الشعر في مولده الأول بدأ على وقع خفاف الجمال يلتقط من رتابتها موسيقاه فيحدو الحادي للعيس، والتراث العربي حافل بالشعر الغنائي، وقد ألف أبو فرج الأصفهاني موسوعته المسماة ب الأغاني ومن الجميل جدا أن يلتفت المجلس الأعلى للغة العربية للشعر الغنائي ويبحث في علاقة هذا الفن بنشر الكلمة الجميلة والهادفة والرقي باللغة إلى الجمال وسهولة الاستعمال، ولهذا الغرض استضاف مساء أول أمس كوكبة من شعراء القصيدة النغمية، يتصدرهم الحاج سليمان جوادي والشاعر الموسيقي فؤاد ومان وناصر باكرية ورشيدة خوازم والشاعر حسين عبروس بثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة، بحضور فئة من المثقفين والأساتذة وطالبات الثانوية· الكلام عن الشعر الغنائي أثقل من أن تتحمل وزره ندوة وبعض من الشعراء، فهو يتطلب أكثر من ندوة، وعلى الأصح يتطلب ملتقى خاصا به ينظر إلى هذا الشعر بعين فاحصة وأذن سماعة وفكر ناقد، حتى تشكلّ له صورة كاملة تظهر محاسنه وعيوبه، وتبحث له عن الوصفة التي يسترد معها عافيته· كوكبة من الشعراء جمعتهم الكلمة الجميلة والثانوية المتأنقة على رأس قمة خضراء، المكان شاعري والاستهلال كان للشاعر سليمان جوادي الذي فضلّ في البداية أن يكون واعظ حب موظفا تجاربه التي عرفها في هذا المارد المتقلب وفي هذا الطفل المتعملق، ناظرا بعين شغوفة ورحيمة للطالبات، وأراد أن يقول لهن إياكن واللعب بالجمر المغلف بمساحيق الحنان لأن برده أحرق من ناره، هذه الكلمات التي ألقاها سليمان جوادي إياك يا صغيرتي أن تلعبي بالجمر·· أن تخدعي بكلمة ممزوجة بالمكر، لحنها الموسيقار القدير نوبلي فاضل، وأدتها صاحبة الصوت الحوزي المتميز سلوى، ومن سلوى إلى محمد بوليفة وعاد القطار ويا أجمل العيون في مدينتي يا ألطف الأسماء وموعد اللقاء وقيمة الدنيا ومقدارها ولو أنصفوني· أما الشاعر ناصر بابكريه، فقد قرأ رسالة أمي ورسالة طفل و رسالة الحراق ورسالة صحفي· أما المطرب فؤاد ومان فقد قرأ رائحة النهاوند، اعتراف· وقرأ الشاعر حسين عبروس وطني مربع جميل والشاعرة رشيد خوازم فضلت الموشحات وقرأت قد غادر البلد·· ظبي لنا نزق·· لا درع يحرسه·· لا سيف يمتشق··· بهذه القراءات التي تداول عليها الشعراء قدمت الكلمات دون أن يتم تفصيصها ولا الخوض في تاريخها، خصوصا ونحن في زمن الرداءة واستيراد الكلمات البذيئة بدرجة وقاحة، والتي يتم إشعال فتيلها في الضفة الأخرى لتنفجر وتلحق الدمار هنا في مجتمعنا، والوحيد الذي لامس المغزى من هذه الندوة وجس النبض هو رئيس المجلس الأعلى للغة العربية الدكتور العربي ولد خليفة في كلمته الافتتاحية الاختتامية، عندما استعرض عدة لوحات تاريخية للشعر الغنائي والدور الإيجابي الي كان يقوم به ويحدثه في المجتمع والدوي الذي يتركه صداه، لأنه كان المعبر بصدق عن المجتمع، خصوصا إبان المقاومة والثورة التحريرية، وضرب مثلا بنشيد حزب الثوار للشاعر المطرب والفنان رابح درياسة، يقول الدكتور العربي ولد خليفة الشعر كان له دور إبان الثورة، أما فيما يخص تحديث اللغة، فيراها رئيس المجلس هو التخلص من بعض العقد واستعمال جماليات تتمثل في الشعر الغنائي الذي هو أرقى في أسلوبه من الشعر البسيط، وهو أقل من الفصحة المعقدة·· ولنشر لغة سليمة وجميلة طيعة غير عصية، خصوصا على الأطفال، وهذه اللغة التي لا يمكن أن تعبر لهذه الشريحة إلا من خلال القصص والأنشودة أو الشعر الغنائي، فيرى الدكتور العربي ولد خليفة في هذا الخصوص الأغنية يمكنها أن تؤدي رسالة إن كانت مضامينها في مستوى رفيع· وعن واقع الأغنية الراهنة والسقوط الحر الذي أوقعها في حفر سحيقة أشبه بأصوات الكوابس وأفواه الغيلان، وهي أغان مخيفة مرعبة ولا تعبّر إلا عن الدمار والخراب في الأجسام والعقول والقلوب، يقول العربي ولد خليفة: أما ما نلاحظه الآن حول هذه الأغاني فهي سوق بدل أن ترفع الذوق، تنزل بنا نحو الأسفل، ومعظم هذه الأغاني مصنعة خارج الجزائر من أجل تخريب الذوق، ولست أدري أهناك رقابة؟ وكذلك الأمر بالنسبة للحن وللشعر، والعيب ليس في الجمهور وإنما فيما يسوق من هذه الكلمات الرديئة، ولهذا أقول أن الشعر الغنائي له دور هام في إيقاظ الحسّ الوطني·· وهدفنا أن نرتقي بالعامية إلى مستوى الفصحى لإحداث لغة وسطى· هي ذي الأغنية تبحث عن وجه جميل، لا ينعكس إلا على صفحة مرآة مصقولة فتعكس هذا الجمال وتزيده تألقا وإشراقا، وهذا ممكن إذا كان الشاعر والمؤدي والموسيقي، يشعر بثقل المسؤولية وبقدسية الرسالة، لأنه يحتوي المجتمع كله في كلماته وألحانه وأدائه، وهذا ما بدأ يظهر على الساحة الغنائية في الأنشودة المديحية التي بدأت تصب في قالب عصري ولكن لها مضامينها وأهدافها، فهي رسالة جميلة تقرأها الأذن والعين أيضا صارت تشارك في قراءة الأغاني من خلال الصورة والحركة، فهل تبدأ الحكاية من هنا؟