هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المذكرات السياسية والتاريخية في الجزائر
نشر في الأمة العربية يوم 09 - 06 - 2009

وجه لإبراز الذات ودفع التهم، والصمت عن الكثير من الحقائق
إلا أن الحاصل عندنا يسير عكس التيار، فجل الذين كتبوا مذكراتهم، أضفوا على أنفسهم هالة من الفخر والنرجسية لا تمت إلى واقعهم بصلة، حتى يخال أن بعضهم من الملائكة أو على الأقل من الصالحين. حتى من ناحية الأسلوب، تبدو مذكرات الفاعلين عندنا أقرب إلى الحكايات التي تحكيها العجائز عن الأبطال الأسطوريين والخرافات التي تعود بنا إلى زمن "سبارتاكوس" وزمن سقراط الحكيم.
* مذكرات محي الدين عميمور "أنا وهو وهم"، أو "العرّاب"
القارئ لمذكرات الدكتور محي الدين عميمور، المستشار الإعلامي السابق للرئيسين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، ووزير الإعلام الأسبق، يخرج بنتيجة مفادها أن الدكتور كان بمثابة "عرّاب" الرئيس هواري بومدين، وأن الشاذلي بن جديد لم يكن سوى تلميذ يتلقى أسلوب إلقاء الخطاب على يد أستاذ محنك اسمه عميمور، حتى وإن نفى الدكتور هذه الصّفة بعدما اتهمه البعض بأنه كان بمثابة معلم للرئيس، حسب ما ورد في مذكراته. والأكثر من هذا، لا نجد في مذكرات المستشار أي شيء سلبي في مساره، بل كل ما نراه هو نوع من النرجسيّة، التي تجعل منه محور كل شيء والعالم يدور حوله، مذكرا بالمؤامرات التي كانت تستهدفه من محيط الرئيس بن جديد وعدم رضا الكثيرين عن وجوده في هذا المنصب، لأنه كان رجلا حسب المذكرات يسير دوما على الولاء الرأسي، بمعنى أن الولاء بالنسبة له للرئيس وحده، وهذا ما لم يعجب الكثير من الخصوم الذين حاربوه، وبقي صامدا مدافعا عن أفكاره والقيم التي يتبنّاها.
ونلاحظ أيضا في مذكرات عميمور، أن الذين صاروا اليوم منسيين وخرجوا من دائرة القرار، مثل صالح يحياوي، يظهر أنهم كانوا على غير بصيرة، وكان دائما ينصحه. والأكثر من هذا، وصل به الأمر للتهكم على جماعة يحياوي الذين شبههم بجماعة من "المافيا الإيطالية" من خلال مظهرهم ونظاراتهم السوداء. وبغض النظر عن هذه الحقيقة، فإن الوزير الأسبق لا ينتقد ولا يتهكم على بعض الخصوم الذين وقفوا له كحجر عثرة بهذه الشدة. وفي بعض الصفحات يطلعنا عميمور على أن الشاذلي ندم على تخليه عنه، حين كادت تعصف أحداث أكتوبر 1988 به. فحسب ما ورد للدكتور من محيط الرئيس، أن الشاذلي قال لمحيطه ".. وخذتوني في عميمور"، فهل كان عميمور مستشارا إعلاميا أو "عرّابا" للرئيس، كان بإمكانه إيقاف أحداث أكتوبر والتي يعلم الجميع أنه كان وراءها فاعلون ولاعبون كبار، أكبر حجما بكثير من عميمور.
في الأخير، كانت المذكرات ستكون صفحات تاريخية حقيقية لو أطلعتنا على حقائق هامة، قال بشأنها الدكتور إنه لا يريد أن يذكرها. وإن كان لا يريد أن يذكرها، فما فائدة المذكرات إذا؟ وكانت ستكون مذكرات عميمور أكثر أهمية، لو كشف للأجيال القادمة عن أخطاء ارتكبها خلال تحمّله لمسؤوليات كثيرة ليستفاد منها، ولكن ربما لعميمور حسابات أخرى بكتابته مذكراته لا علاقة لها بالتاريخ ولا حتى بكشف الحقائق، ولكنها حب الظهور ك "عرّاب" للرئيس.
