تلقت رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة ووزارة العدل، ملفا خطيرا يحتوي على 40 وثيقة تضمن معلومات خطيرة وفتحت بشأنه تحقيقا. ويخص الملف عمليات نهب واستنزاف العقار الفلاحي ببئر خادم، والتي تعد إحدى أكبر بلديات العاصمة التي استهدفتها "مافيا العقار"، حوّلت أراضيها الفلاحية الخصبة إلى قاعدة تجارية امتهنت "البزنسة" بتواطؤ منتخبين وشخصيات تقول إنها نافذة أصبحت اليوم محل متابعات قضائية، ستسقط القناع على شبكات مهندسي الخراب الذي تموقع في دواليب الجماعات المحلية. بلدية بئر خادم تكتسب موقعا استراتيجيا، فهي تتوسط بلدية السحاولة وجسر قسنطينة،بئر مراد رايس، الدرارية وتقصراين، بلديات مستها هي كذلك "أنفلونزا العقار"، تبلغ مساحتها 15 ألف هكتار، يقطنها 65 ألف نسمة. وأهم ما ميز هذه البلدية منذ الاستقلال، احتواؤها على أراض فلاحية شاسعة كانت مخصصة للفلاحة تنتمي لسهل متيجة، من هذا الباب أصبحت بئر خادم محط أنظار "مافيا الاستنزاف العقاري". بتاريخ 18 / 10 / 1999 صدر قرار عن الوزير المحافظ لمحافظة الجزائر الكبرى يحمل رقم 1744، نسخة منه هي بحوزة "الأمة العربية"، يلغي كل قرارات الاستفادة من الأراضي وقرارات رخص البناء الصادرة عن بلدية بئر خادم، وبناءا على ذلك صدر بتاريخ 30/09/2002 قرار يحمل رقم /86 م .ع 02 / ممضي من طرف رئيس المجلس الشعبي السابق قضى بإزالة كل الأشغال وإعادة الأمكنة إلى حالتها الأصلية، في هذا الشأن وصلت مراسلة إلى رئيس البلدية من وزارة الأشغال العمومية تحمل رقم 19 /2003 تأمره فيها بحماية الوعاء العقاري لصالح المشروع الخاص بالصالح العام. على أساس كل هذه القرارات والتوصيات، بنى رئيس البلدية المنتمي ل "الأفافاس" تخلى عنه حزبه في مثل هذه الظروف إستراتيجية لتطبيق كل ما جاءت به هذه الأوامر، إلا أن "مافيا العقار" أرادت غير ذلك، فأعلنت الحرب على "المير" بشرائها ذمة ثلاثة أعضاء يتنمون إلى نفس الحزب الذي ينتمي إليه رئيس البلدية، حيث أقدم كل من "ح.ح" و"ع.ع" و"ع.ب" برفع شكوى إلى قيادة هذا الحزب يشتكون فيها تعرضهم للتهميش من طرف زميلهم "المير"، واصفين تصرفاته بالجنونية واللامسؤولة، في الوقت الذي أراد هذا الأخير تطبيق القانون والحفاظ على الصالح العام، وقد ورد في الرسالة أنه ضرب عرض الحائط كل التوجيهات والخطوط التي رسمها الحزب، فهل مبادئ حزب "الأفافاس" هي منافية لما يقوم به مسؤول أراد تحدي "مافيا العقار"، التي جعلت بلدية بئر خادم "بازارا". لكن "المافيا" جن جنونها لما تمكن رئيس البلدية من إسقاط أحد عناصرها البارزين، الذي أندس داخل دواليب الإدارة بالبلدية ليصبح أمينا عاما لها وبسقوطه كانت بداية الحرب على "مير" البلدية. أمام هذه الاتهامات الخطيرة، التي وردت في الرسالة الموجهة إلى قيادة الحزب، رفع رئيس البلدية دعوى قضائية ضد أصحاب الرسالة بمحكمة بئر مراد رايس، فكانت جلسة 08 / 07 / 2003 دليلا على مكر أصحاب المكاتب. ففي نفس اليوم وعلى الساعة 8 و30 دقيقة صباحا، اقتحم مقر البلدية عشرة أعضاء من المجلس البلدي، من بينهم الثلاثة الذين رفعت ضدهم الدعوى القضائية، كان من المفروض أن يكونوا في قاعة الجلسات رقم 1، من بينهم المدعو "غ.