سكان مجمع السكنات الفوضوية بشارع المساواة ببلوزداد يستغيثون يعيش سكان المجمع القصديري بحي 72 شارع المساواة ببلوزداد، وضعا تغيب فيه أبسط متطلبات الحياة... ويترصدهم على الدوام خطر الموت تحت الأنقاض، فبيوتهم تشهد تصدعات وشروخا عميقة، إلى جانب اهتراء الجدران وتآكل السلالم الحديدية المتصدية التي كادت تودي بحياة الكثيرين، كل هذا يضاف إليه غياب تام للماء الشروب وهيجان الفئران، الجرذان والحشرات السامة، ما يفضي إلى انتشار فظيع للأمراض والأوبئة، زيادة على انتشار الاعتداءات في ظل غياب الأمن. "الأمة العربية" وقفت على معاناة العائلات السبعة عشر المقيمة بهذا الحي الفوضوي، لتنقل انشغالاتهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشون فيها. * خطر الانهيار يترصدهم يعود بناء هذا المجمع الفوضوي الذي يقع خلف فندق "السوفيتال" إلى سنة 1990، حيث لجأ عدد من سكان بلوزداد إلى مساحة أرض كانت عبارة عن أكوام من حطام مصنع لمواد التنظيف، الذي هدم في وقت سابق بعد تآكله وقدمه. هؤلاء الناس، منهم من كان بصدد دخول قفص الزوجية، ومنهم من أراد الاستقلال بعائلته الصغيرة عن بيت العائلة الكبيرة الضيق، حيث لم يجدوا فيه متسعا لهم، وهو ما انتهى بهؤلاء إلى بناء هذه البيوت بشكل عشوائي، جدرانها من حجارة إسمنتية وأسقفها من قصدير، يتوزع 14 منزلا منها على مستوى الطابق الأرضي، بينما يضم الطابق العلوي 3 بيوت. ورغم هشاشة السكنات المذكورة وتصنيفها في الخانة الحمراء منذ أكثر من ثماني سنوات حسب المعنيين إلا أن الوضع ازداد سوءً بعد زلزال 21 ماي 2003، حيث لم يجد هؤلاء السكان من يلتفت إلى حالهم المزرية، ما جعلهم يلجأون إلى السكن بمدرسة تقع بذات الحي، ظلوا مقيمين بها مدة 4 أشهر و10 أيام، في انتظار الفرج، لكنهم تفاجأوا فيما بعد بقرار الاخلاء الممضي من قبل رئيس البلدية بعد انتهاء العطلة الصيفية، دون مراعاة لخطر عودتهم للمجمع القصديري الهش، رغم علم السلطات المحلية بالخطر الذي يترصدهم بمجرد حدوث هزة أرضية جديدة بالمنطقة، تطبق الجانب العلوي على سافله. * أسقف متهرئة بسبب تآكل أسقف المنازل، وهي عبارة عن ألواح قصديرية اهترأت جراء المدة الزمنية الطويلة التي مرت على بناء هذا المجمع الفوضوي، والتي قاربت 19 سنةو يقضي القاطنرن بهذا المكان الليالي الماطرة خلال فصل الشتاء في ترصد المياه المتسربة عبر هذه الأسقف والجدران الإسمنتية المتشققة، حيث أكدت لنا إحدى السيدات المقيمة بعين المكان أنها تتجمع وأفراد عائلتها وسط الغرفة الوحيدة التي يتكون منها منزلها المتواضع، حتى لا تبللهم مياه الأمطار التي تظل تتقاطر عليهم طيلة الليل، مما يجعلهم في يقظة تامة ويحرمهم من النوم، بل يمضون الليل وهم يترصدون المياه المتسربة بأواني الغسيل، وهي ذات الحالة التي يشترك معهم فيها باقي الجيران من المجمع القصديري هذا. ولا يقتصر الأمر على فصل الشتاء فقط، بل تمتد معاناة هؤلاء السكان إلى فصل الصيف أين تتحوّل منازلهم إلى أفران متقدة، بعد أن يمتص القصدير حرارة الشمس الحارقة. * غياب أبسط متطلبات الحياة إضافة إلى ما سبق، يفتقر سكان الحي الفوضوي بشارع 72 المساواة ببلدية بلوزداد، إلى أبسط ضروريات الحياة الكريمة. فمنذ أن أنشئ هذا المجمع، والسكان يعانون من غياب المياه الصالحة للشرب، مما يدفعهم إلى جلبها من أماكن مختلفة، غالبا ما تكون بعيدة عنهم، فتارة يجلبونها من حنفيات المساجد القريبة من مجمعهم، وتارة من عند الجيران الذين يعطفون عليهم، فلم يتم توصيلهم لحد اليوم بشبكة المياه، رغم مرور هذه الأخيرة من أمام منازلهم. ويضاف إلى المعاناة التي يعيش فيها هؤلاء، مشكل آخر يتعلّق باهتراء الأيدي من كثرة حمل قوارير غاز البوتان وحملها عبر السلالم الحديدية المتصدية، المتآكلة والضيقة الخطيرة بالنسبة لمن يقطن بالطابق العلوي، إذ يواجه هؤلاء السكان خطر السقوط من خلالها لما هي عليه وأيديهم فارغة، فكيف بمن يحمل أثقالا؟ * 18 ملفا بلا جدوى!! واظبت العائلات ال 17 المذكورة آنفا، ومنذ ما يزيد عن 18 سنة، على تجديد ملفات طلب السكن بدخول كل سنة جديدة، كما تم إحصاء المعنيين عدة مرات من طرف السلطات المحلية ودائرة حسين داي، لكن كل هذه الإجراءات ذهبت أدراج الريح، لأن الحال بقي على ما هو عليه، ومنذ وقت طويل، رغم عديد النداءات والمراسلات التي بعثوا بها لمصالح السكن، حتى أنهم لم يلقوا ترحيبا من طرف الجهة المذكورة، إلى أن تدخّل رئيس البلدية الحالي وجمع من سكان المجمع الفوضوي بشارع 72 المساواة مع الوالي المنتدب بحسين داي، حيث استمع هذا الأخير لانشغالاتهم وطمأن المعنيين بتسوية وضعيتهم في أقرب وقت ممكن، فكل ما يطمح إليه هؤلاء هو الحصول على سكنات اجتماعية لائقة، وذلك بتخصيص جزء من المشاريع السكنية التي تعكف الدولة على إنجازها لفائدتهم ما دامت وضعيتهم أسوأ من غيرهم على حد قولهم لكن إلى حد اليوم لم يتغير أي شيء، بل بقي الحال على ما هو عليه في ظل المعاناة التي يعيشونها. * التزامات اجتماعية اندثرت بسبب الخوف يقضي سكان البيوت الفوضوية حياتهم محصورة بين العمل، الدراسة والبيت، هذا الأخير الذي لا يمكنهم أن يتركوه فارغا ولا ليوم واحد، وهذا راجع لتخوفهم من الاعتداءات التي يشنها اللصوص دون انقطاع على منازلهم الهشة التي يسهل عليهم اقتحامها وسلب مقتنياتهم البسيطة، على حد تعبيرهم. فهذه إحدى السيدات المقيمة بالحي القصديري، توفي عمها ولم تستطع السفر لحضور جنازته نظرا لاضطرارها إلى السفر خارج العاصمة، وبالتالي سيقتضي سفرها المبيت خارج بيتها، فخوفها من ترك منزلها بلا رقيب في ظل انتشار مثل هذه التصرفات المنحرفة من طرف اللصوص، قضى على الالتزامات الاجتماعية لهؤلاء الأشخاص. * فئران وصراصير... ورطوبة ما زاد الطين بلة، هو اجتياح الفئران والجرذان وحتى الصراصير للمجمع، وعلى مر الفصول الأربعة، فهي لا تنقطع على مدار السنة، حيث تستقر في المجاري المائية والأماكن المهجورة المنتشرة حولهم، لتنغص هذه المخلوقات المقززة على السكان عيشهم وتسلبهم السكينة والاستقرار، حيث أكدت لنا سيدتان من القاطنين بهذه المنازل، أن الجرذان هاجمتهما في وضح النهار، فأصابت الأولى من وجهها والأخرى من إصبع يدها، فأي معيشة هذه التي تقاسمهم فيها أقرف المخلوقات؟ والتي تتسبب في نقل الجراثيم والأمراض إليهم، لتصل في بعض الأحيان إلى حد الموت. مصالح البلدية اكتفت بوضع العقاقير السامة للقضاء على الجرذان بعد شكاوى المواطنين عند وقوع الحادثين، لكن لمرة واحدة فقط ولم تعاد الكرّة بعد ذلك، فهم جد متخوفين من انقضاضها على الصغار، خاصة منهم الرضع بعد وصولها إلى داخل غرفهم. المعاناة تمتد إلى الرطوبة التي تنخر أجسام المعنيين، نظرا لطبيعة البناء والمواد التي شيدت منها منازلهم، فأشعة الشمس لا تعرف إليهم طريقا في فصل الشتاء، حيث تزداد الرطوبة بشكل فضيع، مما أثر سلبا على صحة السكان بالمجمع الفوضوي، إذ أصيب العديد منهم بأمراض الحساسية الشديدة وآخرون بالروماتيزم وأمراض الكلى بسبب