على ضفاف وادي الحميز ينتشر قرابة ال 1600 سكن قصديري، تأوي أكثر من 07 آلاف مواطن يعيشون حالة اجتماعية مزرية مصحوبة بهواجس الرعب والهلع من الموت الذي يرونه قريبا منهم، هذا الموت الذي يقض مضاجعهم ويؤرق حياتهم كلمات فتح السد وغمرت مياه الوادي منازلهم، "الأمة العربية" وقفت عند تلك المعاناة في هذا التقرير . على بعد أمتار من الحي التجاري الحميز باب الزوار بالجزائر العاصمة تنتشر البنايات القصديرية المحيطة بوادي الحميز، آلاف المواطنين يعيشون بلا كهرباء ولا ماء، وجل حلمهم في الحياة أن يقطنوا في شقق حتى وأن كانت بغرفة واحدة، لكن هذا الحلم بات بالنسبة إليهم بعيد المنال، بعد أن فشلت كل محاولاتهم في إيصال صوتهم للجهات المعنية، فعمت بينهم حالة من اليأس دفعت بالكثير من شباب هذه المنطقة إلى تسمية أنفسهم "قنابل موقوتة" . أحدهم ويدعى "ن . ف" في الخامسة والعشرين من عمره يقول : نعيش مثل الحيوانات الضالة، لا يعيرنا أحد من المسؤولين بالا، أغلقوا كل الأبواب في وجوهنا، وتركونا هنا نواجه مصير غامض لا نعرف وقته ولا نوعه، ثم يطلبون منا تأدية الخدمة الوطنية، ثم يتساءل قائلا : كيف يستدعوني لأداء الواجب الوطني وأنا لا أملك إقامة محددة ولا عنوان سكن؟ كثير من الشباب هنا لم يذهب لأداء الخدمة الوطنية، ليس عصيانا وإنما لاقتناعهم بأنهم مهمشين داخل وطنهم ومقصيين داخل حدوده . مواطن آخر في حدود الأربعين من عمره قال لنا : لدي 06 أبناء جميعهم في سن التعليم، ولم أتمكن من إلحاق أي منهم بالمدارس، والسبب أننا لا نملك عناوين إقامة محددة، فها هو أبسط حق من الحقوق التي يكفلها الدستور حرمنا منه بالرغم من أننا جزائريون وننتمي للشعب الجزائري، ويتضمننا الإحصاء الوطني، فكيف يحكم على أولادي بالحرمان من التعليم؟، ولماذا يتعمد المسؤولون إيذاءنا وتعميق جراحنا ؟ هل يريدون أن تخرج من بين جنبات هذا الحي قنابل موقوتة تزيد الهم الجزائري أكثر مما هو عليه ؟ سيدة أخرى كانت تحمل إناء كبير من الماء ويجرجر أبنائها وبناتها من ورائها أوعية الماء الصغيرة، استوقفتها وهي في حالة إعياء شديد، لتقول : لا توجد المياه في بيوتنا، نضطر كل يوم الذهاب إلى خزان الماء لنتزود به، وقد تتكرر العملية لأكثر من مرة في اليوم الواحد، وبالطبع نعاني من شح شديد في المياه الأمر الذي تسبب في انتشار الأمراض في محيطنا والروائح الكريهة، حتى الماء الذي نستعمله أحيانا نجده مليئا بالشوائب، لكن ماذا نفعل .. هذا هو مصيرنا . تركت هذه السيدة اليائسة لأستوقف رجلا كانت علامات الأسى بادية على وجهه، سألته : لماذا لم تحاولوا اللجوء إلى المسؤولين المعنيين، فتبسم بسخرية ثم قال : ذهبنا لرئيس البلدية، فقال لنا بكل دم بارد: "هل الوادي هو الذي جاء إليكم .. أم أنتم من جئتم إليه؟". فعدت لأسأله : لماذا لم ترفعوا شكواكم لمن هو أعلى منه؟، فأجاب : الأعلى منه مشغولون بالانتخابات، ويطلبون منا أن ننسى همومنا وأن نجعل الانتخاب هو همنا الأول والأخير، أنا لا أفكر الآن سوى بإبعاد شبح الموت عن أبنائي، لي بنت صغيرة في الرابعة من عمرها، كل ليلة تنهض مفزوعة من نومها بعد أن طاردتها كوابيس الغرق في الوادي، حتى نحن الكبار نعيش الرعب والمعاناة كلما حل موسم الصيف وانفتح السد، حيث تغمر مياه الوادي منازلنا بارتفاع 50 سنتيمتر، فنظل مستيقظين طوال الليل خشية من أن يجرفنا الوادي . واختتم هذا الرجل قائلا : لا نتمنى سوى العيش مثل باقي البشر، أريد أن أشعر أنني ابن جزائر العزة والكرامة، فأنا لا يزال لدي أمل في الرئيس بوتفليقة، أنا متأكد أنه بمجرد سماعه لمأساتنا سيأمر المتقاعسين بالتحرك من أجلنا .