م" كاتب ضبط الذي يتولى أمر تسجيل القضايا بالمكتب رقم 12 بذات المحكمة،والذي كان في نفس الوقت عضوا بالمجلس الشعبي البلدي. هذا الشخص كان ضمن 10 الذين اقتحموا مقر البلدية لإجراء دورة غير عادية لسحب الثقة من رئيس البلدية، هذا الأخير كان موجودا بقاعة الجلسات بمحكمة بئر مراد رايس، فهل يعقل أن يترك المدعو "غ.م" كاتب ضبط مكتبه ليقتحم مقر البلدية من أجل الإطاحة ب "المير" بإيعاز من "مافيا " القطع الأرضية؟ في هذا السياق، دخل مركز بريد بئر خادم لعبة المؤامرة على طريقة البريد العالمي السريع "دي أش أل"، بإرساله رسالة إلى أحد الأعضاء المدعو "م.ح" يوم 07 / 07/ 2003 ليحضر جلسة سحب الثقة يوم 08 / 07 / 2003، حيث وصلت الرسالة في ظرف 3 ساعات. يعتقد عامة الناس أن كل المنتخبين بإمكانهم الوقوع بسهولة، والمبادئ عندهم لا تساوي شيئا، لا ضمير لهم ولا وطنية، ولكن المثل الشعبي القائل "يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر"، انطبق على"محمد بربيش" رئيس بلدية بئر خادم التي أرادت "مافيا العقار" أن يكون خادم مصالحها الشخصية، ومصالح أخرى كان الأولى بها أن تتنبه إلى خطورة استعمال أسماء الأجهزة الأمنية، لابتزاز المنتخبين النزهاء وحملهم على استغلال السلطة بالتعدي على القانون لإرضاء "لقطاء" المسؤولية، الذين ورطوا البلاد والعباد في متاهات سياسوية جعلت الدولة بكل مؤسساتها "مسخرة" لدى المواطن، فالدولة التي تحترم نفسها هي التي تقف بجانب الرجال، وليس من تغض الطرف عن شبكات النهب والاحتيال التي وفرت لنفسها أغطية متنوعة تمارس من خلالها شتى أنواع التنكيل بالمصالح العليا للوطن. في هذا الإطار، كانت بلدية بئر خادم طيلة السنوات الماضية ضحية هجمات "مرتزقة مافيا العقار" ادعت أن لها باعا طويلا في بعض الأجهزة الأمنية، ومنها جهاز المخابرات العسكرية، حيث تم انتحال عدة رتب عسكرية واستعمال بطاقات عسكرية وغيرها، كانت مزورة لابتزاز المسؤولين والمنتخبين وتوريطهم في تلبية مطالب شبكات العقار،التي احترفت استعمال هذا الأسلوب، مما سهل لها مهمة بيع وشراء أراض فلاحية خصبة أكسبتها الملايير، كما تمكنت من الحصول على مشاريع بملايير الدينارات بنفس الطريقة، على حساب أموال الشعب، تلك التجاوزات والخروقات تملك بشأنها "الأمة العربية" ملفا ثقيلا يكشف حجم الخراب الذي لحق بالعقار الفلاحي ببئر خادم التي كان "ميرها" المنتمي لحزب جبهة القوى الاشتراكية قد تحصل على الأغلبية في انتخابات 10 أكتوبر 2002 بسبعة مقاعد و"الآفلان" بخمسة مقاعد والإصلاح بثلاثة مقاعد. بعد أشهر من إجراء تلك الانتخابات، وجد مواطنو بئر خادم أنفسهم في مواجهة مفضوحة مع مسؤولين سابقين ومنتخبين كانوا أعضاء في عصابة العقار. مواطنون كانوا طيلة عهود سابقة ضحية عطش، فرض عليهم من طرف أشخاص اتخذوا من المتاجرة بالأراضي الفلاحية، جسرا لتحويلها إلى عمارات وفيلات تحت غطاء جمعيات وتعاونيات عقارية وهمية. ومن هذه التعاونيات التي أتت على الأخضر واليابس، "تعاونية الفداء" التي تحصلت على قرار اعتمادها كتعاونية عقارية بقرار رقم 33 / م / 2000 مؤرخ في 04 / 04 / 2000 من إمضاء رئيس المجلس الشعبي البلدي لبئر خادم المدعو "و.