إذا كانت الصحراء قد دخلت في نطاق السياسة الجديدة لاستيطان الفرنسي، التي تزامنت مع المراحل الأخيرة للثورة الجزائرية، فإن التجارب النووية والأسلاك الشائكة أو طريق الموت كما كان يسميها المجاهدون اعتبرت كسياسية معلنة من طرف السياسي العجوز "ديغول" الذي كان يسعى للخروج من دائرة الطوق الأمريكي التي ظهرت عقب التطويق الاقتصادي والعسكري الذي جاء بعد التفوق الاقتصادي الذي مكّن الأمريكان من الهيمنة السياسية على العالم. وفي غياب الوعي الإقليمي والدولي، وجدت فرنسا نفسها في منطقة آمنة بالوطن العربي والقارة الإفريقية، لتقوم بتجاربها النووية الباطنية والجوية، حيث كانت الصحراء الجزائرية مسرحا لها وقامت فرنسا بتنفيذ مخططاتها الإجرامية، دون أي اعتبار للبيئة والإنسان، لأن الساسة الفرنسيين أصيبوا بعقدة الرجل الأوروبي والدولة العظمى المتفوقة. بعد تغيير موازين القوى في سنوات الخمسينيات، لم تعد هناك قيمة للمستعمرات التقليدية والإمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس، حيث صار عنصر القوة هو امتلاك أحدث الأسلحة، ومنها السلاح النووي الذي عرفته العلاقات الدولية من خلال توازن الرعب، الذي وقع بين العملاقين الأمريكي والاتحاد السوفياتي سابقا، ومن هذا المنطلق بدأت فرنسا في عهد "ديغول" بتنفيذ مشاريعها النووية حتى لا تقصى من نادي الأقوياء، لأنها لم تكن في ذلك الوقت تملك القوة الاقتصادية القادرة على مواجهة المنافسة الشديدة، داخل العالم الحر، بعد تحطم قوتها العسكرية والاقتصادية، أثناء الحرب الثانية والاستنزاف الكبير الذي لحق بميزانيتها في حربها الخاسرة بالجزائر. ولولا المساعدة الأمريكية، لما كانت فرنسا قوية، رغم مراوغات العجوز "ديغول" للتملص من الهيمنة العسكرية والاقتصادية للسيد الأمريكي الجديد الذي حرر باريس وفرنسا من الاستعمار الألماني. التجارب والدراسات والأبحاث الفلكية والجيولوجية، التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية، كانت كلها تصب في خانة المنافسة العالمية من أجل امتلاك قوة الردع وفرض سيطرتها أوروبيا وإفريقيا، والالتحاق بركب أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقا، في إنجازاتهما الفضائية نظرا لما يحتويه هذا البعد من قوة لفرنسا وتعويض عقدة جيش فرنسا المنهزم عسكريا أثناء حروبها في أوروبا والهند الصينية والجزائر. الهدف الحقيقي الذي طرحه الجنرال "ديغول" كما تثبته الدراسات الحديثة هو ضرب الانقلابيين الذين هندسوا انقلاب يوم 13 ماي 1958، ورهن الثورة والشعب الجزائري من أجل إقناع الرأي العام الفرنسي والرأي العام الدولي، أن فرنسا لا تزال الدولة العظيمة القوية، وكانت تجارب فرنسا النووية هي الورقة الأخيرة للضغط على المفاوض الجزائري وإقناع العالم بحتمية فرنسة الصحراء، بحجة بأنهم هم من مدوا خطوط السكك الحديدية وأقاموا المنشآت البترولية وأحدثوا مجالات للصناعة، كما أقنعوا شركاءهم بأن الصحراء مكان جيد لردم النفايات الأوروبية في فضاء خال، هو ملك فرنسا وحدها دون بقية الدول الإفريقية، والجزائر بصورة خاصة، رغم الرفض العالمي لخطوات ومغامرات فرنسا منذ جوان 1958 إلى جويلية 1962. في فيفري 1960، فجرت فرنسا قنبلتها النووية الأولى في الصحراء الجزائرية في ظل تعتيم إعلامي غربي وفرنسي، يخص ظروف وسير التجربة وأخطارها على الإنسان والحيوان، فأكثر من 17 قنبلة وتجربة نووية، كانت منطقة "رڤان"ب "الهڤار" و"واد النموس" ببشار، قد شهدتها تفوق حدود المنطق العلمي والضرورة الاستيراتيجية، حيث استباحت فرنسا النووية الأرض وأصحابها، وقامت بتدمير المنطقة وأهلها بالكامل، حيث كان الإسرائيليون حاضرين في جميع مراحل تركيب مراكز التجارب النووية والبكتيرولوجية التي أنشأتها فرنسا الاستعمارية. في هذا السياق، أكدت العديد من المصادر العلمية والتاريخية بأن القنبلة النووية الأولى التي فجرت بالصحراء الجزائرية، هي قنبلة إسرائيلية جربت تحت غطاء فرنسا. في هذا الإطار، كانت فرنسا المستوطنة تهدد باستعمال القنبلة النووية في أكبر التجمعات السكانية عند إجرائها للمفاوضات مع المجاهدين الجزائريين، الذين رفضوا خطة استقلال الشمال عن الجنوب، رفض ترجمته مظاهرات 11 ديسمبر 1960، ومظاهرات المهاجرين في17 أكتوبر 1961 بباريس، ومظاهرات 27 فيفري 1962 بورڤلة، وكل الأعمال البطولية التي قام بها الجيش الجزائري، مواقف كانت صورة واضحة للرد على "ديغول" والساسة الاستعماريين. إن التجارب النووية والبكتيرولوجية التي أجرتها فرنسا المستوطنة، أحدثت أضرارا بالبيئة والإنسان الجزائري، نتيجة الأخطار المترتبة عن التلوث الإشعاعي الناتج عن التجارب النووية، ودفن النفايات النووية في بعض المناطق من الصحراء الجزائرية. فبعد أربعين سنة، لا يزال أهل "رڤان"و "مثلث الموت" الذي يزيد عن 1000 كلم⊃2;، يتعرض للإشعاع الذي تركه من يدّعون اليوم أنهم دخلوا الجزائر لتحضير سكانها، فخرجوا منها مرغمين تحت نير رشاشات الشهداء والمجاهدين، تاركين إشعاعات نووية وأخرى خفية تشهد على وحشيتهم... لا على تحضّرهم.