الأحزاب الإسلامية في الجزائر تدعو دوما إلى الوحدة ورص الصفوف، ولكن الصف عندها يصير صفين والحزب يصير ثلاثة أحزاب، أو أكثر. بالأمس، كانت" النهضة" واليوم صارت "الإصلاح" و"النهضة"، وبينهما صار جاب الله عاطلا عن النضال، مجرد بطال، وربما عما قريب سيفكر في "الحرڤة" بعدما فرضت عليه البطالة من طرف الإخوة. وفي الجهة الأخرى، يقف سلطاني الذي يتغنى عن الوحدة ويدعو أيضا إلى رص الصفوف والمحبة، ولكنه بدوره دخل مرحلة إقصاء إخوته في النضال ومحاولة الاستيلاء على كل ما يمكن الاستيلاء عليه من جمعيات خيرية ولواحق وجمعيات تخص الإخوان، ووقف شاهرا سيفه أمام عبد المجيد مناصرة ليصير طريق "الحمسيين" طريقين، طريق مناصرة وطريق أبو جرة، فهل حقا هذا هو النضال؟ وهل هذا هو المشروع الإسلامي الذي وعدوا به الشعب يوما؟ قبل التعددية، كان هؤلاء يبشّون الناس بعيون لا تنضب وأنهار من لبن وعسل مصفى وحور عين، وكل ما تشتهيه الأنفس وتبتغيه العين، والأمر فعلا تحقق، لكن ليس للعامة من الشعب، بل لأئمة الأمس بعدما درت عليهم "تجارة الإسلام" مناً وعسلا في البرلمان والوزارات المختلفة، وتحوّلت القمصان الناصعة البياض إلى "كوستيمات" إيطالية، والمسك الشامي والحجازي إلى عطور باريسية، قطرة منها تطعم أسرة بكاملها، واللحى الطويلة صارت مهذبة. هذه هي الحركة الإسلامية، اليوم لم يبق من مبادئها سوى الريح. ولأنه لا أحد اليوم صار يصدق هذه الأحزاب، وجد زعماؤها أنفسهم مرغمين على الخروج عن صمتهم في كل مناسبة، ليواجهوا بقايا مناضلين ويطلون من خلف موائد الولائم يشجبون وبقوة، ويندّدون وبعنف بما يحدث لإخوانهم في غزة، (ويكثّر خير إسرائيل، ربما لأنها أتاحت لهم الفرصة ليعبّروا عن تضامنهم وروح المحبة مع إخوانهم في غزة، بعدما ضربت عليهم الذلة والمسكنة من كثرة حب الزعامة).. والحمد لله أنهم تزعموا أحزابا ولم يتزعموا وطنا، ولو كانوا على حق لما تشتتوا وصاروا أعداء بعضهم، وصدق من قال "لا تجتمع أمتي على ضلالة". ومن يذكر خطاب زعماء الحركة الإسلامية في الجزائر قبل التعددية الحزبية، ويقارنها بما يحدث اليوم، يشك في سلامة عقله، ويضرب أخماسا بأسداس، و"عيش تشوف" و"عيش واضحك" مع الحركات الإسلامية في الجزائر.