تعوّدنا على كثرة الكلام حتى صار إنجازا يستحق أن يذكر وتقام لأجله الندوات والمؤتمرات، وصرنا نقول فلان "قال" بدلا من القول "فعل"، لنتحول إلى منتجي "الهدرة" وفعل الكلام وتقديم الوعود، ثمّ رميها في أول قمامة تصادفنا، كما يفعل المنتخبون عندنا في مختلف المجالس في كل حملة انتخابية. ومن كثرة ما صدقنا الوعود، صرنا نتخيلها حقيقة. ولو راجعنا وعود المنتخبين في مختلف المجالس وكثرة كلامهم ووعودهم التي قدموها للشعب، وقارناها بإنجازاتهم في الميدان، لاكتشفنا أننا شعب مضحوك عليه دون أن ندري، أو ندري ولا نريد إن ندري، ربما لأننا ندرك أن الكلام عند هؤلاء علم وفن قائم بذاته، يستحق أن يلقن في جامعات العالم. ومن كثرة ما يئس الناس من الوعود التي لا تتحقق والمشاكل التي بدلا من أن تحل، يزيدها المنتخبون المحليون تعقيدا. صرنا نستصرخ رئيس الجمهورية عبر وسائل الإعلام ليتدخل شخصيا ويحل مشكل المواطن، والذي بوسع أي منتخب محلي أن يتكفل به، ولا نعرف صراحة كيف يشعر هؤلاء المنتخبون وهم يقرأون في الجرائد المختلفة عن سكان بلدياتهم يناشدون الرئيس شخصيا لحل مشكل أقل ما يقال عنه أنه عادي، ويكفي جهد بسيط من أي رئيس بلدية أو مسؤول محلي بسيط لحله. ففي الوقت الذي يتحمّل الرئيس مسؤوليات جسام من أجل المضي في إنجازات مشاريعه الكبرى التي وعد بها الشعب، نرى الذين صاروا أميارا ونوابا يبيعون للناس الريح ويطلقون وعودا لا تتحقق. فماذا لو سنت الدولة تشريعا يحاسب فيه كل منتخب على وعوده وكل وعد أخلفه، تقابله سنة سجنا نافذا، الأكيد أن الكثير من المنتخبين سيقبعون عقودا طويلة خلف القضبان، والمؤكد أن لا أحد منهم سيغامر بدخول انتخابات بوعود واهية. واقع الحال أننا استثمرنا في كل شيء، في الفلاحة، في التصنيع، ولكن فشلنا فشلا كان ذريعا، وما نجحنا فيه بامتياز هو الإستثمار في "الهدرة"، والدليل هو كثرة الكلام ونجاح صفقات بيعه في الجرائد، دون أن ننسى شركات الاتصال، رغم أنها جعلت "الهدرة" بالمقبل، إلا أننا ندفع "لنهدر" أكثر.