* "مذكرات جزائري" لأحمد طالب الإبراهيمي.. رجل لا يشبه الإعصار
حين تمر ب "مذكرات جزائري" لنجل الشيخ الإبراهيمي أحمد طالب الإبراهيمي، تكتشف للوهلة الأولى أنه كان دوما ضحية، ضحية للاستعمار حين سجن، ضحية لبن بلة حين قام بتعذيبه، وضحية للمحيطين بالرئيس الراحل هواري بومدين والذين كانوا دوما يريدون التخلص منه. في المقابل، نجد إشارة في مذكرات عميمور يقول فيها إنه حين تولى طالب الإبراهيمي الوزارة، كان غير راض عن عمل عميمور، رغم ذلك لم يشر طالب الإبراهيمي إلى هذه النقطة، ولا نعرف إن كان سهوا من الإبراهيمي، أو أن الأمر لم يكن حقيقة من طرف عميمور.
وإن كان وزير الخارجية الأسبق هنا لم يكن نرجسيا في مذكراته، مثلما هو الحال لعميمور، إلا أن التشابه بينهما هو عدم ذكر أخطائهما طوال مشواريهما وهما يشغلان مناصب حساسة، حتى يخيل إليك أنهما بلا أخطاء.
* مذكرات خالد نزار.. أو عنتر "شايل سيفه"
لا تختلف مذكرات اللواء المتقاعد خالد نزار عن غيرها من المذكرات التي تراكمت في السنوات الأخيرة على رفوف المكتبات، في تضخيم "الأنا" والدفاع والذود عن الوطن. والاختلاف الوحيد، يكمن في المراحل الزمنية والمسؤوليات والمهام لكل الشخصيات التي كتبت مذكراتها.
فخالد نزار في مختلف كتاباته، يحاول الظهور بأنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب، رجل ضحى لأجل الوطن وحمى الوطن والجمهورية من الاندثار. وحين تخرج من مذكرات الرجل، تخرج بفكرة أن ثمة بطل أسطوري خاض حربا شرسة من أجل الوطن، كم كلفت هذه الحرب؟ ما هي نتائجها؟ الأمور لا تهم هنا، بقدر ما يهم أن الرجل يريد أن يُفهم العالم أنه أدى واجبه كاملا غير منقوص، وأنه خرج نقي السريرة شامخ الهامة، كأي فارس مغوار خدم وطنه.
* بلعيد عبد السلام.. مذكرات أم تصفية حسابات؟
رئيس الحكومة الأسبق، بلعيد عبد السلام، حين قرر إصدار مذكراته التي تحكي عن فترة رئاسته للحكومة من جويلية 92 19 إلى أوت 93 19، اختار لها توقيتا يناسب أوضاعا معينة، وكانت صفحات إحدى الجرائد مسرحا لها، حيث اعترف عبد السلام حينها أن العسكر هم الذي عيّنوه وهم الذين عزلوه، وكيف كان مرشحا لأن يكون رئيسا للجمهورية بعد استقالة الشاذلي بن جديد. ولكن أغلب الصفحات من هذه المذكرات، ركّزت على مشاكله التي كانت مع الجنرال محمد تواتي، الذي قال عنه بلعيد عبد السلام إنه كان يتدخل في عمل الحكومة وكان يأمر وينهي، في المقابل يحاول بلعيد عبد السلام أن يظهر الجنرال المتقاعد خالد نزار في صورة الرجل الوطني. والنتيجة التي يخرج بها المتابع لمذكرات بلعيد عبد السلام، لن تخرج عن أنها مذكرات أو كلام لتصفية الحسابات مع خصم اسمه محمد تواتي، بعيدا عن الحقائق وبعيدا عن التاريخ والاستفادة التي يأملها أي متتبع... لتضيع صفحات أخرى كان من الممكن أن نستفيد منها.
