فضائح التسيير الارتجالي الذي تجري بشأنه مصالح الرئاسة ومصالح أخرى تحقيقات جراء ما حدث ويحدث من فساد إداري، لا يمكن القول إنه يقتصر على بلدية بئر خادم لوحدها، بل الآفة انتشرت في أغلب الولايات، الأمر الذي اكتشفته "الأمة العربية" خلال إحدى الرحلات انطلاقا من الجزائر نحو وهران، فطيلة الرحلة لم تخل البلديات التي مرت بها من التجاوزات الخطيرة التي مست أراضي فلاحية خصبة، حتى وصل الأمر إلى تحويل بعضها إلى حظائر لسيارات وأخرى أنجزت عليها مساكن حكومية خاصة. فعلى بعد أمتار عن مقرات الوزارات وإدارات أملاك الدولة، وقعت وتقع مجازر في حق الفلاحة، لا يصدقها المنطق، ولو أدخلت على أحدث أجهزة الكمبيوتر، لاختلطت عليه الأمور. بتاريخ 09 / 08 / 99، اجتمع نواب مجلس بلدية بئر خادم من أجل دراسة والمصادقة على ملف تسوية قضية السكان المقيمين ببعض المزارع الفلاحية والأحياء القصديرية، وهو ما جاء في المداولة الصادرة عن هذا الاجتماع السري المؤرخة في 09 / 08 / 99 تحت رقم 34/ 99 من إمضاء رئيس بلدية بئر خادم المدعو رابح جانكي، هذا الأخير كان قد تقلّد رئاسة المندوبية التنفيذية قبل عام 1997. وحسب ما جاء في نص المداولة التي تملك "الأمة العربية" نسخة منها، فإن 10 أعضاء من بينهم بوبكر المنور وهديبل طاهر، حضروا التصديق عليها، حيث تقرر الموافقة والمصادقة بالإجماع على ملف تسوية السكان القاطنين بالأحياء القصديرية والمزارع الفلاحية، فهل هي الصدفة أن تكون جمعية الأمل صاحبة الحظ في الحصول حسب ما نصت عليه ذات المداولة على 138 قطعة أرض للبناء؟ نفس الامتياز تحصلت عليه جمعية السعادة 2 التي فازت ب 168 قطعة، حي السعادة هو كذلك تحصل على 149 قطعة، كما تم منح مزرعة السلام التي لم تكن سوى تعاونية عقارية تحمل نفس الإسم المتحصل على 106 قطعة أرض للبناء. قطع الأراضي وزعت على انفراد وليس باسم الجماعة، فأين اللغز في ذلك؟ نفس الأمر حدث مع 130 قطعة جاءت منفردة هي كذلك. العشرة نواب المجتمعين لخدمة مافيا العقار، قاموا بخرق قوانين الجمهورية مقابل رشاوى قليلة مقارنة بالخسائر الفادحة التي ألحقتها فضيحة هذه المداولة التي لا يوجد لها أثر في سجلات البلدية خلال عام 1999. المدعو منور بوبكر الذي كان يشغل منصب النائب الأول في عهد المندوبية التنفيذية، كان قد أمضى على مئات القرارات الخاصة بالاستفادة من عقارات البلدية الممنوع التصرف فيها. نفس الشخص منح رخصا للبناء لفائدة أشخاص دفعوا له رشاوى بالملايين. في هذا الشأن، كان هذا النائب قد وقّع بتاريخ 15 / 05 / 96 على قرار أولي لصالح المدعو زروقي محمد شريف بغرض تسوية قطعة أرض مساحتها 200 متر تقع بالتجزئة المسماة حي مونو تحت رقم 100. وحسب ما جاء في هذا القرار المرتشي، أن هذه التسوية جاءت بمقتضى محضر لجنة الدائرة رقم 03 / 96 المؤرخ في 23 /4 / 96 الذي تضمن تحويل القطعة المتواجدة بحي مونو لفائدة البلدية، القرار لم يكن مطابقا للقانون. وحسب الوثائق