الأسطح والأفنية قبلة المقبلين على الزواج هذا العام وعلى طريقة المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، استغل أصحاب القاعات التي نجت من قرار الغلق هاته الفرصة الذهبية وطلبوا من الزبائن مبالغ تكاد تكون خيالية مقابل الكراء، لأنهم متأكدون من أن قلة القاعات يرفع حتما الطلب، ولكن العديد من هؤلاء التجار نفوا عن أنفسهم هاته الفرضية بحجة أن السبب وراء غلاء الأسعار يعود بالدرجة الأولى إلى نسبة الضرائب التي تقتطعها المديرية منهم، كما قال صاحب قاعة الحفلات المتواجدة بشرقي العاصمة، والتي يصل ثمن كرائها حدود 14 مليون سنتيم، والذي أضاف قائلا: "من غير المعقول أن يكون ثمن قاعة تحوي أحدث التجهيزات ومساحة واسعة وديكور مميز، هو نفسه ثمن قاعة بسيطة. أضف إلى هذا، فلقد جهزت قاعتي بمبالغ ضخمة، فكيف لي أن أتلقى مبلغا زهيدا مقابل كرائها".أمام هذا الوضع الاستثنائي الذي بات يشكّل عبئا كبيراً على العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود، وحتى ميسورة الحال، نجد الأسر الجزائرية تلجأ إلى فك هاته المشكلة عن طريق إحياء بدائل، وحتى إن كانت لا تتوفر على أدنى الشروط التنظيمية، حيث حوّلت أسطح العمارات وأفنيتها "وسط الدار" إلى قاعات للاحتفال بأعراسهم، وهذا حال الآنسة "ح.م" 26 سنة التي تقول: "أنا مخطوبة منذ ما يقارب أربع سنوات، لم أتمكن من إقامة زفافي بسبب الأسعار الخيالية التي يطلبها أصحاب قاعات الحفلات مقابل كرائها، فلا أنا ولا زوجي تمكنا من جمع ذلك المال، لذا قررنا أن نتزوج هاته الصائفة ونقيم الحفل في فناء المنزل، وهذا خلال يومين، يوم أدعو إليه الأقارب والأحباب، ويوم آخر أخصصه للأصدقاء والجيران، لأن المكان لا يسع الجميع، وهذا رغم ما سيعترضنا من أعمال منزلية شاقة خلال وقبل وبعد العرس، إلا أنه يبقى الحل الأمثل". أما بالنسبة للآنسة "ف.ز" 22 سنة التي تقول: "قاعة الحفلات أصبحت أمرا لابد منه في أعراسنا، لأنها مكنتنا من التغلب على مشكل ضيق المسكن والتقليص من حجم الأعمال المنزلية الشاقة التي ترافق الأعراس. ولكن مع هذا الإلتهاب الفضيع وغير المسبوق لأسعار كرائها، أجد نفسي مرغمة على إقامة زفافي على الطريقة التقليدية فوق سطح بيتنا بعد أن أجهزه لاحتضان طقوس العرس، فهذا أفضل من أن ننتظر سنوات أخرى في بيت أبي". أما الشاب "م.ك" 26 سنة، مقبل على الزواج في شهر جويلية والذي فضّل إقامة عرسه على الطريقة التقليدية، فيقول: "أنا لا أحبذ الأعراس التي تقام في قاعات الحفلات، فمن غير المعقول أن أدفع ما يقارب عشرة ملايين سنتيم مقابل قاعة أستقبل فيها المدعوين والضيوف لساعات فقط، وهذا إن توفرت القاعة. فإن لم يتم العثور عليها، أجد نفسي أؤجل الحفل! فلم لا أقيم زفافي فوق سطح العمارة؟ وهذا ما أنوي فعله بعد أن أجهزه وأجعله فضاءًا مناسبا لاحتضان فرحي ويشاركني في ذلك أعمامي وأخوالي، وقبلهم الجيران والأصدقاء والأحباب. فأنا من جهة، أحتفل بزفافي، ومن جهة أخرى أبقى على الحميمية والدفء العائلي، فكما يقول المثل "الرجوع إلى الأصل فضيلة". كما أنني أعتبر مسألة كراء قاعة لإقامة الحفلات من الكماليات".أما بالنسبة للذين "أنعم الله عليهم"، فإنهم لا يعتبرون زفاف الأسطح بمثابة فضيلة، بل بالعكس تماما فهم يصنفونه في خانة الموضة القديمة أو ما يشبه العار، لأنه ينقص من بورصتهم وسط الحي والجيران والأصدقاء وزملاء العمل، كما أنهم يعتبرونه من الأولويات ويضعونه في مقدمة ميزانية مصاريف العرس. وفي هذا الصدد، تقول السيدة جميلة: "أنا أرفض أن أقيم عرس ابنتي بين جدران البيت، في الوقت الذي يقيم أهلها وأصحابها أعراسهم في قاعات فخمة وفي فنادق خمسة نجوم، كما أنني لا أريد أن أكون مصدر سخرية لأحبابي وموضوع حديث العام والخاص، فقاعة الحفلات ضرورة حتمية وحتى إن اضطرتني إلى اقتراض مبلغ لكرائها".يبقى مشكل كراء القاعة من عدمه، يرهق كاهل العديد من الأسر الجزائرية، خاصة العامة منهم، الذين يعتبرونه بمثابة "وجع دماغ"، تبدأ أعراضه بالظهور يوم الخطبة ويشفون منه يوم يتمكنون من إرجاع كامل المبلغ المستلف.