على من تقع مسؤولية حماية ذاكرة أعظم ثورات التاريخ الحديث، على المؤرخين أم على من شارك في صنع هذا التاريخ؟لعلها على الإثنين معا، ولكن هناك حركة أخرى حددت لنفسها مسؤولية توريث مسار تاريخ الجزائر الحديث للأجيال، أنها الحركة الجمعوية ومنها جمعية ''ذاكرة الأجيال'' لولاية بومرداس التي اِتخذت من هدف حماية موروث الثورة التحريرية وتبليغه للأجيال الصاعدة هدفا لها، علاوة على الهدف الأكبر وهو إعادة الإعتبار لمقابر شهداء نوفمبر ,.1954 بدأت ''ذاكرة الأجيال'' كجمعية تاريخية في البروز في أواخر ,2009 بعد سؤال طرحه صاحبها السيد ''جمال الحر'' يوما، وهو يسمع طالبة ثانوية تسأل عن مصدرٍ تنهل منه معطيات عن شهداء الثورة التحريرية بهدف إجراء بحث أكاديمي، حينها تبادرت إلى ذهنه أسئلة حول مصاعب يواجهها أمثال تلك الطالبة في استقراء تاريخ وطنهم.. ومنه جاءت الفكرة لإنشاء جمعية تهتم بجمع المادة التاريخية والتعريف بها. اختير لها شعار ''حتى لا ننسى شهادءنا''. ولعل من أبرز ما تقوم به ''ذاكرة الأجيال'' التي استوحت إسمها من الضمير الغيور على إرث ثورة نوفمبر الخالدة وتبليغ رسالاتها للأجيال المستقبلية، ما قامت به خلال سنة واحدة من وجودها من إنجازات كبيرة في معانيها، بل ولا تقدر بثمن بحسب شهادة رئيس السلطة التنفيذية الولائية بنفسه، فقد قامت الجمعية إلى غاية أواخر أكتوبر المنصرم بمشاريع عديدة تخص إنجاز وترميم مقابر الشهداء والمعالم التذكارية عبر إقليم الولاية، ومن ذلك إنجاز مقبرة وإعادة دفن رفات 150 شهيدا ببلدية زموري، وببلدية قورصو أنجزت مقبرة يرقد فيها 14 شهيدا، شُيّد معلم تاريخي يخلد ذكراهم، وببلدية بني عمران أُعيد دفن رفات ثمانية شهداء بمقبرة أعيد إنجازها كلية، إضافة إلى إنشاء معلم ومربع لتخليد ذكراهم، وببلدية حاج أحمد، أنجزت الجمعية مقبرة لتخليد ستة من شهداء المنطقة، وببلدية تيجلابين معلما ومربعا لستة شهداء سقطوا في ميدان الوغى أثناء الثورة التحريرية، كما شهدت بلدية سوق الحد عملية لإعادة إنجاز مقبرة أعيد فيها دفن رفات 40 شهيدا. ''وستشهد ذات البلدية عن قريب إعادة دفن رفات حوالي 600 شهيد توجد رفاتهم حاليا بجبال آيت حمدوش، افخارن،آيت ميزال، آيت اعمر ...الخ، وتوجد قبورهم في حالة متدهورة، وستقوم ''ذاكرة الأجيال'' بهذه العملية على غرار باقي العمليات بمشاركة السلطات المحلية وبتصريح ودعم من وزارة المجاهدين، وهذا بعد عمليات توسيع المقبرة أو إنجازات أخرى تعيد الإعتبار لمن ضحوا بأرواحهم مقابل أن تحيا الجزائر''، يقول رئيس الجمعية، موضحا أن رفات هؤلاء الشهداء كانت مدفونة بأودية جرفتها المياه بفعل عوامل الطبيعة، حتى أن رفات بعض الشهداء بمنطقة سوق الحد كانت ظاهرة للعيان بعد أن جرفتها سيول الوادي، مما حدا بالجمعية وأعضائها إلى الإسراع في عملية جمعها وإعادة دفنها بمقبرة البلدية التي عانت من جهتها لسنوات من إهمال كبير، وقد أعيد لها اعتبارها بعد عملية صيانة واسعة وأشرف على افتتاحها غداة عيد الثورة والي الولاية. ''المساء'' زارت بلدية سوق الحد واستمعت لشهادات من صنعوا الثورة من المجاهدين الذين تحدثوا عن تاريخ المنطقة العريق، وعن حكايات تعذيب المجاهدين وأفراد عائلاتهم بمركز التعذيب ''غوتيّي'' الذي ما يزال معلما شاهدا على الإجرام الإستعماري. كما كان لها حديث مع أهالي شهداء الثورة، هؤلاء ثمنوا ما قامت به جمعية ''ذاكرة الأجيال'' من عملية لإعادة الإعتبار لصناع الثورة التحريرية. ومن جهته كذلك، حيا الوالي كمال عباس عمل الجمعية وهو يستمع لشروحات رئيسها عن حيثيات العملية وما كلفته بقوله: ''أنجزتم عملا يُشهد له.. فمن يرقد هنا لا يقدّرون بثمن.. إطلاقا''. وتخطط ''ذاكرة الأجيال'' لمشاريع مستقبلية تصب في ذات الإطار، وتطمح إلى توسيع نشاطها إن هي تلقت الدعم المادي اللازم من السلطات المحلية، كذلك لتقوم بما يمليه الضمير الحي تجاه الشهداء. ومن تلك المشاريع، نذكر إعادة جمع ودفن رفات شهداء مناطق دلس وتيجلابين وشعبة العامر وبن شود، مع إنجاز مقابر تضمهم ومعالم تاريخية تخلد ذكراهم. إضافة إلى مشاريع لإعداد ندوات وملتقيات جهوية ومحلية إحياء للأيام والأعياد الوطنية، والتي تسعى الجمعية لجعلها همزة وصل بين الأجيال. جدير بالإشارة أن ولاية بومرداس كانت ضمن الولاية التاريخية الرابعة، وهي تحصي 5152 شهيدا.