الجزائريون يعرّضون حياتهم للخطر بالتكتم عن أمراضهم المزمنة بسبب الخوف من العار وتفادي النظرة السلبية والمشككة من أفراد المجتمع، وحتى من المحيط البعيد والقريب، أضحى العديد من المرضى الجزائريين يتفادون الإفصاح عن حالتهم الصحية وما بهم من أمراضهم، وخاصة المزمنة منها، فعيون الناس وألسنتهم لا تدع أحدا وقد يكون هذا الأمر أكثر حدة إذا تعلق الأمر بحالة فتاة أو امرأة. "هجيرة" شابة التقينا بها بمستشفى مصطفى باشا والتي أكدت لنا بأنها تعاني من مرض السل، كاشفة لنا بأنها تتحاشى الحديث عن مرضها، حتى لزميلاتها في الجامعة، برغم غيابها عن بعض الحصص خاصة في فصل الشتاء، وقالت لنا إن نظرة المجتمع لا ترحم وبخاصة للمرضى، وقد يكون هذا حتى من الأصدقاء، وأضافت "إنني أعالج عن مرضي هذا لأزيد من سنتين، فعندما كنت في الثانوية وبدت علي أعراض المرض بشدة في إحدى المرات وأخبرت زميلاتي في القسم بمرضي، كان الجميع يتحاشى الجلوس معي مطولا خوفا من العدوى، لذا تفاديت تكرار السيناريو مع زميلاتي في الجامعة". أما السيدة صبيحة أم مصابة بمرض معد، والتي كشفت لنا بعملها ممرضة، إلا أن عملها هذا لم يجعلها بمنأى عن الصدمة النفسية لدى إبلاغها من طرف الطبيب بإصابتها، وحتى مع معرفتها جيدا أن مرضها يعد من بين الأمراض المزمنة التي يمكن التعايش معها "إلا أنني لم أستطع العودة إلى حياتي الطبيعية" إلا بعد استعادتها لثقتها بنفسه، التي زرعت بها أملا كبيرا في شفائها. * مجتمعنا يجهل طريقة التعامل مع المرضى وأضافت "أكثر ما آلمني ليست الإصابة في حد ذاتها، بل نظرة الناس وتجنبهم إياي حتى أقرب الناس مني، لمعرفتهم بأن المرض معدي". وصرحت بأن هذا هو ما يدفع الكثير من المرضى إلى عدم الإفصاح عن مرضهم، لأننا نحيا في مجتمع قاس ويجهل طريقة التعامل مع الأشياء والظواهر، ويفتقد للكثير من الوعي والثقافة في التعامل فيما بيننا. "سعيدة"، حالة أخرى لشابة مصابة بداء السكري التقينا بها في مستشفى بارني بحسين داي والتي جاءت للفحص عن عينها خوفا من مضاعفات الداء، كما أنها تيقنت بضعف بصرها كثيرا في الأشهر الأخيرة، حيث أجهدها العمل كثيرا كسكرتيرة في إحدى المؤسسات بطول جلوسها لساعات أمام الكمبيوتر، والتي صرحت لنا بأن المرأة في الجزائر لا تزال تتخوف من النظرة السلبية للمجتمع، وهذا أمر جد شائع وبخاصة المرأة المصابة بداء مزمن، لذا فهي تتحاشى حتى الحديث عن مرضها في وسط الأسرة الكبيرة، وكشفت لنا: "حتى أنا كنت ولوقت قريب متمسكة بهذا الرأي نظرا لما لاحظته من تصرفات من محيطي الخاص، الأسري والمهني، والذين يعاملونني في حالات كثيرة وكأني عاجزة أو قاصرة، هذا الأمر الذي تجاوزته بإرادتي الخاصة وبيقيني بأن هذا الداء هو قضاء من الله وقدره، فصرت لا أتحرج من البوح بمصابي". * الخطر يتفاقم في حالة الأطفال قد تتزايد خطورة الأوضاع، خاصة إذا تعلق الأمر بالأطفال المصابين بأمراض مزمنة، حيث أن المحرك الأساسي لفكرة عدم الحديث أو حتى الكلام عن المرض للرفاق وحتى الأساتذة والمعلمين، هم الأولياء، بدعوى أن الأمر من الممكن أن يتحوّل للاستهزاء بمرضهم،خصوصا إذا وقع في نوبة مرضية أمام ملأ من الرفاق. قد يكون هذا الأمر شائعا في الأمراض المزمنة العضوية، أما إذا تعلق الأمر بمرض نفسي، فحدث ولا حرج، فمن المستحيل الإعلام بالمرض خاصة بالنسبة للإناث واللائي يعتقد أولياءهن بان انتشار خبر مرضهن النفسي، أو زيارتهن للطبيب النفسي، هو عند الناس غالبا إصابتها بمرض عقلي، خاصة وأن عديد الجزائريين لا يفرّقون بين الطبيب النفسي والعقلي. كما أن هذه الإشاعات، وبخاصة إذا تعلقت بالفتيات، يقلل من فرصهن للزواج مستقبلا. وعلى الرغم من علم العديد بأن عدم الكشف عن أمراضهم المزمنة يعد خطرا بالدرجة الأولى عليهم، إلا أننا نجدهم يصرون على وضعيتهم وفكرتهم هذه، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقم حالاتهم في حالة ما إذا أصابتهم نوبات أو تعرضوا لحوادث أو أزمات، فإن سرعة إسعافهم سواء من طرف المسعفين أو الأطباء قد تتأخر نوعا ما. لذا، فإن هذه الظاهرة تتطلب جلسات علاجية، لأن المشكل بالأساس نفسي، ولتجاوزه لابد من إرادة ودراية بخطورة الوضع والمرض وضرورة تجاوزه.