* مذكرات علي كافي.. التاريخ قف
تعد مذكرات علي كافي محاولة لكشف بعض الحقائق التاريخية خلال مسيرته كقائد ميداني أثناء الثورة، وكواحد من الفاعلين، إلا أن هذه المذكرات اصطدمت بردود تميزت بالحدة والعنف من قبل "الأوصياء على التاريخ"، والذين نصبوا أنفسهم حماة له، ليصمت علي كافي بعدها إلى إشعار آخر. وكان يمكن أن تفتح اعترافات علي كافي فيما يخص تعامل عبان رمضان مع الإدارة الاستعمارية، ورأيه في الشهيد عميروش، نقاشا واسعا ومعمّقا ويكشف الكثير من الحقائق. لكن الحفرة التي حفرها رئيس المجلس الأعلى للدولة، ردمت بسرعة، ليصمت علي كافي تاركا التاريخ والحقائق في ردهة المجهول والأجيال القادمة حبيسة كتابات تاريخية تشبه مواضيع الإنشاء.
* مذكرات الطاهر زبيري.. أكثر من 200 صفحة ولم يقل شيئا
آخر قادة الأوراس تكلم وأخرج مذكراته للنور، لكنه لم يقل شيئا، لأن كل الذي ذكره يعرفه العام والخاص. ورغم هذا، كان الطاهر زبيري واضحا في مقدمة مذكراته، حين قال إنه يستسمح الجميع، لأن هذا الكتاب ليس رواية وليس مذكرات، ما هو سوى شهادة على رجل عايش الثورة. وحين تبحر في صفحات آخر قادة الأوراس، تجد الكثير من "الأنا" حد المبالغة، حين يقتل الطاهر زبيري 40 عسكريا فرنسيا وحده بعد استشهاد كل الكتيبة التي كانت معه، وبقي هو وطبيب فقط، والمذكرات لا تخرج من دائرة إبراز شجاعة الزبيري، وكان الأمر سيكون معقولا لو كتب المذكرات الطبيب الذي رافقه وبقي معه ويقول إن "السي الطاهر" قتل لوحده أربعين عسكريا، وفر بعدها من الحصار بجروح فقط.
ونحن في هذا المقام، لا نكذّب الرجل، لأن كل مجاهد أكيد أنه قام بقتل الكثير من العسكريين، لكن التاريخ والأجيال تحتاج إلى حقائق، كحقيقة من قتل بن بولعيد؟ التي لم تأت مذكرات آخر قادة الأوراس بجديد عنها وأعادت سرد ما كان معروفا.
والملاحظة المهمة، أن الطاهر الزبيري في مذكراته يحاول أن يبرز أنه كان حكيما في قرارات كثيرة، حضرت في مذكرات قائد الأوراس البطولة والشهامة والنضال والآلام التي كابدها، وغاب شيء واحد مهم للغاية، وهو التاريخ الحقيقي لأحداث مهمة.
* لمجد ناصر أستاذ وباحث
مذكرات القادة التاريخيين لم تبرز سوى ثلاثة بالمئة من حقائق الثورة
يرى الباحث والكاتب لمجد ناصر، أن ما يطبع مذكرات الشخصيات عندنا هو الذاتية، وكذا الجهوية، وهذا ما يبرز في المذكرات التاريخية، حيث تريد كل منطقة إبراز مزاياها على حساب باقي المناطق في الوطن، وتتجسد الجهوية حسب لمجد ناصر في مذكرات علي كافي، قائد المنطقة الثانية، الذي يتهم الكثير من رجال المنطقة الثانية ويظهر سلبياتهم، من عبان رمضان إلى عميروش، بينما لا نجد في مذكراته شيئا من هذا القبيل على منطقته، ناهيك عن الاختلاف في بعض الأحداث وكذا الاختلاف حتى في تصنيف الأشخاص أثناء الثورة. فمثلا قضية "زعموم" الذي كان قائدا للمنطقة الرابعة، هناك من يصنفه ضمن شهداء الثورة وتيار آخر يرى أنه خائن. ورغم كل هذا، تبقى المذكرات شيئا إيجابيا، رغم ما فيها من سلبيات، أحسن من عدم كتابتها أصلا. ورغم هذه الصحوة في كتابة المذكرات، إلا أنها لم تظهر إلا ثلاثة بالمئة من أحداث الثورة، وهي نسبة قليلة جدا قياسا بما شهدته الثورة. والأخطر من هذا، أن ثمة حساسية من كتابة المذكرات من طرف من عايشوا بعض المراحل، خاصة فيما يتعلق بالثورة التحريرية، لأن كتابتهم للمذكرات ستظهر حقائق وتمس أشخاصا بعينهم.