ت"، هذا القرار جاء بمقتضيات كل القوانين إلا مقتضى المداولة، حيث يتبين من محتوى القرار أن هذه الصفقة لم تمر على طاولة المداولات، فأين السر في ذلك؟ هذا السر، نجده في قائمة المتعاونين التي ضمت أسماء تم التأشير عليها بكلمة "أمي" صديق، فماذا تعني إذن كلمة "صديق"؟ في قاموس هؤلاء، له معنى واحد وهو استعمال أسماء مشبوهة تدعي علاقاتها بالأجهزة الأمنية. ومن الأسماء التي وضعت تحتها هذه العبارة بقائمة "الفداء"، من يتخذون من فندق "المنار" بسيدي فرج ومركبها السياحي مساكن لهم، أرادوا الحصول على قطع أرضية. ليس لأنهم في أمس الحاجة إليها، بل بغرض "البزنسة" والربح السريع. 42 إسما يعني 42 قطعة أرض، مساحتها بين 120 و240 متر مربع. قائمة "الفداء" ضمت في صفوفها كذلك المدعو "ط.ه"، النائب الثاني بالمجلس البلدي لبئر خادم، الذي كان مكلفا بالعمران بناء على قرار رقم / 1926 م أ / 98، مؤرخ في 4 مارس 1998. جمعية "الأمل" ضمت قائمة ل 137 شخصا كانوا مسجلين على أساس أنهم سكان غير شرعيين بمزرعة "سكوطو" الواقعة بسيدي مبارك بئر خادم، على أساس هذه القائمة التي جاءت في سجل جمعية "الأمل" التي كان يرأسها المدعو "ت.ر"، تم تقديم طلب بتاريخ 04 / 06/ 1996 تحت رقم 323 / م. ت. ش، لدى المندوبية التنفيذية لبلدية بئر خادم، التي منحت لها رخصة لإقامة مساكن بمقتضى مخطط التجزئة مصادق عليه بتاريخ 02 / 03 / 1996 من طرف مصالح العمران لدائرة بئر مراد رايس، ذات الجمعية أصدرت بتاريخ 27 مارس 1996 أول قرارات الاستفادة لصالح أعضائها، كان من بينهم المدعو "ع.إ" الذي استفاد من قطعة أرض مساحتها 180 متر مربع، بقرار أمضاه النائب الأول المدعو "م.ب"، وكذا المدعو "ب.ع" الذي استفاد هو كذلك من قطعة أرض مساحتها 150 متر مربع، بقرار ممضي من طرف نفس النائب المدعو "م. ب"، حيث نجد نفس النائب الأول قد أمضى على رخصة للبناء لصالح مستفيد يدعى "ه.ط" مؤرخة في 20 / 05 / 1996 بقرار رقم 518 / 96. وفي نفس التاريخ، أمضى النائب الأول المدعو "م.ب" على رخصة للبناء للمدعو "ح.م" بقرار رقم 518 / 96 الذي كان قد تحصل بتاريخ 27 / 03 /1996 على قرار استفادة من أرض مساحتها 150 متر مربع، من إمضاء نفس النائب بقرار 518 / 1996. ويتبين من خلال هذه الممارسات الإدارية، أن كلا المستفيدين ينتمي إلى جمعية "الأمل" بحي "سكوطو" بسيدي مبارك التي نالت الإعتماد تحت رقم 323/ م .ت .ش .ع بتاريخ 04 / 06 / 1994، وهو ما يكشف أن الواقف وراء هذه الجمعية النائب "م.ب" الذي أمضى على رخصتين للبناء في نفس التاريخ وبقرار واحد، يحمل رقم 518 وقرار استفادة بنفس الرقم، فهل نحن نعيش في عام 518 م؟ أمام تكالب "مافيا العقار" على استنزاف ما تبقى من أراض فلاحية ببئر خادم، أصدرت محافظة الجزائر سابقا بتاريخ 18/10/1999 قرارا تضمن إلغاء كل قرارات الاستفادة من الأراضي وقرارات رخص البناء الصادرة عن بلدية بئر خادم، تعليمات أقرت بتجميد كل العمليات المتعلقة ببيع أو منح الأراضي. بهذا الشأن، كانت رئاسة الحكومة قد أصدرت توجيهات صارمة تلزم المسؤولين المحليين بحماية العقار، قرارات محافظة الجزائر ورئاسة الحكومة دخلت حيز التنفيد بعدما اكتشف أمر إمضاء نواب ببلدية بئر خادم،على قرارات استفادة من أراض فلاحية وتسليمهم لرخص بناء بصفة غير شرعية، لم يكن مخول لهم قانونا الإمضاء على مثل هذه القرارات، وهو ما اعتبر حسب نص التعليمات مخالفة للقانون. في هذا السياق، جاء في المادة الثانية "تعتبر كل قرارات الاستفادة ورخص البناء باطلة للتجاوز في السلطة، والصلاحيات من طرف هؤلاء غير المخول لهم قانونا الإمضاء على مثل هذه القرارات". أما المادة الرابعة، فنصت على "طرد كل الشاغلين للأراضي الموزعة بطريقة غير شرعية". فرغم هذا القرار، بقي النائب الثاني المدعو "ط.ه" يراسل أصدقاءه لتوزيع غنائم العقار، فبتاريخ 08 / 04 / 2001، رد هذا الأخير على رسالة مرسلة إلى البلدية من طرف رئيس تعاونية "حي السعادة" "م.غ"، في رد هذه الرسالة المؤرخة بتاريخ 08 / 04 / 2001 تحت رقم 171 / م. ع 01 / الممضاة من طرف النائب الثاني المدعو "ط.ه"، هو أنه يرد على رسالة أرسلها رئيس جمعية "حي السعادة" بتاريخ 06 /05 / 2001 تحت رقم 1523، فكيف استطاع هذا المنتخب التنبؤ بمحتوى الرسالة قبل شهر من وصولها إلى مكاتب البلدية؟ بتاريخ 28 / 03 / 2003، أقدم المدعو "م.ح" المقيم بحي المبنية والذي كان يرأس لجنة هذا الحي، على تسوية قطعة أرضية بطريقة غير قانونية، مثل هذه الاستفادات أصبحت باطلة بالقرار الصادر عن محافظة الجزائر الكبرى، ولم يجد أمثال هذا المستفيد الذين دفعوا مبالغ مالية للحصول على مثل هذه القطع الأرضية من وسيلة سوى الاستعانة بشخص ادعى أنه ضابط عسكري، لأجل تسوية وضعية هذه الاستفادة الباطلة. ولما أراد سكان الحي الاستفسار عن مهمة هؤلاء، الذين زاروا المكان في يوم عطلة وفي غياب السلطات المعنية، قام الضابط العسكري المدعو "م.ب" بإشهار سلاحه الناري مهددا السكان بالقتل في حالة عدم انصرافهم. أمام هذه الوضعية، أودع سكان الحي شكوى لدى وكيل الجمهورية بمحكمة بئر مراد رايس، تم التأشير عليها من طرف الأمن الحضري لبئر خادم، أرسلت نسخا منها إلى كل من وزارة الدفاع الوطني والمصالح الأمنية بالبلدية، وكذا رئيس البلدية. وقد كشف المواطنون بأنه بهذه الطريقة، أصبحت بلدية بئر خادم تعيش أوضاعا "هوليودية" تشبه أفلام "الويسترن"، حيث فرضت قاعدة البقاء للأقوى. وأمام انتشار فضائح العقار التي لم تتمكن لا قرارات الولاية ولا تعليمات الحكومة توقيفها، تحركت مصالح الدرك والأمن، حيث تمكن كلا الجهازين في أواخر شهر ديسمبر 2004 من إسقاط شبكة "البزنسة العقارية" والقبض على المدعو "م.ب" الذي كان عضوا بارزا في هذه العصابة، حيث اكتشف بمنزله على قرارات استفادة ورخص للبناء ممضاة بتواريخ مسبقة، وأخرى على بياض، ليتم تحويل الملف إلى العدالة وإخطار السلطات بتورط أسماء ثقيلة، منهم إطارات سامية ومنتخبون كان لهم ضلع في تخريب الوعاء العقاري لبلدية بئر خادم، مستعملين نفوذهم وسلطة المسؤولية التي منحت لهم، منهم من كان يدعي علاقاته الطويلة ببعض الأجهزة الأمنية.