أغار؟ نعم ولكن هذه أسبابي، فاسمعوها.. اعتراف مباشر، تسوقه بعض السيدات للحديث عن تفاصيل الغيرة التي يعشن جزءاً منها، أو الكثير منها، فلمَ تغار المرأة؟ وهل لغيرتها مبررات واقعية يمكن قبولها؟ يبدو أنّ علاقة المرأة بالغيرة تتجاوز حدود تاء التأنيث، فالغيرة تدخل كما يظهر في أبواب كثيرة، تبدأ بتلك التي تدخل في خانة الإعجاب والتقدير، مروراً بالغيرة التي تكون مشوبة ببعض القلق والرغبة في المنافسة، وصولاً إلى الغيرة المدمرة، وهذا ما لا تعترف به النساء، ويبدو أنّ الغيرة مبررة ومباحة في عرف النساء، فما من أحد يحق له أن يلبسها ثوب الحقد وضيقة العين. والسؤال: لماذا؟ أمّا الجواب: "فلأنها نابعة من التمنّي والرغبة في التشبه بصاحبات المزايا"، بحسب ما قالت النسوة اللواتي قابلناهنّ في هذا التحقيق. ليس عيباً أن أغار من زميلة تفوقني نشاطاً وقدرة... ... "غيرة النساء من النساء لا تأخذ دوماً منحى الحسد والحقد كما يعتقد الجميع، إنها باختصار رغبة خجولة في امتلاك صفات لا تملكها المرأة التي تغار". هذا ما قالته الآنسة جميلة معلمة لغة عربية، لكن ما تورده أيضا، ليس إلا مقدمة لمشاعر الغيرة التي تشعر بها تجاه زميلتها معلمة اللغة الإنجليزية، حيث تضيف قائلة: "ليس عيباً أن أغار من زميلة تفوقني طاقة ونشاطاً وقدرة على التعامل المميز مع أطفال الصف، فحين أنظر إليها وأتأمل اندفاع الطلاب نحوها وعناقهم لها، أشعر بأن شيئاً ينقصني"، مشيرة في السياق ذاته إلى أن مشاعر الغيرة تسيطر عليها فجأة، خصوصاً حين تقارن بين طبيعة شخصيتها وشخصية تلك المدرسة، فكل شيء وقتها يتحول إلى حمل ثقيل جاثما على صدرها، خاصة حين يأتيها صوت الأطفال يردد اسم غريمتها.. فهل حاولت تغيير طبيعتها لتقطع سبب الغيرة من جذوره؟ أجابت بكل ثقة: "حاولت وفشلت، فالطبيعة تغلب التطبع، وليس في إمكاني أن أتحول بين ليلة وضحاها إلى امرأة متقدة بطاقتها ونشاطها وأنا المعروفة بهدوئي وتحفظي". وحينها سألناها ما هو الحل برأيها؟فردت دون تردد: "أن أشعر بالغيرة وأتحمّل وجعها وأرضى بالمكتوب". لا تغار المرأة إلا من التي تحبها... من جهتها فاطمة التي تعمل كموظفة بفكرة جديدة أثناء حديثها عن الغيرة، حيث قالت: "لا تغار المرأة إلا من المرأة التي تحبها، فالغيرة لا تكون تجاه من نكره لأن أساسها هو الإعجاب بالآخر، وبالتالي لا يمكن أن أغار من امرأة لا تعجبني". لهذا تأخذ الغيرة في عرف فاطمة منحى جديداً وهو الإعجاب بما يملكه الغير. وهي تشير إلى أنّ هذا الإعجاب يجرنا من دون شك إلى الغيرة، ولكن الغيرة المحفزة أو الطريفة. وأضافت قائلة: "أغار من الفتاة التي تملك شخصية جريئة والقادرة على إثبات حضورها في أي مجتمع تدخله، وهذا بالطبع لا يمكن أن يُدعى غيرة سوداء أو حقداً، لأني أغار في هذه الحالة بالذات من امرأة جذابة، ذات حضور ومتألقة اجتماعياً، والأهم من هذا أني أعلن غيرتي منها، أو بكلمات أخرى.. إعجابي بها". يلزم المرأة مواقف تستفز مشاعرها كي تغار... يلفها السواد، تلك الحياة التي تعيشها المرأة من بعد فقدان زوجها، سواد يلف أيامها وما تبقى لها من أحلام، فتأتيها الصور موجعة حين تلامس الجرح وتفتح باب الذكريات على زوج مات قبل أن يجني معها فرحة العمر. من هذا المنطلق تكشف السيدة نادية ماكثة في البيت موطن الغيرة الذي تشعر به كامرأة ترمّلت منذ حوالي عشر سنوات، فتقول بهدوء يليق بالحزن الذي يملأ قلبها: "لعل الفراغ الذي تركه زوجي