* عبد العالي رزاڤي
بعض الخونة زيّفوا الحقائق في مذكراتهم
يرى عبد العالي رزاڤي، الأستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلامية بجامعة الجزائر، أن المذكرات التي كتبت في الجزائر من طرف بعض السياسيين، ليست سوى مجرد تقارير، وأن بعض المذكرات فقط استطاعت أن تكشف ولو قليلا من بعض الحقائق التي كانت خفية، معتبرا أن ما كتب عن الثورة قليل جدا مقارنة بما حدث خلال كل مراحلها.
* "الأمة العربية": المذكرات التي صدرت في السنوات الأخيرة لسياسيين جزائريين تتميز بالكثير من الذاتية وتغليب "الشخصنة" على بعض الحقائق كيف تفسرون الأمر؟
** عبد العالي رزاڤي: أولا ما يطلق عليه البعض بالمذكرات، هي تقارير ولا ترقى لأن تكون مذكرات، والمذكرات في جوهرها شخصية، فطبيعي أن يحكي الإنسان عن نفسه فيها. لكن ما يلاحظ عن المذكرات التي كتبتها شخصيات جزائرية هي الحميمية، فالأشياء العاطفية مفقودة، بينما كان من الواجب توظيفها في سياق كتابة المذكرات، لأنها علاقات إنسانية لا يمكن إغفالها.
* الأمة العربية: هل ساهمت المذكرات عندنا في كشف بعض الحقائق؟
** عبد العالي رزاڤي: وظيفة المذكرات الأساسية هي كشف الجانب الخفي من مراحل معينة، عاشها كاتب المذكرة ويمكن أن نقول إن بعض المذكرات فقط استطاعت أن تكشف جانبا ولو صغيرا من الحقيقة، وبالتالي يمكن أن نقول إنها وفرت على الأقل مجالا للحديث وفتح نقاش في قضايا مهمة. فمثلا مذكرات علي كافي، وفرت جوا من النقاش في ما يخص قضية عبان رمضان. وهناك مذكرات لم تر النور، مثل مذكرات بن طوبال الذي اتخذ قرار إعدام عبان، والتي اتخذت السلطات قرارا بمنعها في عهد الشاذلي بن جديد وكان بإمكانها أن توضح الكثير من القضايا.
وهناك مذكرات مهمة لم يفرج عنها أصحابها، مثل مذكرات القادة الجزائريين الذين اختطفتهم السلطات الفرنسية ووضعتهم في سجن "لاسنتي" بفرنسا. فحسب اعتقادي، أرى أنها مذكرات مهمة جدا، لأن هناك كمّا من المعلومات داخل الأماكن المغلقة، خاصة ما يتعلق بالقادة الذين كانوا في السجن، حيث اتخذت هناك عدة قرارات هامة، ولا أستبعد بالمناسبة أن يكون قرار إعدام عبان اتخذ على مستوى سجن "لاسنتي" باتفاق جماعة الخمسة.
* الأمة العربية: هل ترى أن المذكرات كشفت عن جوانب هامة من الثورة؟
** عبد العالي رزاڤي: ما كتب عن الثورة قليل جدا مقارنة بكم الأحداث التي عرفتها الثورة، وأود أن أشير إلى أن مذكرات هامة كتبت باللغة الفرنسية، كان من الواجب ترجمتها إلى اللغة العربية والاستفادة منها، مثل مذكرات علي هارون.
