وسط صمت قاتل للذاكرة التحريرية، يرقد ''فرانتز فانون'' بمثواه في مقبرة الشهداء ببلدية عين الكرمة الحدودية بولاية الطارف، دون أدنى اهتمام لقيمة هذا الثائر العالمي وعطائه الفكري التحرري، ووقوفه إلى جانب ثوار حرب التحرير. تعود ذكراه بعد ثلاث سنوات من القطيعة عن ملتقاه السنوي التاريخي والفكري، الذي توقف في طبعته الرابعة قبل ثلاث سنوات بهذه الولاية، التي ارتبط بها فانون في تجسيد وصيته بدفنه في التراب الجزائري. تمر اليوم خمسون سنة على رحيل الطبيب النفساني والكاتب والصحفي والمفكر التحرري فرانتز فانون، مناضل الثورة التحريرية الذي رحل عن عمر لا يتجاوز 36 سنة، جعلت منه واحدا من أعظم مناضلي التحرر العالمي في مناهضة الاستعمار والميز العنصري، منتصف القرن الماضي. وقادته رحلة العمر القصيرة ثائرا شغوفا بمواجهة مسببات القهر والاستعباد للشعوب المستضعفة، انطلاقا من موطن مولده في 20 جويلية 1925 في فور دوفرانس بالمارتينيك إلى فرنسا دارسا، ثم محاربا بقواتها العسكرية في الحرب العالمية الثانية، ليتجه بعدها إلى دراسة الطب النفساني، حيث كان من روّاد اختصاصه في المعالجة الاجتماعية للمصابين بالأمراض النفسية والعقلية. وارتبط قدر فانون مع الشعب الجزائري تحت هذه الصفة الطبية الإنسانية سنة قبل اندلاع ثورته المظفرة، في الفاتح نوفمبر 1954، حيث استقر في البليدة شهر نوفمبر 1953، وأسندت إليه وقتها مهمة الإشراف على مصلحة الأمراض النفسية بمستشفى البليدة، حيث تعرّف بعمق على مأساة الشعب الجزائري، وهو الذي أدرك مسبقا، وعن قناعة مطلقة وفي فرنسا، بمسببات هذه الأمراض في عصارة كتاباته الفكرية عن ممارسات البطش الاستعماري والميز العنصري. وكانت الأرضية التي بنى عليها قناعة أفكاره التحررية واستلهم من وقائعها المأساوية، كتبه ومقالاته الصحفية وتدخلاته في المحافل الدولية المدافعة عن الشعوب المستضعفة، آخرها ''معذبو الأرض'' التي جعل منها مدوّنة سابقت موته، بعد تأكده بأنه راحل لا محالة، إثر اكتشاف إصابته بسرطان الدم في نهاية شهر ديسمبر .1960 وتحدى فانون مرضه، وظهر كتابه ''معذبو الأرض'' في نوفمبر .1961 وقتها، استسلم لإجراءات العلاج، فأرسل إلى الاتحاد السوفيتي، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث توفي يوم 6 ديسمبر .1961 وعملا بوصيته، نقل جثمانه عبر باريس ثم تونس، ودفن يوم 12 ديسمبر لذات السنة بمقبرة شهداء الثورة بالمنطقة الحدودية المحررة ''سيفانة''، في الحزام الحدودي لبلدية الزيتونة بالطارف حاليا. وفي سنة 1965 نقل جثمانه وأعيد دفنه بمقبرة الشهداء ببلدية عين الكرمة بذات الولاية، بعدما تعذر نقل جثمانه إلى مقبرة العالية بالعاصمة للظروف السياسية التي أحاطت بحركة 19 جوان .1965