المزوّرة التي تحصلت عليها "الأمة العربية" من مصادر موثوق بها، والتي ختمت بأختام البلدية ووقّع عليها على بياض، بيعت نسخ منها بعشرات الملايين. خروقات كان وراءها شبكة النائب الأول التي مررت المئات منها في السوق السوداء، أين يقوم الشاري بملء الإسم ووضع الرقم وتحديد المساحة بنفسه. كما وسّعت شبكة النائب الأول من نشاطها المزوّر، حيث وضعت في الخدمة وثائق رسمية أخرى تتعلق برخص البناء التي حررت على بياض بنفس طريقة قرارات الاستفادة، والتي بيعت بالملايين، حيث تؤكد مصادر على علاقة بالملف بأن سعر الوثيقة من هذا النوع وصل ثمنها إلى 150 مليون سنتيم، وفي بعض الأحياء بلغ السعر 200 مليون سنتيم. النائب الثاني المدعو هديبل الطاهر، بعد أن رخص له بتاريخ 11 مارس 98 تفويض الإمضاء بقرار صادر عن رئيس البلدية المدعو جانكي رابح، فأصبح بذلك شخصية مهمة في شبكة العقار، حيث واصل عمليات إصدار الإعذارات والمحاضر بغرض ابتزاز المستفيدين، ومن جهة أخرى تمادى هذا الأخير في منح رخص أشغال البناء، قرارات الإستفادة وقرارات تسوية الوضعية، ضاربا عرض الحائط القوانين المنظمة لمثل هذه العمليات. خروقات يكشفها توقيع هذا النائب على قرار لصالح مواطن قضى بتسوية قطعة أرض للبناء مجهولة الحدود، نسخة من هذا القرار الذي بحوزتنا، مكّن المدعو بن عبد الله محمد من الحصول على القطعة الأرضية رقم 68 من مخطط التجزئة الواقع بحي تريشال، هذا الأخير وضع على هذا القرار الذي وقّعه على بياض النائب الثاني الطاهر هديبل، مساحة تقدر ب 180 م2. قرارات استفادة لقطع أراض مزوّرة، تحمل إمضاءه وتأشيرة البلدية مؤرخة بتاريخ 13 / 12 / 99، كان نفس النائب فد ختم عليها وهي على بياض، عليها تواريخ قبلية هي بحوزتنا كشفت حجم الفضائح التي اعتاد عليها منتخبو الشعب وهم على رأس المسؤولية. لا يصدق عاقل، فيلات وعمارات زرعت مكان الخضر والفواكه، أمام مرأى ومسمع كل السلطات الإدارية والأمنية ببئر خادم، أين تم منح أراض ذهبية صالحة للزراعة لصالح تعاونية عقارية تسمى السلام، هذه الأخيرة تكشف الوثائق والمصادر أنها نشطت على ثلاث مراحل، مستغلة عمال بلدية بئر خادم كغطاء لتسهيل الحصول على رخصة إنجاز مشاريع سكانية، والتي تحوّلت لتحقيق هذا الهدف. التعاونية المسماة السلام، ارتكبت عدة تجاوزات في حق احتياطي العقار، وتشير وثائق نشأتها إلى أنه خلال عام 1996 تقدم الفرع النقابي لبلدية بئر خادم بطلب يحمل رقم 20 / 96 وجهه إلى رئيس التعاونية العقارية السلام 1، طالبا منه إدماج القطعة الأرضية للمجموعة رقم 3 إلى تعاونية سلام 1، هذا الطلب الموجه إلى رئيس تعاونية السلام 2 وقّعه المدعو بولوح عبد المجيد رئيس التعاونية لدى أمين الفرع النقابي للبلدية المدعو أوصديق ورئيس السابق لمندوبية التنفيذية لبلدية بئر خادم، وبذلك تمت الموافقة على تحويل القطعة الأرضية التابعة للمجموعة الفلاحية رقم 3 تحربوشات الحاملة لرقم 79 من مخطط مسح الأراضي