* الأمة العربية: هل كل من كتبوا مذكراتهم قالوا الحقيقة؟
** عبد العالي رزاڤي: مع الأسف، هناك مذكرات لأشخاص "خونة" وكان لهم مسار عكس الثورة. ورغم ذلك، حاول هؤلاء الأشخاص قلب الحقائق وصاروا أبطالا في مذكراتهم، وهذا فعلا أمر يثير الاستغراب حين يتحوّل أشخاص لهم مسار غير مشرف خلال الثورة وعملوا مع الاستعمار، يصبحون في مذكراتهم أبطالا!
* الأمة العربية: رغم كل المذكرات التي صدرت في السنوات الأخيرة، إلا أن الملاحظ أنها لا تثير الاهتمام دائما من طرف المختصين...
** عبد العالي رزاڤي: لا يوجد قراءة متأنية للمذكرات يمكن أن يبني عليها أي مراقب أو مختص وجهة نظره. فمثلا القضية التي رفعت ضد علي كافي بسبب ما ورد في مذكراته، كانت بسبب ما قرأه أحد النقاد عن مذكرات كافي من إحدى الجرائد الناطقة باللغة الفرنسية، دون أن يطلع على المذكرات التي كتبها كافي. والملاحظ أنه حينما تمت ترجمة مذكرات علي كافي، توقفت الهجمة عليه، ولهذا من الضروري جدا ترجمة المذكرات. على كل، لا يوجد اهتمام على مستوى وسائل الإعلام بمذكرات الشخصيات السياسية والفكرية عندنا، عكس ما كان عليه الأمر في بداية التسعينيات.
* الأمة العربية: كيف تقيّمون عمل وسائل الإعلام في ما يخص المذكرات؟
** عبد العالي رزاڤي: لا توجد مبادرة من طرف التلفزيون أو الإذاعة أو وسائل الإعلام الأخرى، من أجل لقاءات مطولة مع شخصيات فاعلة وتاريخية وسياسية، كما يحدث مثلا في "الجزيرة" في حصة "شاهد على العصر". وباستثناء الفترة الممتدة ما بين 1989 على غاية 1992، والتي ساهمت فيها وسائل الإعلام، خاصة التلفزيون، بوضع أسس للتاريخ، لأن كل الشخصيات التاريخية تكلمت. وباستثناء هذه الفترة، فلا توجد مبادرات جادة.
عباس وبوعقبة.. يصفانها بالإيجابية والجدية في آن واحد
اعتبر الباحث في كواليس التاريخ "محمد عباس"، ظاهرة كتابة المذكرات أو السّير الذاتية للساسة الجزائريين "بلعيد عبد السلام، محي الدين عميمور.."، والقادة العسكريين الفاعلين في المؤسسة العسكرية الجزائرية، من أمثال اللواء المتقاعد "خالد نزار"، بالظاهرة الإيجابية لا السلبية، حيث أنها تساهم في إثراء المادة العلمية المساهمة للتأريخ للجزائر، من ثورة نوفمبر الأغر، إلى التحديات التي خاضتها الدولة الجزائرية من ورشة البناء والتشييد في عهد "بومدين"، مرورا بأزمة العشرية السوداء التي حيكت خيوطها بغموض كبير، لم يستطع لحد الآن أحد سبر كواليسها، وصولا إلى برنامج المصالحة الوطنية لرئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة"، وما تضيفه من مادة يعتبر نسبيا مركبا بإمكانه أن يحقق تصورا نسبيا للرواية "رواية الجزائر".
بينما يصفها "سعد بوعقبة "بالأمر الجدي في كتابة التاريخ، إذ أشار إلى افتقادنا لهاته الثقافة مقارنة بدول أخرى، باحثة عن كتابة تاريخها، فقد نوّه لما فقدته الجزائر من جراء عدم تسجيل مذكرات وأعمال "بوالصوف" الذي رحل وأخذ معه الكثير، كذلك "قاصدي مرباح" الذي بدفنه دفنت الكثير من الحقائق التي كانت ستسهم إلى حد كبير في كتابة تاريخ الجزائر السياسي بعد الاستقلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.