يتساءل معظم الآباء والأمهات عن سر تعلق أبنائهم المراهقين باستخدام الأدوات الإلكترونية المتطورة التي باتت تشكل أهمية قصوى وضرورة لا غنى عنها في حياتهم اليومية. ونظرا للفجوة العمرية بين الآباء وأبنائهم واختلاف الثقافة التي ينتمي إليها كل طرف، فإنه من الصعب على الآباء فهم مشكلة تعلق الأبناء بأمور تبدو من وجهة نظرهم تافهة وغير مجدية. يصاب المراهق أحيانا بنوع من الانبهار بما تقدمه التكنولوجيا الحديثة من وسائل ترفيهية توصف في بعض الأوقات بالثورية، وقد يصبح الحصول على كل ما هو جديد من تلك الوسائل شغله الشاغل وهوايته الأساسية. من بين ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة، ألعاب الفيديو التي باتت تجتذب انتباه الملايين من مراهقي اليوم، فالحصول عليها وممارستها من أسهل الأمور، فهي متاحة للتحميل عبر الإنترنت وبدون مقابل مادي أحيانا على الحواسب والجوالات، كما أن مطوري الإلكترونيات يتفننون في الخروج بمنصات ألعاب متخصصة في ممارسة ألعاب الفيديو وتحميلها عبر المتاجر الإلكترونية المتعددة والمتزايدة. يعيش المراهق حياة مختلفة بعيدة عن الواقع يتعلم خلالها سلوكيات لا تصلح لحياتنا الواقعية، ناهيك عن التأثر بالحركات العنيفة وتعلم التعامل مع الآخرين بعدوانية وشراسة لا تليق. من أبرز علامات الخلل السلوكي عند المراهقين من جراء إدمان ممارسة ألعاب الفيديو، الانعزال عن بقية أفراد الأسرة والتزام غرفته الشخصية لساعات وإهمال اللعب مع الأصدقاء وتجاهل الوجبات الغذائية وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية. ورغم أنها لا تؤثر على جسم المراهق كالخمور والمخدرات، يؤكد خبراء علم النفس أنها ستؤثر سلبا على حالته النفسية بدرجة من الخطورة لا تقل عن تأثير المخدرات على صحة مدمنيها. لم تعد المنظمات المعنية بالصحة العامة تتجاهل خطورة التأثيرات السلبية لألعاب الفيديو على المراهقين، فهناك العديد من التوجيهات التي تصدرها لمنتجي هذه الألعاب لضرورة التقليل من تركيزهم على العنف والقيام بحركات عدوانية وتصميم الألعاب في عوالم خرافية لا صلة لها بالواقع، ولا تزيد هذه التوجيهات منتجي ألعاب الفيديو إلا إصرارا على إتباع نفس أساليب تصميم الألعاب، والأعجب هو أن الانتقادات التي توجه إليهم تثير سخريتهم أحيانا تعد ألعاب تقمص الشخصيات وألعاب المغامرات من أكثر ما يثير استياء خبراء الصحة النفسية، خاصة التي تتطلب مواصلة السعي لإيجاد غرض ما وتحتاج ساعات من اللعب المتواصل لتحقيق الهدف. وما يثير الدهشة هو أن بعض الأسر لا تزال غير ملمة بأن الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعد إدمانا، لكنها تدرك ذلك بعد تعرض ابنها للفشل في الدراسة أو تورطه في أعمال عنف ضد زملاء الصف، وتقدر حينها أهمية عرضه على متخصص في الصحة النفسية. لم تتوقف الآثار السلبية للألعاب على المراهقين والأطفال، بل امتدت أيضا للبالغين ممن يصابون بهوس تجاه ممارسة ألعاب الفيديو ويجدون صعوبة في التوقف عن ممارستها حتى أثناء القيام بمهام العمل، حتى أن بعضهم يعبر عن شكواه للأطباء النفسيين من أن ألعاب الفيديو دمرت حياته وأفقدته عمله واحترامه لذاته، وهي شكاوى متكررة تحتاج منا بعض التأمل وتجعلنا ننظر لمعاناة المراهقين في هذا الشأن بشيء من التروي والشفقة، فإذا كان الكبار عاجزين أحيانا عن الصمود في مواجهة إغراءات ألعاب الفيديو، فما الحال مع الصغار! بما أنك- والخطاب للمراهق مدمن ألعاب الفيديو-على دراية تامة بخطورة هذه العادة على حياتك الشخصية ومسيرتك الدراسية، فالحل يبدأ من عندك أنت:تجاهل ألعاب الفيديو واهجرها تدريجيا لما هو أفيد من الأنشطة الرياضية والفنية. لا تستلم لها كحل يلهيك عن الواقع بقسوته وحاول التركيز في شيء آخر يسليك ويؤنس وحدتك. حاول قضاء وقت مفيد مع الأصدقاء واستثمر وقتك في عمل يفيدك ماديا ويعينك على التعامل مع الحياة العملية في المستقبل.