه فيه.