القسم 1 إلى قطعة أرض صالحة للبناء بتاريخ 13 / 7 / 96 تحت رقم 42 / 96، وقد أرسلت مراسلة في هذا الشأن لتحويلها لفائدة بلدية بئر خادم، وقّعها بتاريخ 29 / 9 / 97 تحت رقم 191 / م ع / 97 المدعو رابح جانكي، الرئيس السابق للمندوبية التنفيذية، وبذلك أصبحت التعاونية العقارية السلام 1 آلة تصنع الأرقام. ففي ظرف سنة، تحوّلت من سلام 1 إلى سلام 3؛ حيث تمكنت من الحصول على قرار مؤرخ في 27 / 8 / 97 تحت رقم 07 م ع 97 الذي أصدره جانكي رابح، رئيس المندوبية التنفيذية لبئر خادم، تضمن منح رخصة تجزئة مزرعة تحربوشات التي تقدر مساحتها ب4 هكتارات و4 آر و25 سنتيار، إلى 156 قطعة قرار نال موافقة مدير التعمير لولاية الجزائر بتاريخ 13 / 07 / 97. واصل أصحاب تعاونية السلامات الثلاث، خطة الإستيلاء على الأراضي الخصبة تحت غطاء الدفاع عن حقوق عمال البلدية وبعض المواطنين المغلوبين على أمرهم، فأصبحت في ظرف أربع سنوات تسمى التعاونية العقارية السلام 03 الموسعة. كلمة "موسعة" نجدها في مراسلة جد خاصة، صادرة عن ديوان والي ولاية الجزائر بتاريخ 23 جوان 2001 تحت رقم SP/CC / 1510 /، موجهة إلى الوالي المنتدب لبئر مراد رايس جاء فيها "رفع الحجر على طلب تعاونية السلام 3 الموسعة الخاص بقطعة أرض، حيث كان قد تم تعليق منح قطع الأراضي للبناء بمنشور يحمل رقم 1 مؤرخ في 06 / 04 / 2000 تضمن التعليق المؤقت للعمليات في العقار العمومي". هذا المنشور جمدته تعليمة مؤرخة في 25 / 12 / 2000 تحت رقم 505، فهل من المعقول أن يرمى منشور في سلة المهملات بتعليمة في ظرف 8 أشهر لتوفير السلام في عمليات استلام الأراضي لصالح تعاونيات السلام؟ بلدية بئر خادم التي كانت مسرحا لمجازر عقارية خطيرة، اعتاد فيها المواطنون على رؤية أصحاب السيارات الفاخرة والمشبوهة كانت تزور مناطق العقار بالبلدية، أصحابها من ذوي البطون المنتفخة حاملين معهم الشكارة، مدعين أن لهم باعا في السلطة والأجهزة الأمنية حسب ما صرح به أحد المواطنين وهو شيخ كبير له دراية بكواليس العقار ببئر خادم، التي كانت تنشط بها شبكات تهريب العقار تحت غطاءات متنوعة، مستعملة أسماء للوزراء وشخصيات عسكرية مدنية، والادعاء بالإنتماء إلى الأجهزة الأمنية. وكدليل على هذه الممارسات، كانت جمعية السعادة، ميراليس سابقا، قد تحصلت بتاريخ 10 / 08 / 97 على رخصة تحمل رقم 179 / م ع / 97 من أجل تهيئة أرض فلاحية مساحتها 4 هكتارات، سلمت لها من طرف رئيس المندوبية التنفيذية على أنها لفائدة أشخاص مسجلين في قائمة جمعية السعادة، على أساس أنهم سكان غير شرعيين بمزرعة ميراليس رقم 1، وفي الحقيقة كانت أسماؤهم مجرد تمويه على المستيفدين الحقيقيين، حيث بيعت 49 قطعة لأصحاب الشكارة ولا أثر للمسفيدين ممن صنفوا على أنهم من السكان غير الشرعيين. ولا يمر يوم إلا وتتمكن مصالح الأمن من اعتقال العشرات من المسؤولين المتورطين في نهب العقار، الذين ينشطون في إطار شبكات تتكاثر كالفطريات...