دعا الشاعر ياسين أوعابد إلى ضرورة الحفاظ على التراث اللامادي الذي ورثه الشعب الجزائري عبر قرون عديدة والذي بدأ يشهد طريقه نحو الاندثار خاصة أن بعض دول الجوار، في إشارة منه الى المغرب، تنسب إليها العديد من التراث الجزائري. عن جديد أوعابد وعن الشروط الواجب توفرها في المبدع، وعلاقته بوزارة الثقافة، يحدثنا ياسين في هذا الحوار. هل ثمة جديد في مملكة ياسين اوعابد الشعرية ؟ ** انتهيت مؤخرا من تسجيل مجموعة من الأقراص المضغوطة، تحتوي على قراءات في الشعر الملحون المنظم من قبل قدامى الشعر الشعبي وعلى رأسهم سيدي لخضر بن خلوف، زروق دقفالي، محمد الباجي، العلوي، بن تريكي، بن مسايب وبن سهلة... الذين أثروا الساحة الأدبية في عهدهم، ويتراوح عدد القصائد بين 35 و40 قصيدة تراثية تخليدا لروحهم الطاهرة وعرفانا بمساهماتهم الأدبية في الجزائر. وهذا المشروع الأدبي الضخم كان بطلب من المركز الوطني في البحث ما قبل التاريخ والفن المعاصر وعلم التاريخ والإنسان. ونظرا لقوة صدق القصيدة صدقيني إن قلت لك إني شعرت وأنا ألقيها وكأنها نابعة من صميم كياني وكأني انا من نظمتها. توصلنا إلى جمع 200 قصيدة تراثية في مصنفات فنية، بالتنسيق مع أساتذة مختصين في التراث وتهدف هذه العملية إلى الحفاظ على التراث اللامادي من الضياع والاندثار مع تعاقب الزمن، وحتى نستذكر أمجاد الماضي ونتغنى بها عبر الأمم، خاصة أن العديد من البلدان المجاورة سبقتنا إلى هذه العملية، بل استحوذوا أيضا على تراثنا الجزائري غير المادي لأننا لم نقم بتسجيل القصائد الشعرية التي قيلت بألسن فطاحل شعراء الشعبي الجزائريين عبر العصور. ومن تقصد بدول الجوار؟ ** المغرب الشقيق الذي استولى على العديد من النظم الشعرية الشعبية التي نسبها إلى تراثه. العديد من الفنانين المغاربة للأسف حين يغنون قصيدة شعرية لشاعر جزائري قديم يتعمدون عدم ذكر اسم مؤلفها وهو ما يوحي للمتلقي أنها مغربية في الاصل رغم ان القصيدة جزائرية مائة بالمائة، فموروثنا الثقافي في خطر يجب التنويه به، وآلة السطو المغربية طالت حتى الشعراء والمغنين في وقتنا الراهن، فمثلا أغنية ''جات جات لعندي'' لصاحبها المطرب حسين لصنامي اعتبروها من إنتاجهم المغربي، ضف إلى ذلك أغنية للمطرب حميدو اتلي غناها في المغرب وهو على الخشبة يسمع من أحدهم يقول إن الأغنية التي يؤديها هي مغربية، وأعتقد ان السبب الرئيسي في هذا المشكل هي الشركة الفرنسية ''أصاصام'' التي لها يد مع المغاربة ، حيث تنسب الاغنية الجزائرية الاصل إلى فنان مغربي وذلك بعد دفع أموال طائلة مقابل ذلك، فالعملية أرقام وحسابات. ياسين من الشعراء الذين كان لهم الحظ في المشاركة في عديد المناسبات الرسمية لكن ابتعدت في الآونة الأخيرة عن الأضواء إلى ما يرجع ذلك؟ ** فعلا فقد شاركت في الافتتاح الرسمي لتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية بالمركب الأولمبي محمد بوضياف، وكذا في حفل اختتام ذات التظاهرة بالمسرح الوطني محيي الدين بشطارزي، إضافة إلى مناسبات أخرى. أما ابتعادي عن الساحة يفسره شيء واحد وهو راجع إلى ظروف صحية ليس إلا، لكن دعيني أصحح بعض المفاهيم المغلوطة، الكثير يعتبر أنني على علاقة وطيدة مع الجهات المنظمة وبناء على هذه العلاقة حظيت بتأشيرة الدخول إلى عالم الإعلام الجزائري من بابه الواسع. وأشير هنا إلى وزارة الثقافة، يا سادة أنا لا أنكر موقف السيدة الوزيرة تجاهي وتجاه كل الفنانين الأخرين والتي فتحت لنا أبواب الإذاعة والتلفزيون، قالوا إن ياسين أوعابد محظوظ من طرف الهيئات العليا هذا صحيح وأحمد الله على ذلك، لكن عملي هو الذي فرضني على الساحة وميزني وليس شيئا آخر. قلت في أحد تصريحاتك إن الأغنية الجزائرية الحالية غلب عليها الطابع الموسيقي، ماذا تقصد بذلك؟ ** بلد مثل الجزائر بحكم رقعتها الجغرافية الواسعة أهلها لأن تحوي في رحمها ثراء ثقافيا متنوعا وطبوعا غنائية عديدة، منها الشاوي، العاصمي، القبائلي، التلمساني، الأندلسي، التندي، أمزاد، أهليل، المالوف... كل هذا التنوع خسارة أن نحصره في طابع واحد وهو الراي، لا أحد منا ينكر ما حققه هذا الأخير من شهرة بفضل أعمدته التي أوصلته إلى مصاف الفن العالمي وأصبح يتغنى به في أرجاء المعمورة واصبح سفير الأغنية الجزائرية في العالم أجمع، لكن أن يغني مثلا فنان ما أغنية قبائلية او عاصمية برتم طابع الراي فهذا الذي لا نقبله، أو كأن نعتمد آلة دخيلة على طابع التندي، أو نصب كل الطبوع في خانة طابع الراي باسم الشهرة أو الوصول إلى قمة المجد العالمي فهذا جريمة في حق الفن الجزائري. أصبح النيو شعبي او الشعبي الجديد يعبأ ويحشى بكلمات والحان غريبة بعيدة كل البعد عن الطابع التقليدي بحجة التجديد ماتعليقك؟ ** القصيدة كما اشرت سلفا لها روح وجوهر يجب الحفاظ عليهما، وان كتابة قصيدة شعبية لا يستدعي ان يكون صاحبها خريج جامعات ومعاهد التكوين البيداغوجي أو يكون ملما بالبحور الشعرية المعروفة، لكن يكفي أن تكون الذات المبدعة موهوبة لها القدرة على احتواء واقعها ونفسها وكل ما يحيط بها حتى تنظم قصيدا مميزا يؤدي معنى معينا. ففن الشعبي له مميزاته وخصوصياته يفهمها عشاقه الذين يتذوقونه بشكل جميل، فالشعبي هو شعبي مهما قيل ويقال عنه، كما ان عملي في الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة علمني أن لا أنتقد أحدا بل علي فقط أن أحصي أسماء المبدعين والمادة التي أنتجوها حتى يأخذ كل ذي حق حقه. في أي محطة تصنف الأغنية الجزائرية الملتزمة اليوم؟ ** كل شيء خاضع لحتمية الواقع المعيش الذي يتأثر بالتطورات الحاصلة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. أصبح الفنان اليوم ينتج حسب الطلب، فالأغنية الراهنة ليس في الجزائر فقط إنما في العالم كله لازمة لقواعد السوق الفني وما يريده المتلقي، كل هذه الظروف جعلت الفنان يلبي ذوق المستمع حتى يضمن نصيبه في حجم المبيعات ويتبوأ مكانا له في عالم الفن وأن يكون له جمهوره الذي يتنفس من خلاله، وعليه فالأغنية الملتزمة ركنت في زاوية وقليلا ما ينظر إليها ويتذكرها المجتمع إلا في مناسبات معينة تعد على الأصابع، كل أغاني اليوم أصبحت تعتمد على هز الأكتاف، فالأغنية تنقسم إلى قسمين ذاكرة بمعنى تخلد أشياء تحفظها الذاكرة وأخرى لكسب المال ، وعلى الفنان أن يقول إن لطبوغرافيا المكان دورا في صقل موهبة المبدع. فهل أثرت القصبة في صقل موهبة ياسين؟ ** أنا ابن أكبر حي شعبي في العاصمة وتشبعت من عادات وتقاليد القصبة، فالشاعر وكل مبدع ابن بيئته، القصبة تمثل لي مسرحا تفاعلت فيه كل أنواع السلوك، القصبة شرعت بطبيعتها قواعد صارمة وألزمتنا باتباعها والتقيد بها، من حب الجار و التعاطف معه كما أوصى بذلك الإسلام وحب التضامن... سوسطارة حي كل ركن فيه يروي لي قصة هي جزء في تكويني الشخصي والفكري. ما الشيء الذي قدمه الشعر لياسين؟ ** اكسبني حب الناس، اكتشفت من خلاله عالما مفعما بالجمال، لكنه اقتطع مني ضريبة باهظة الثمن، حيث أضحى كل شيء هاجسي ولا أحس بالراحة أبدا. ياسين يؤكد: المرحوم كمال مسعودي فنان فريد من نوعه تعاملي مع كمال كان من نوع آخر وبطريقة لم أجده عند غيره أكد الشاعر الشعبي ياسين أوعابد في تصريحه للحوار أن العثور على شخصية مثل المرحوم كمال مسعودي ضرب من الجنون ، واصفا إياه بالشخصية المتفردة بميزتها الخاصة ،شخصية تحدت كل الصعاب حيث استطاع أن يقهر الزمن ، كيف لا يقول ياسين فهو الذي استطاع و في ظرف 8 سنوات أن ينتج ما يربو عن 16 شريطا، تعاملي معه يضيف ذات المتحدث كان من نوع آخر و بطريقة لم اجده عند غيره، صراحة يقول محدثنا من الصعب أن نجد شخص بنفس المواصفات الشخصية التي افتقدناها أبدا لن يحدث هذا مهما حصل ، ويرى ياسين أن كل الذين تعامل معهم في وقتنا الحاضر من فناني الشعبي كل واحد منهم يختلف عن غيره و هي سنة الله في خلقه و هو أمر خارج عن الإرادة البشرية. كل حرف وكلمة وجملة تتشكل منها قصائدي ساكنة في وجداني هناك من وصف أشعاري بأشعار الشارع يرى يا سين أوعابد أن أجمل ما في القصيدة أن تلقيها بعفوية دون تدوينها في ورقة، وأن ينظر إليها الشاعر كلما استدعى الأمر لذلك، مضيفا أن عملية القراءة التي يعتمدها أغلب الشعراء وهم على منصة العرض هي عملية تخرج القصيدة من إطارها وتجردها من زيها المستترة فيه، ويتحول الإلقاء إلى قراءة جافة خالية من أي معنى لا تؤثر في سامعها. صراحة، يضيف ذات المتحدث، لا أحفظ أشعاري عمدا إنما كل حرف وكل كلمة وكل جملة تتشكل منها قصائدي هي موجودة بداخلي ساكنة في وجداني تنساب مني انسيابا أثناء عملية الإلقاء، لذا أفضل عدم استعمال أي جسم مادي لأعتمد عليه خلال عملية الإلقاء. إن القصيدة، حسبه، لها روح و معنى و جوهر فهي تحس بصاحبها وعليه أن يبادلها نفس الشعور. ولم يخف صاحب كلمات ''يا حسرا عليك يا الدنيا'' التي أداها المرحوم كمال مسعودي استياءه من تصريح البعض والذي وصف أشعاره مؤخرا بأشعار الشارع. يحب.. أحب وطني الذي لا وطن لي بعده أحب الأطفال لأنهم زهور وزينة الحياة، أحب الكلمة الحلوة أحب العيش في كنف الهناء، أحب أن أعيش في عالم و في نقطة بعيدة عن كل المؤثرات التي تتعب قلبي. أحب أن أجد الحافلة وانا انتظرها في المحطة فارغة لا تعج بالمسافرين و اجلس على المقعد راحة دون أن تقف أمامي امرأة أو عجوز أو شيخ مسن لأترك لهم مقعدي، أحب أن تستكمل كل المنشآت العمرانية العمومية التي هي قيد الإنجاز مثل الجسور و الطرقات خاصة التي تأخر أجال انجازها، أحب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أعاد السلم و الوئام للجزائر وأخرجها من عمق أزمتها، أحب إسعاد المحتاجين والفقراء و ذوي الحاجة، أحب أن يجد الشباب البطال عملا يساعدهم على العيش والزواج، أحب الكسكسي بالقرنينة، والمسفوف، وطيق الدوارة بالبصل والطماطم، وطجين بطاطا فليو التي كانت تحضرها لي المرحومة أمي، وخبز مقلي بالحليب أحب نصر الدين قاليز، خالد سفيان، ديدين كارون واخرين أعشق المطالعة، ومن أهم الكتب التي قرأتها سمرقند، أسد إفريقيا، حضر موت، و قرأت أيضا لكتاب جزائريين وعلى رأسهم مولود فرعون، بوجددرة، الهادي فليسي.. أحب كلمة الحمد لله على كل حال وادعو الله أن يشفى جميع مرضانا في المستشفيات. يكره.. أكره البغضاء والحسد ووسوسة الشيطان، اكره النفاق والجهل وأمقت النميمة، أكره الباطل، الحقرة، الحروب و الدماء، أكره المصريين وأخص بالذكر هؤلاء الذين أساءوا إلى الجزائر تاريخا وشعبا وحكومة، أكره كل ما يسبب الإساءة والمعاناة للإنسان.