شهد ميدان التحرير يوم أمس، أروع مظاهر الإلتحام بين المسلمين والمسيحيين، في صلاة مشتركة أبهرت العالم، وأكدت مشروعية مطالب الملايين من المصريين بضرورة رحيل النظام المصري بقيادة حسني مبارك، الذي شاخ بمصر وحولها إلى بلد خارج دائرة المصالح العربية، ومنها القضية الفلسطينية. وجاءت جمعة الرحيل التي شارك فيها ملايين الغاضبين من بقاء مبارك في السلطة، عقب واقعة يوم الأربعاء التي وصفها البعض بالغزوات الكبرى، حيث اقتحم أنصار وأعوان وبلطجية الحزب الوطني الحاكم ميدان التحرير، حيث كشفت تلك الإعتداءات حقيقة نظام حسني مبارك القائم على ترهيب الخصوم وترويع الآمنين. خروج الملايين من المصريين يوم أمس في هدوء وتوافق بين المسلمين والمسيحيين، برغم ما كان يثيره النظام المصري من عداوات بين الطرفين، كشف عن كذبة الفزاعة الأمنية، التي ظل مبارك يخيف بها الغرب، تماما كما فعلها زين العابدين بن علي قبله مع الدول الغربية، حين كان يهددهم بالقاعدة، وبحكم الإخوان إن هو تنحى عن الحكم. وقد بدا التعايش يوم أمس واضحا بين مسيحي ومسلمي مصر، وطويت الفتنة التي قالت بعض المصادر الإعلامية إن المخابرات البريطانية كشفت عن تورط جهاز أمن مصري في عملية تفجير كنيسة القديسيين بالإسكندرية ليلة رأس السنة، حيث ترى أوساط غربية أن نظام مبارك إعتمد في حكمه على الفوضى، التي يسيرها ويتحكم في مسارها، لكنه يتهم خصومه بها، خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين. وقد أدى النجاح الباهر لتجمع الملايين من المصريين في شتى أنحاء الجمهورية المصرية طيلة يوم أمس، وإحباط محاولات الإختراق والتآمر وإثارة الفتن، بعدما توحدت مطالب المصريين وأجمعت على المناداة برحيل مبارك ومحاكمته، ومن القاهرة إلى الإسكندرية إلى السويس، تعالت الأصوات منددة ببقاء مبارك، كما نددت جل المواقف الصادرة أمس، بالتصريحات المثيرة التي أطلقها نائب الرئيس المصري عمر سليمان بحق المتظاهرين، حين خانته الديبلوماسية، وقال إن المتظاهرين يعملون لأجندات أجنبية، وهذا ما دفع إلى إبراز المزيد من مظاهر الوطنية، عندما رددت مئات الآلاف من الحناجر النشيد الوطني المصري بميدان التحرير، أعقبته شعارات تهتف بحياة الوطن.ووسط تسارع حاد في وتيرة الأحداث، هددت شخصيات أمريكية بقطع المساعدات العسكرية التي توجهها الولاياتالمتحدةالأمريكية لمصر، في حالة إصرار مبارك على البقاء، وهي رسالة أمريكية للجيش المصري لحسم الأمر اليوم قبل الغد، وإجبار الرئيس حسني مبارك على التنحي. كما طالب قادة معظم الدول الغربية بتنحي مبارك، ولم تعد فزاعة الأخوان تثير الغرب على ما يبدو، بعدما تأكدت تلك الدول، أن هذا التيار لن يغامر بتولي السلطة في ظرف محلي وإقليمي مشحون، يقضي على وجوده في المدى القريب. وإذا كانت الجماهير قضت على سيناريو الفوضى الذي حاول مبارك تكريسه منذ نهاية المسيرات المليونية الثلاثاء الماضي، فإن أمامها اليوم رهان الصمود لهذه الغطرسة المقيتة، التي نبتت في جسد النظام المصري.