صوت شجي و روح طيبة و ثقافة واسعة تميزت بها المطربة العراقية اللبنانية سحر طه. بدايتها كانت و هي طفلة تستمع إلى الموشحات الأندلسية فحفظتها و أدتها ببراعة حتى أصبحت أغانيها تردد في كل مكان . هي صاحبة ذوق و ثقافة أدبية و فنية وتاريخية جالت في بحور الشعر و جابت أرجاء القصيدة و أدت المقامات العراقية فسحرت سامعيها بعذب الإلحان سليلة عائلة فنية نشأت على حب الفن العراقي ثم انطلقت إلى بيروت ومنها أصبحت نجمة في سماء الأغنية العربية .زارت الجزائر وجابت كلا من العاصمة سكيكدةوالمدية فتركت أجمل انطباع لدى جمهورها الكبير بالجزائر. التقتنا جريدة الوطني فكان لنا هذا الحوار الشيق: اختارت الفنانة سحر طه أن تكوّن عالمها الساحر فسحرتنا بالكلمات وباللحن وبالاداء وما زاد إبهارنا هو التفاتتها إلى الأدب والشعر والظهور الاعلامي والتاليف. وسط زخم كبير من الفنون قد تختفي ورائها اخرى. وسط كل هذا الجمال على اي عرش تتربع الفنانة سحر طه؟ ليس هناك من عرش في كل هذه الفنون. هناك محاولات ورغبة في التجريب والتغيير ودخول عوالم مختلفة من الفنون والابداع في هذا العالم. ذلك اني أؤمن بمسألة التجربة والتحدي، لأن من لا يجرب ولا يتحدى نفسه – على الاقل – لن يصل الى هدفه ولن يعرف حدوده او امكاناته ومقدرته في اي مجال. انا احببت الشعر والكلمة كوني عشت في كنف والد شاعر وعيت على الدنيا وانا اسمع الشعر واحفظه واعيش ليالي السمر على جمعات الشعراء في بيتنا وقرأت المتنبي منذ الصغر حيث كان والدي احد عشاق هذا الشاعر وغيره من الشعراء في تاريخنا القديم والمعاصر. وبدأت النغمة تتغلغل الى اعماقي منذ صغري فشاركت في المدرسة منذ الطفولة وحتى دخلت الجامعة في بغداد حيث درست ادارة الاعمال، فكنت الفتاة الجامعية الوحيدة التي تقف على المسرح وتغني مع فرقة موسيقية وكان الامر يعتبر جرأة مني، فالغناء لدينا مهنة تمتهنها النساء أباً عن جد فقط، وليس هناك (إبنة عائلة محترمة حسب التقاليد والاعراف) ممكن ان تصبح مغنية. لكن انفتاح الاهل وخاصة الوالد ساهم في استمرار مزاولة عشقي الموسيقي حتى بعد نيل الماجستير في ادارة الاعمال. كل فنان يحمل حبا وتاثرا بآخر سبقه اذ يبدا بتقليده حتى يكتمل بناؤه الفني . بمن تأثرت الفنانة سحر طه ولمن كان شرف التقليد في اول الطريق؟ منذ البداية ومازلت أعشق كل ما يمت الى التراث والفلكلور بصلة. ليس ثمة صوت معين جذبني، بل كل ما يمت الى الشجن وما يمس المشاعر من كلام ولحن كان بمثابة درس ومعرفة ومتابعة مني. ففي العراق حيث نشأت حتى اكملت دراستي الجامعية، تأثرت بغالبية الاصوات النسوية المعروفة من سليمة مراد وزهور حسين وانوار عبد الوهاب وغيرهن كثيرات اضافة الى عشقي سماع "المقام العراقي" فكنت استمتع بقراءة الراحل محمد القبنجي وناظم الغزالي وحسين اسماعيل الاعظمي ثم فريدة محمد علي التي تعتبر الان سيدة المقام العراقي بلا منازع. كل صوت من هؤلاء هو بمثابة مدرسة بحد ذاته تعلمنا منهم الكثير وما زلنا نتعلم فهم الاساس في تربية الصوت والسمع والذوق في العراق. المقامات فن خالد تعرف به العراق الشقيقة. كيف تعرفين هذا الفن للجمهور الجزائري الذي تذوقه باعجاب شديد؟ معروف ان "المقام العراقي" عبارة عن نمط غنائي تقليدي يقوم على قواعد ثابتة على من يريد دخول عالمه، أن تكون لديه مقومات والشروط التي تخوله ان يصبح قارئ مقام. بدءاً بالصوت الجمهوري الذي يغني ضمن مساحة واسعة في السلالم الموسيقية الى خبرة مقامية طويلة تأتي من دراسة ثم تمرس في القواعد وخبرة في طرق أداء المقامات ومن ثم ثقافة عالية ومعرفة بالشعر واوزانه وايقاعاته لكي يعرف اي منها يتناسب ومقام معين من هذه المقامات. وغيرها من شروط تحتاج الى سنوات من الفنان حتى يتم الاعتراف به من القدماء والسميعة معاً كقارئ مقام مقتدر يبزّ الأولين ويباري الكبار. ومع الاسف نجد ان اتجاه المغنين اليوم ضئيل جداً وتنحسر اعدادهم كونه فن صعب يحتاج الى سنوات من التحضير قبل ان يبدأ في اكتساب الصيت والاسم، بينما مغني (البوب) او الغناء المعاصر قد يصبح نجماً شهيراً بين ليلة وضحاها. اضافة الى عدم تسليط الاضواء على هكذا نمط غنائي صعب، بات حتى المستمعون اليه قلة في العراق. ناهيك عن الانفتاح الفضائي، وغالبية الجمهورخاصة من فئات الشباب غير محصن ضد الانفتاح العنيف الذي يهاجمه عبر الكليبات الفضائية ومشاهدها الساخنة. الفنانة سحر طه مدرسة فنية حقيقية لها تواجد في الساحة عمره سنوات طوال ومع ذلك لم تغير نمطها ولا شكلها الفني عكس ما نراه لدى الفنانات الحاليات؟ لست مدرسة وما زلت أتعلم من الكبار. تربيت ونشأت على مبادئ تحرص على تنمية ثقافة الانسان، وكرامته، وعقله واحترامه اهم بكثير من النجومية والمال وما يتطلبان من تنازلات وغيرها. لذلك لا استطيع ان اغير مبادئي وايماني بالاشياء التي عشتها طوال حياتي مهما كانت المغريات. وأعشق تقديم هويتي وثقافتي أينما حللت في المسارح العربية والمسارح الغربية على السواء. دائماً أحب أن اكون على طبيعتي، يعني على المسرح كما في بيتي او بين اصدقائي او في الشارع، لا انفصام في شخصيتي، لهذا ترينني على المسرح بالبساطة نفسها لان راحتي النفسية تسهم في ادائي المريح، وذلك اهم من الماكياج واللباس والضخامة والفخفخة في التفاصيل التي ليست اكثر اهمية من اهتمامي بصوتي وادائي واهتمامي بجمهوري. وما راي الفنانة سحر في مطربات الاغراء و الكليبات الفاضحة المنتشرة عبر الفضائيات؟ هي متلطبات عصر اليوم ولكل انسان قناعاته الشخصية، واختياراته والخط او النمط الذي يرغب بتقديمه والساحة تتسع للجميع وإن ليس بالنسبة نفسها او بالتوازن نفسه في تقديم الانماط الغنائية لكننا اليوم شئنا ام ابينا في عصر الصورة والمشهد والكليب لا في عصر الصوت واللحن والسمع. وهي مرحلة مختلفة عن المراحل السابقة. فرضتها شركات كبيرة والمنافسة الاعلامية والاعلانية والمالية على الفن، وبات المال هو الاولوية ولذلك لهذه المؤسسات والشركات حساباتها في الربح والخسارة. ورغم ذلك علينا نحن الشعوب ان نحصن انفسنا واجيالنا المقبلة ضد مثل هذه الفيروسات القاتلة للفن. هل نفهم ان الفن الاصيل مرفوض من قبل القنوات الفضائية التي تشهر باشباه الفنانين على حساب الجودة والاصالة المتوفرة لديكم مثلا؟ كما قلت قد تكون لهذه القنوات حساباتها المالية التي تقول ربما بأن الفن الاصيل غير مربح، لذا فلا بد لهم من تقديم الشكل الجميل على حساب الصوت الجميل، لان الاول بات يجذب المشاهد اكثر. الفنانة سحر طه زارت الجزئر وتركت اجمل انطباع لدى الجمهور. فما كان انطباعك حول هذه الجولة الفنية ؟ كانت من اهم التجارب في مسيرتي الفنية، لأن الشعب الجزائري محبّ للفن العراقي خاصة والفن العربي المشرقي عامة، واعرف ان له ثقافة واطلاع على الموسيقى والغناء العراقي من هنا كان تفاعله الكبير معي ومع الفرقة النسائية (عازفات عشتروت) التي رافقتني من لبنان وايضا كان تفاعل الجمهور كبيرا مع بعض الاغنيات اللبنانية التي قدمتها من اعمال كبار ابان الستينيات والسبعينيات وكنت بصراحة متخوفة جداً من المواجهة مع جمهور ربما لم يسمع بي او ببعض الاغاني التي قدمتها لكن انسجامه مع ما قدمته كان رائعاً ومشجعاً في الحفلات الثلاث سواء في الجزائر العاصمة او في "سكيكدة" المدينة الساحلية الجميلة او في "المدية" المدينة التراثية الرائعة وكل الناس الطيبين الذين احاطوني بحفاوة ورعاية. اتمنى ان اعود مرة اخرى وألقى الجمهور في الجزائر الحبيب انشاء الله. اذا عدنا الى بدايتك الفنية، من اين كانت البداية من كتابة الكلمات او الغناء او التلحين او التاليف ؟ كما اسلفت بدايتي حين كنت طفلة اسمع الموشحات الاندلسية واحفظها وأؤدي بعض الاغاني في المدرسة ثم في الجامعة فيما بعد، وبعد دراستي الموسيقى في بيروت وبدء اعتلاء المسارح والحفلات وجدت بعض النغمات تتسلل الى وجداني حين اقرأ بعض القصائد فبدأت التلحين فيما الكتابة بدأتها حين كنت في الجامعة في بغداد وكنت اكتب بعض المقالات في الصحف حتى استقرت كتابتي حول الموسيقى لأنها الموضوع الاكثر تمرساً لدي. هل ترى الفنانة سحر ان الفن الاصيل اقصد المقامات والطرب مازال له مكانة لدى الجمهور وهل الاغنية الحالية لا تشكل خطرا على الارث الفني العربي الاصيل؟ لا اكذب ان قلت ان هويتنا برمتها تواجه خطر الزوال. لا الموسيقى والاغنية فحسب. وبكل تشاؤم اقول إن لم نتدارك الامر في مجتمعاتنا بدءاً بالمؤسسات الرسمية وصولاً الى المؤسسات الخاصة ونبدأ بوضع خطط تربوية واجتماعية ومناهج تعليمية تشمل تربية الاطفال منذ اول سنة دراسية الى الجامعات، هذه الخطط تركز على اهمية الهوية والقيم العربية واحترامها والتركيز على مسألة الحفاظ على هذه الهوية وحمايتها من طغيان العولمة والانفتاح الفضائي فإننا لا شك أمام هاوية سحيقة. لاحظنا ان الفنانة سحر طه فنانة تتعمد البساطة في الظهور الى ما يرجع ذلك؟ ربما اجبت عن هذا السؤال ضمن اجابة سابقة وقلت إنني احب الشعور بالراحة وانا على المسرح، فلا قناع الماكياج ولا سحر اللباس سيغير من قناعة الجمهور بي ان لم أكن مقنعة صوتاً وأداءاً. هذه قناعتي الشخصية ولك انسان قناعته. الفنانة سحر تجمع بين ثقافتين لبلدين شقيقين لبنان والعراق الى اي مدرسة تنتمين فنيا. المدرسة اللبنانية ام العراقية ؟ بالتأكيد المدرسة العراقية. فالانسان ابن بيئته في الدرجة الاولى مهما ابتعد عنها، وعاصر ثقافات اخرى او عاش في بيئات اخرى. خاصة ان البيئة الاولى في عمر اي انسان هي الركيزة والاساس التي تؤسس شخصيته فيما بعد. انا ولدت ونشأت ودرست في بغداد الى ان نلت الشهادة العليا في الجامعة وانتقلت فيما بعد الى لبنان. ورغم اني عشت في لبنان ثلاثين عاماً فما زالت احاسيسي ولهجتي وعاداتي وانتمائي عراقي. العراق متجذر فيّ ويسري في شراييني وكلما بعد بي الزمن تغلغل بي اكثر فأكثر. لبنان اشعر بالانتماء اليه بالتأكيد ليس بسبب الجنسية