الوضعية المتدهورة التي يعيشون فيها. * أجنة تموت في بطون أمهاتهم نظرا للوضع المزري الذي يعيش فيه هؤلاء المواطنون وفقدان مواصفات الحياة الكريمة في هذا المكان، الذي تنبعث منه إشعاعات كيماوية على حد تعبيرهم التي بقيت نتيجة آثار مصنع مواد التنظيف "ماء الجافيل"، الذي بنيت على أرضيته هذه البيوت القصديرية، إضافة إلى عوامل أخرى كانتشار الرطوبة وقربهم من ورشة بناء، تسببت هذه العوامل مجتمعة في اشتراك غالبية نساء المجمع السكني إن لم نقل كلهن في إجهاض الجنين مرة واثنتين، وحتى ثلاث، دون أية أسباب واضحة، كتعرضهن للسقوط أو ما شابه ذلك. ولعل غموض الأسباب، جعل المعنيين يشكّون في المعطيات السالف ذكرها، بإسهامها في موت الجنين وهو في بداية نشأته ببطن أمه. * ضغط يولّد الانفجار هؤلاء السكان يمضون حياتهم اليومية بين الشجار فيما بينهم، أو المزاح للترويح عن همهم، إذ لم يجدوا غير هذا حلا لنسيان معاناتهم، وهذا راجع إلى للضغط الذي يواجهه المتضررون في هذا المكان، حتى أن هناك منهم من يلجأ إلى المختص النفساني للتخلص من جملة المشاكل التي يعيشون فيها، خاصة الصغار منهم الذين تأثروا سلبا بهذه الأوضاع في دراستهم نظرا لضيق المنزل وكثرة أفراده، حيث يتعذر على هؤلاء التلاميذ مراجعة دروسهم بسبب إخوة لهم صغار يلهون بلوازمهم المدرسية ويصعّبون عليهم الأمور، لأن الجو المنزلي لم يعد مريحا، بل إن إحدى السيدات المقيمات بالحي تروي لنا قصة هروب ابنها الكبير من المنزل ليلا، لأن هذا الأخير لم يتمكن من مراجعة دروسه والتحضير للامتحانات، لأن أخاه الأصغر كان يلهو بأدواته ومزّق كتبه، مما أدى إلى خروجه من البيت ليلجأ للشارع علّه يجد مكانا يستطيع فيه الدراسة، بل إن عددا منهم ينام في السيارة نظرا لضيق الغرفة التي يقيمون بها، وهو ما جعل الآباء متخوفين من الوضع الحالي، ومن احتمال انحراف أولادهم والتخلي عن الدراسة، لأن الحياة لم تسعفهم. * العيش الكريم... فقط بعد مرور 19 سنة من المعاناة والكثير من المشاكل التي لحقت هؤلاء السكان من أضرار، في مقدمتها الجانب الصحي جراء الحياة التي يعيشونها في ظل غياب أبسط شروط الحياة الكريمة، لم يطلب هؤلاء طيلة المدة التي جمعت بينهم و"الأمة العربية"، سوى التفات السلطات العليا لتسوية وضعيتهم بتخصيص جزء بسيط من المشاريع السكنية التي يتم إنجازها لفائدتهم، بعد تدهور صحة الكثيرين منهم وتقدم بعضهم في السن، حتى أن من بين المقيمين في عين المكان امرأة شهيد ضحى بحياته من أجل الوطن لينعم الكل بحقوقهم الدستورية، وفي مقدمتها سكن لائق وشربة ماء هنية، وهواء نقي بلا إشعاعات كيماوية، ولا العيش على أعصابهم طيلة الوقت متخوفين من انهيار المبنى الفوضوي على رؤوسهم، ليجدوا أنفسهم تحت الأنقاض. * وعود بقرب الفرج..! من جهتها، السلطات المحلية وعلى لسان رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلوزداد، أمحمد عقون، أكد بأنه تم توصيل صوت هؤلاء المواطنين للمسؤولين بالدائرة الإدارية لحسين داي، ومن ثمة للولاية، حيث تمت دراسة ملفاتهم السكنية وإحصاء عدد المقيمين بالمجمع الفوضوي بهذا الحي، خاصة وأن بلدية بلوزداد لا تعاني من مشكل البناءات الفوضوية القصديرية بشكل قوي، عكس الكثير من البلديات، إذ توجد هذه البناءات فقط بحي 72 شارع المساواة وآخر برويسو، مؤكدا ذات المتحدث بأن ملفات هؤلاء السكان بالحيين المذكورين لاقت ذات الاهتمام من طرف البرنامج الولائي، حيث ينتظر ترحيلهم في القريب العاجل.