فصلت الغالبية الساحقة من الجزائريين في خيار ركوب موجة العواصف التي تضرب العالم العربي، عندما توحدت الرؤية دون وصاية ولا توجهات سياسية أو حزبية بل كانت أشبه بالقناعة الوطنية التي تتشكل لدى غالبية الجزائريين، من أن هذه الموجة تخص بيئة عربية ظلت منذ النصف الأول من القرن الماضي تحت حكم أنظمة شمولية، رفضت كل أشكال دمقرطة الحياة السياسية، وبعكس ذلك، فإن أحداث الخامس أكتوبر 88 وما تلاها من أزمة عصفت بكافة مجالات الحياة في الجزائر، أدت إلى وقوف المواطنين في وجه كافة محاولات الاستدراج التي تقودها بعض الأطراف السياسية التي تفتقد لقاعدة شعبية وطنية . أجمعت آراء شريحة واسعة من الرأي العام في بلادنا أن قرار رفع حالة الطوارئ قطعت الطريق على الأرسيدي بقيادة سعيد سعدي، وبات مؤكدا، أن كافة المحاولات التي قام بها زعيم هذا الحزب، كانت حرثا في الماء، فقد عرفت المسيرات غير المرخص لها، التي حاول قيادتها تحت مظلة ما سمى بحركة التغيير، هذه المسيرات عرفت انتكاسة شعبية على الرغم من الأرمادة الإعلامية الفرنسية التي رافقته في حله وترحاله، وقد تفطنت الجهات المعنية إلى محالة الأرسيدي استدراج وسائل الإعلام الفرنسية تحديدا، والغربية عموما، إلى فخ السجال السياسي والإعلامي مع الحكومة، عندما قام بحملة علاقات عامة واسعة، تولتها بعض الجهات الفرنسية، لدعوة التلفزيونات و الصحف الغربية لتغطية المسيرتين الماضيتين غير المرخص لهما. لكن الجهات المعنية تفطنت قبل الأوان لهذا الاستدراج، فعمدت إلى منح تراخيص العمل لهذه المؤسسات التي صُدمت لسرعة تجاوب السلطات الجزائرية مع طلباتها، في حين كان الاعتقاد سائدا لديها، بأن العملية ستتطلب الكثير من الوقت والعراقيل. برنامج الدكتور سعيد سعدي المختص في قراءة نفسية الشعوب، فشل في التعاطي مع نفسية الشعب الجزائري، بعدما قاطعته الأغلبية الساحقة بفارق كبير جدا هو وتياره السياسي، الذي ظل وعلى مدار سنوات الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، حينما راح الأرسيدي يشكك في كافة مسارات التسوية السلمية للأزمة الجزائرية. تسوية بدا فيها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية خارج دائرة الحسابات الشعبية لخصوصياته و إيديولوجيته ، التي تقاطع كافة القيم الوطنية التي تشكل واحدة من ارتكازات الأمة منذ القرون الأولى لبداية تشكل الشخصية الجزائرية بأبعادها الأمازيغية العربية المسلمة. هذا التزاوج الثلاثي في الشخصية الجزائرية، يرفضه الأرسيدي جملة وتفصيلا، لذلك ظل بعيدا بل وفشل في فهم طبيعة الشعب الجزائرية والشخصية الجزائرية التي تثور من أجل القيم الوطنية والدينية وليس من أجل الحسابات الشخصية و التموقع السياسي الضيق على حساب المصلحة العليا للأمة. لقد بدأ اليوم قطار القرارات السياسية بعد رفع حالة الطوارئ يتجه نحو محطة الآمان التي تفتح باب تجنب كافة المنعرجات السياسية التي من شأنها أن تمنح مجالات للتدخل الخارجي و الإستعمال السياسوي من الداخل.