التي احملها، بل لأن له فضل علي في تأسيس اسمي كفنانة، والجمهور اللبناني اول من شجعني على غناء الاغنية العراقية بالذات، وللبنان فضل علي في اختمار شخصيتي المهنية في الصحافة منذ اكثر من 15 عاماً. وزوجي لبناني ايضا شجعني على الحفاظ على هويتي العراقية والتمسك بها، واولادي لبنانيون لكنهم يعتزون بهويتهم الثانية العراقية. ناهيك عن ان لبنان والعراق يعيشان منذ عقود طويلة ظروفاً متشابهة من حروب ومشاكل عشتهما معاً طوال هذه السنين، لذا فالقواسم المشتركة تجعل انتمائي للاثنين معاً رغم ميلي الى العراق اكثر. للفنانة سحر الى جانب التواجد الاعلامي الكبير رصيد من المؤلفات الخاصة بالموسيقى . الى ما تهدف الفنانة سحر من خلال اصدارها؟ لدي خمس اسطوانات حتى الان، وبالطبع هي في سياق الاغنية العراقية فيما عدا البوم "موشحات اندلسية" والبوم "جولة اليمن مع شعر الالماني غونترغراس". والبقية اهدف من خلالها الى تقديم الاغنية العراقية ذات الخصوصية المعروفة والمتميزة بين اغنيات الشرق العربي. اضافة الى بعض اغنيات من الحاني تأتي كلها للعراق ومن اجله. هل للفنانة سحر اطلاع على الموروث الفني الجزائري و هل من الممكن ان تؤدي بعض الأغاني من التراث الجزائري مثلما فعلت من قبل مع دول اخرى ؟ الفن الجزائري معروف ايضاً بجمالياته وخصوصياته واصالته الشهيرة وفيها الكثير من الانماط التقليدية والشعبية، اهم من فن "الراي" الذي يغزو العالم. صحيح قلما تصلنا في عالمنا العربي هذه الجماليات بسبب الاعلام الضعيف في هذا المجال، لكننا في العراق كنا دائماً نستمع الى اغنيات المطرب القدير رابح درياسة مثل اغنية "نجمة قطبية" وغيرها من اندلسيات، لكن نتمنى ان يسلط الضوء اكثر على الفن الجزائري الجميل برأيي، فأنا من عشاق سماع "القروابي" مثلاً وقبله عشقت أغنيات نعيمة وفله عبابسة، وفي حفلاتي كنت افاجئ الجمهور بأن اختتم الامسية بأغنية احببتها جداً لرابح درياسة هي "يحياو ولاد بلادي" فكان المسرح يغص بالتهاليل والزغاريد النسوية الجميلة. للفن رسالة مقدسة لا تظهر في اغاني اليوم ما هي رسالة الفنانة سحر طه ؟ أهم ما يؤرقني هو زوال هويتنا الموسيقية لان الاجيال الشابة بدأت تدخل انماطاً موسيقية غربية على موسيقانا، وبالتالي بدأت المعالم الاساسية لها تختفي. لذلك انا احرص على تقديم الاغنية كما هي بآلاتنا التقليدية من دون زيادة او نقصان او توزيع وما شاكله، لأني ارغب ان يسمع اولادي واحفادي اغنياتنا كما هي بعناصرها لا كما يتم التلاعب بها وتقديمها. لقد تعرف عليك الجمهور الجزائري واحتضن فنك بقوة ماذا تقولين لهذا الجمهور ؟ ربي يديم على الشعب الجزائري نعمة الاستقرار والامان والسلام وراحة البال. وان يمن عليه بالتطور والازدهار. وان يكتب الله لنا نعمة اللقاء مرات اخرى. الوطني قبل اسدال ستار هذا الحوار هل هناك سؤال تمنيت لو طرحته عليك و ما هي اجابته؟ على من تقع مسؤولية عدم تقديم الفن الغنائي الجزائري في العالم العربي؟ فأجيب المسؤولية تقع على الإعلام الجزائري اولاً، والفنان الجزائري ثانياً فهما المسؤولان معاً عن عدم انتشار فنكم الجميل. شكرا جزيلا لك على سعة صدرك وتفهمك والى لقاء قريب انشا الله تعالى الفنانة سحر شكرا جزيلاً لك ولكل الجمهور الحبيب في الجزائر والى لقاءات أخرى