رحمه الله، يجعلني أغص كلما رأيت موقفاً يشبه المواقف التي كنّا نعيشها معاً، فأشعر أمامها بحزن ممزوج ببعض من الغيرة، التي لا يمكن أن أنكرها، لأنني ببساطة لا تغار المرأة إلا من المرأة التي تحبها، والتي لا يمكن أن أنكرها، لأنني ببساطة من لحم ودم".. وتستحضر آخر مشهد أيقظ في دواخلها تلك المشاعر، فتتذكر كيف دخلت منذ فترة إلى أحد محلات المجوهرات، ورأت رجلاً يشتري لزوجته خاتماًً، فلم تستطع أن تزيح عينيها عن تلك الصورة الجميلة، التي استعادت بها أيام زمان، حين كان زوجها يفاجئها بقطعة غير متوقعة من المجوهرات، فيدخلها من دون مقدمات إلى محل لشراء ما تريده، وإذا حارت في الاختيار، يقوم بنفسه ويختار لها سعيداً بسعادتها، وفرحاً بالبهجة التي يدخلها إلى قلبها. ويبدو أنّ الغيرة كما تعرفها نادية: "لا تدق باب المرأة من فراغ، يلزم المرأة أن تعيش في مواقف تستفز فيها تلك المشاعر، وتذكرها بما كان عندها ولم يعد في حوزتها حتى تتجرأ وتقول نعم أنا أغار"... وهنا تصبح الغيرة، كما أضافت حزناً وقهراً على افتقاد، لا حقداً وحسداً على امتلاك ما لا نملكه، لهذا ما من امرأة إلا وتشعر بغيرة ما، من موقف ما، أو من حالة ما. الموظفة تغار من ربة البيت، والعكس صحيح حين نتأمل مشاعر الغيرة التي تملأ قلب امرأة تجاه أخرى، ونقارن بين معطيات كل امرأة على حدة، نجد أنّه ما من امرأة راضية بمعطياتها الخاصة، فالكل غير راضٍ بما يملكه والكل يغار مما يملكه الآخر ولا يملكه هو، وليس شرطاً أن تكون تلك المعطيات مادية. فالموظفة تغار من ربة البيت، وربة البيت تغار من الموظفة، وعن هذه الغيرة المزدوجة، تتحدث كل من السيدة سليمة ربة منزل والآنسة التي تعمل خيرة موظفة، فالأولى تغار من الموظفة لأنّها ربة منزل، والثانية تغار ربة المنزل لأنّها موظفة، وهكذا، تلعب الغيرة لعبتها بين امرأتين وكل منهما تغار من وضع الأخرى. وعليه تنبع غيرة سليمة من الإنتاجية التي تحصلها الموظفة في حياتها العملية، فالمقارنة بحسب ما ترى لا تأتي أبداً لمصلحة ربّة المنزل، وخاصة حين تقارن تفاصيل حياتها اليومية، بالتفاصيل التي تعيشها تلك المرأة. وهنا تعود وتؤكد أنّ: "المرأة العاملة هي امرأة مستقلة على الصعيدين المادي والاجتماعي، تتمتع بهويتها وحضورها، ووضعها بين الناس لما توفره الوظيفة لها من ثقل نفسي واجتماعي، بينما تنشغل ربة البيت بمسؤوليات من نوع مختلف تجعلها في مقام أدنى مهما كبرت وكثرت تلك المسؤوليات". في المقابل، يأتي صوت خيرة مقاطعاً، حيث تتحدث عن غيرة الموظفة من ربة البيت التي تكون غارقة في النوم حين تغادر هي بيتها لتلحق بالوظيفة، وتقول في السياق ذاته: "لا تتوقف الغيرة هنا، فالموظفة تغار من الراحة التي تنعم بها المرأة الأخرى، حيث إنها على العكس من الموظفة التي تعمل وتكد وتشارك في المسؤوليات المادية من دون أخذ استراحة واحدة". فالراحة ليست من نصيب الموظفات على الإطلاق، كما تعلق خيرة ساخرة:".. ولكن الموظفة تنعم براتب شهري"، تعلق سليمة، فترد عليها خيرة: "أما ربة البيت فيصل إليها راتبها من قبل زوجها وهي تقلم أظافرها"... وتعود سليمة لترد قائلة: "الموظفة لا تقول،،أنا مللت من البيت لأنّ وقتها مشغول دائماً"... ولكن ترد عليها خيرة: "وربة البيت لا تقول، أنا متعبة، أريد ساعة من دون ضغوط"... هكذا، يستمر الجدال بين الموظفات وربات البيوت، بينما تقف الغيرة في المنتصف لا تعرف مَن مِن الطرفين يغار من الآخر أكثر.