العرب تآمروا على الإسلام وتركيا تحاول إنقاذه فنان جريء.. متمرد.. جامح.. لا تفارق الشاشة صورته، ارتبط اسمه بتاريخ الدراما السورية، لكنه يعيش حالة من الألم واليأس لما آلت إليه الأمة العربية، فحاول من خلال أعماله ترجمة تلك الآلام التي تعكس واقعا عربيا محزنا ومستقبلا مرعبا. ومن خلال شاشة رمضان القادم، يطل علينا في أربعة مسلسلات دفعة واحدة.. إنه الفنان السوري "خالد تاجا". * تطل على شاشة رمضان عبر أكثر من عمل، فماذا عن أدوارك هذا العام؟ ** فعلا.. فأنا أشارك في أربعة مسلسلات هامة هذا العام، منها مسلسل "قاع المدينة" الذي يشاركني بطولته أيمن زيدان، منى واصف، باسم ياخور، وهو عمل اجتماعي من إخراج سمير حسين ويقدم نظرة متفائلة لسكان العشوائيات في سوريا، حيث يحاول المؤلف محمد العاص البحث عن القيم النبيلة لدى سكان العشوائيات ضمن سلسلة متداخلة من الحكايات، ترصد حياتهم اليومية التي تقودهم إلى خارج هذه الأحياء بحكم العمل أو الدراسة، وتجري مقاربة بينهم وبين نظرائهم من سكان المدن، ويركز العمل على الجانب النفسي لسكان المناطق العشوائية . * وماذا عن العمل الثاني؟ ** هو مسلسل "زمن العار" للمخرجة رشا شربتجي، وهو مأخوذ عن نص للكاتب حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإنتاج شركة عاج، وتأتي أهمية العمل كونه يطرح جملة من الأسئلة حول المفهوم الاجتماعي للعار، وهل يتجلى هذا الأخير في فقدان الفتاة لعذريتها؟ أم يتخطى ذلك إلى الممارسة الاجتماعية السلبية التي تتجلى في الفساد والرشوة التي تأخذ منحى فكريا يتغلغل اجتماعيا. ويتناول المسلسل أزمة الطبقة الوسطى في سوريا والوضع الاقتصادي المتردي لقطاعات واسعة من الناس، من خلال عائلة أبو منذر الذي ألعب دوره، والتي تنتمي إلى شريحة الموظفين، وتضم العائلة فتاة تدعى بثينة "سلافة معمار" التي أتمت الدراسة الثانوية وفاتها قطار الزواج حتى أصبح عمرها 32 عاما، ونذرت نفسها لخدمة أمها المريضة وإدارة شؤون المنزل، حتى نسي أفراد الأسرة الآخرين أنها إنسان أولا وأنثى ثانيا، وألقوا بأحمال خدمتهم على كاهلها كما لو أنها لم تخلق إلا للعناية بهم وتأمين متطلباتهم. * وهل يسير العملان الآخران في نفس الاتجاه؟ ** لا.. بل يحملان أفكارا جديدة، ففي العمل الثالث وهو مسلسل "قلبي معكم" للكاتبة أمل حنا والمخرج سامر برقاوي، يرصد جانبا من حياة الأطباء والمرضى الذين يترددون على أحد المستشفيات الخاصة الذي يشكّل المحرك الأساسي لأحداث المسلسل، إضافة إلى شخصية طبيب جراح يحلم ببناء مستشفى يعالج فيه الفقراء بالمجان، وهذا المسلسل زاخر بالشخصيات المهمة والغنية إنسانيا، ويشاركني في بطولته عباس النوري، نادين تحسين بيك، أيمن رضا، باسم ياخور، نضال سيجري. أما المسلسل الرابع، فهو "الخوف" للكاتب فادي قوشقجي والمخرج سيف الدين سبيعي، ويرصد ما يعانيه الإنسان من تخبط حين يفتقد الحب أو حين يفشل فيه، كما يتناول الصراع الدائر بين القيم الإنسانية السامية وأساليب العصر للوصول بأقصر الطرق للغايات التي غالبا ما تكون فردية، ويشاركني بطولته كاريس بشار، ميسون أبو أسعد، ثناء دبسي، سوسن أرشيد، زهير عبد الكريم وسواهم. * دعنا نعود بالذاكرة إلى الوراء، لتحدثنا عن بداياتك الفنية؟ ** انطلاقتي بدأت مع "فرقة المسرح الحر" عام 1957، حيث شاركت في العديد من الأعمال، أهمها في المسرح كممثل (مرتي قمر صناعي) و(آه من حماتي) و(حرامي غصب عنه) و(بيت للإيجار) و(الناس اللي تحت) و(النعمان عاشور) و(غوليمانوف) و(في آخر الليل) و(الطلقة الأخيرة) و(في انتظار عبد الفتاح)، كما شاركت ككاتب في (الطفر كنز لا يغني) و(بالناقص زلمة) و(خدام الأكابر)، وشاركت في الحقل السينمائي في (سائق الشاحنة) و(أيام في لندن) و(الفهد) و(خيرو العوج) و(اللقاء). أما في التليفزيون، فشاركت في (خريف الأيام) و(هجرة القلوب إلى القلوب) و(الدوغري) و(صيد ليلي) و(الأبواب السبعة) و(شبكة العنكبوت) و(جريمة في الذاكرة) و(المليونير الصغير) و(نساء بلا أجنحة) و(نهاية رجل شجاع) و(أخوة التراب) و(أيام الغضب) و(المحكوم) و(تمر حنة) و(أسرار المدينة) و(يوميات مدير عام) و(الغريب والنهر) و(النصية) و(سر النوار) و(بحر) و(آخر أيام التوت) و(شام شريف) و(الزير سالم) و(سفر)، فكل هذه الأدوار مجتمعة مثلت انطلاقتي الفنية. * بداياتك كانت مسرحية، لكنك بعيد عن المسرح الآن.. لماذا؟ ** المسرح هو معشوقي، وحاليا ليس لدي وقت للعشق، فقد سرقني التلفزيون منه، إضافة إلى أني كنت أكتب الشعر وأرسم وأؤلف وأخرج، لكن الدراما لم تترك لي وقتا، إضافة إلى أن المسرح الحالي لا يوفر لي شروطي الفنية التي أطمح إليها. * ما هي المعايير التي تطبقها أثناء اختيارك لأدوارك؟ ** في البداية كانت أعمالي بسيطة جدا، وكنت أمام خيارات قليلة، لذلك كنت أشارك بأي عمل بغية الانتشار. أما الآن، فأصبحت عوامل اختيار النص والمخرج والدور متاحة بالنسبة لي، فهناك عدد من المخرجين الذين أحب التعامل معهم كحاتم علي وهيثم حقي وهشام شربتجي وغيرهم، وأنا أنتقي أدواري وأحاول تجسيدها بإتقان وأتقمص كل الشخصيات، لأني أؤمن بالممثل النمطي. * الشاعر الراحل محمود درويش أسماك "أنطوني كوين العرب"، فهل ترى أنك تستحق هذا اللقب؟ ** مخطئ من يظن بأن النجومية لا مكان لها إلا على أبواب هوليوود، فالفنان العربي أثبت أنه لا يقل كفاءة وأحيانا يتفوق على نظرائه في الغرب، حتى عقبة الإمكانيات بتنا قاب قوسين أو أدنى من تجاوزها. وبالمناسبة، فقد عرض علي عمل عالمي ورفضته، لأنه كان يخالف عقيدتي ومبادئي، فهو عمل يتحدث عن الإرهاب بطريقة منحازة، لا تميز بين الإرهاب والدفاع المشروع عن النفس، فقد حاول هذا العمل تصنيف المقاومة في فيلق الإرهاب، لذا رفضته رفضا قاطعا. * لماذا عبّرت في أكثر من مناسبة عن رفضك للعولمة، رغم أنها اكتسحتنا بالفعل؟ ** أنا لست ضد العولمة مثلما يشاع عني، لكني أريدها عولمة إيجابية، وأستشهد هنا بمقولة غاندي أو طاغور لا أذكر، عندما قال: "'أريد لنوافذي أن تكون مشرعة وأن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم بكل ما أمكن من حرية، لكني أنكر على أية منها أن تقتلعني من أقدامي". * الفنان طلحت حمدي الذي وصفك بأنك "ناكر للجميل"، فهل أنت فعلا كذلك؟ ** أكتفي بالقول إني كنت كريما معه بأخلاقي وصداقتي، فبادلني العكس،ومشكلتي معه بدأت منذ فيلم "سائق الشاحنة"، فهو اعتقد أنني استوليت على الدور الذي كان من المفروض أن يمثله هو، بالرغم من أن المخرج هو الذي أعطاني الدور. * رغم طعنك في السن، إلا أنك لا تزال تتغنى بالمرأة، ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لفنان محترم ينبذ الانحلال والتفسخ؟ ** حبي للمرأة لا يعني خروجا عن عاداتنا وقيمنا وأخلاقنا الدينية، فالمرأة بالنسبة لي هي حياتي كلها، فأنا أؤمن بأنني لا أكون بدون امرأة، المرأة هي الرفيقة والابنة والزوجة والأم.. وأنا لا أتعامل مع المرأة من منظور اجتماعي متخلّف، بل بمنظور معاصر جدا، وليس الورق هو الذي يربطني بالنساء بقدر ما تربطني العلاقة الحميمة، فأنا حاليا متزوج من الكاتبة نائلة الأطرش وستقرأون قريبا في مذكراتي الكثير من الأمور حول نساء في حياتي، دخلنها دون أن يخرجنني عن أخلاق خالد تاجا. * هناك أدوار حلمت بها، إلا أنك عاجز عن تقديمها، ترى ما السبب؟ ** كثير من الأدوار كنت أتمنى أن أمثلها، لكنها فاتتني، لأن الزمن سبقني فيها. أما الآن، فأحلم بأن أقدم شخصية "الملك لير" وأن ألعب "غلغامش"، وتستهويني الشخصيات التراجيدية، وأعتبر الكوميديا فسحة راحة تسبب لي الفرح وتجعلني أعود للوراء حيث أيام الطفولة والبراءة. * في نظرك.. لماذا تراجعت الدراما السورية بعد فترة تميز؟ ** تميزنا وتفوقنا لأن جيل من الفنانين المثقفين وخريجي المعاهد، أصروا على النجاح. ومن أسباب النجاح أيضا، أن الدراما السورية انطلقت للشارع ودخلت الحياة، فخلقت علاقة حميمية ربطت الناس بالواقع، لكن هذه المعايير لا تطبق الآن. ورغم أنني لا أتفق معك في موضوع التراجع، لكني أتوقعه. * قلت إنك تسعى لتوثيق التاريخ الحقيقي والكشف عن المزيف، كيف سيتسنى لك ذلك؟ ** التاريخ الذي وصل إلينا بحاجة إلى إعادة صياغة، لأنه مملوء بالمغالطات. ولكي نبني المستقبل، لابد من قراءة جديدة للتاريخ، خاصة وأن الحاضر العربي الآن مهيأ لذلك، لأننا نتعرّض لمرحلة تعد الأخطر التي تمر بها الأمة العربية منذ مرحلة ملوك الطوائف، لذا لابد من قراءة واقعية لتاريخنا وواقعنا لكي نستطيع المجابهة، فالهروب إلى الخيال أوقعنا في الأزمات، وسبل ذلك كثيرة، فقط المجهود والمراجعة تمكّننا من الوصول لهذا الهدف. * في أكثر من عمل، حاولت طرح فكرة مفادها أن العرب تآمروا على الإسلام، ما حقيقة ذلك؟ ** فعلا.. فالعرب تآمروا على الإسلام والوطن العربي، يوم قبلوا بالتخلي عن فلسطين للصهاينة، في حين رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. كما أن تمزيق السلطة العثمانية والتآمر عليها من قبل العرب، على رغم من لعب دورا مباشرا في زعزعة الإمبراطورية الإسلامية، لكن أنظر الآن من يحاول إنقاذ فلسطين، رؤساء 22 دولة عربية أم أردوغان. من الكذب والعار تبرئة الحكام العرب باسم البراغماتية أو الواقعية، فتركيا كانت لديها مصالح أكبر، لكنها ضحت بها من أجل إنقاذ أبرياء غزة. * دورك في مسلسل "وصمة عار" قدم نظرة تشاؤمية لمصير المناضل العربي، هل هذا هو واقع المناضلين في عالمنا العربي فعلا؟ ** في هذا المسلسل قدمت شخصية رجل له تاريخ نضالي هام، حارب ضد الفرنسيين وبرز كرجل مناضل. وبعد خروجه من الجيش، درس الحقوق وحصل على الدكتوراه ليدافع عن قضايا أمته في المحاكم الدولية، لكنه يتعرض لحملات تشهير وضغوط هائلة وتشكيك بسمعته، ما يعرضه لأزمات صحية توصله للمستشفى، لكنه لا يستسلم، فهنا لا يوجد تشاؤم، وإنما إظهار صورة من صور العذاب التي يلاقيها أصحاب المبادئ والمدافعين عن الأمة والمؤامرات التي تحاك ضدهم من قبل الخونة والمرتزقة والانتفاعيين، لكن الحق ينتصر في النهاية، مثلما كشفت نهاية العمل. * دعني أعود بك إلى مسلسل "ملوك الطوائف"، فما علاقة هذا العمل بما تعيشه الأمة العربية الآن؟ ** هذا المسلسل له علاقة مباشرة بالوضع الراهن بالوطن العربي، حيث لم تنهر هذه العلاقة إلا حينما تفككنا في السابق، وأرى أن التاريخ يعيد نفسه ولازلنا نكرر مآسينا، فالأمة تعيش بالفعل واقع ملوك الطوائف. * كفنان تصل إلى الجماهير العربية برمتها دون حواجز، هل تعتقد أن رسالتك وصلت؟ ** الدراما تخلق تواصلا بين الناس بسهولة بعد أن عجزت السياسة عن تحقيق ذاك الهدف، فإدراكنا كفنانين أكثر اتساعا من إدراك السياسيين، ونحن نعمل ببساطة متناهية ولا يشغل بالنا فكرة التشبث على كرسي السياسة، فنضحي بمبادئنا في أغلب الأحيان. * إلى متى ستظل تتبع أسلوب الإسقاطات السياسية؟ ** الفنان العربي عموما اعتاد الإسقاطات، لأننا غير قادرين على التعبير عن أفكارنا بحرية. وأمام هذا الواقع، لا نجد أمامنا سوى التاريخ الذي يعيد نفسه، وهنا أعبّر عن حزني على جمهور يقتطع الرقيب جزءا كبيرا وحقيقيا من حياته، وهنا لا أتحدث عن بلد معين، إنما انتقد الرقابة في كل الوطن العربي. * وإلى متى ستظل ساخطا على الأوضاع التي نعيشها الآن؟ ** إلى أن تتطهر أمتنا من كل الفيروسات والجراثيم التي استوطنت جسدها العليل، فتاريخنا لم يشهد يوما رداءة كتلك التي نعيشها اليوم، لدرجة أنني أحيانا أخجل من عروبتي.. ولا أبالغ إن قلت إن هناك في عالمنا العربي من يعيش في أكواخ تحتها آبار من النفط، فيما تملك أسر قليلة المال وتحفظها في مصارف أمريكا، وفي العراق الآن 40 ألف صهيوني يسرقون ثروات البلد ويفجرون الفتنة بين العراقيين. وأمام كل هذه المآسي، أجد فسحة وحيدة من الأمل الوحيدة من خلال المقاومين في لبنان وفلسطين الذين تخافهم "إسرائيل". * ولكن ما مصير المقاومة بعد وصول نتانياهو للحكم، وهو الذي يعول على تدمير حزب الله وإفناء حماس؟ ** والله لن يقدر على المساس بالمقاومة، فعمالقة بني صهيون عجزوا عن تحقيق ذلك، إنه أرعن وفاشل ولن يجلب لإسرائيل إلا الخراب والدمار. هو يظن أنه يملك أدوات قهر المقاومة، لكن غباءه المفرط سيزج به وبشعبه في محرقة حقيقية، فالمقاومة الآن أقوى بكثير مما سبق، ويكفي القول إن شبكة صواريخ حزب الله تغطي إسرائيل بأكملها، ورجاله في كامل جهوزيتهم للتعامل مع أي عدوان بقساوة، نفس الحال مع حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية التي رتبت نفسها واكتسبت قوة بعد انتصارها في حرب غزة. أعتقد أن نتانياهو أضعف من مجرد التفكير في المساس بالمقاومة، وكل ما سيفعله تطبيق ساسة "اللاءات" بخصوص القدس والمفاوضات مع الفلسطينيين وعودة اللاجئين، وسيمعن في تشييد المستوطنات، وقد تكون تلك شرارة الانفجار.