اهتزّ أمس مجلس قضاء وهران على وقع حادثة أليمة، جسّد بطولتها شاب ينحدر من وهران، يدعى "بوحفص الهواري" من مواليد 18 سبتمبر 1979، حاول الانتحار حرقا بسكب البنزين على جسمه العاري، وحمل ولاّعة بيده اليمنى لإضرام النّار بجسده، أمام المدخل الرّئيسي لمجلس قضاء وهران، بسبب قرار الطّرد من مسكنه الفوضوي الكائن بحي بوعمامة "الروشي"، الذي انتقل لتنفيذه عناصر من الفرقة الإقليميّة للدّرك الوطني بحي الرّوشي بناء على أمر المحكمة. انفلتت الأوضاع أمس من أيدي المكلّفين بالأمن والحراسة بمجلس قضاء وهران، بعد الحدث الذي صنعه الشاب "الهواري" الذي تدخّل شقيقه "أحمد" لإنقاذه من الموت المحقّق، بعدما أغلق الباب الرئيسي لمجلس قضاء وهران بوجههما، تخوّفا من حلول كارثة بقلب المجلس، وتكرار سيناريو الشّرطي المتوفّى "بلحاج جلّول" الذي توفيّ حرقا وهو بصدد تنفيذ قرار بالطّرد رفقة المحضر القضائي ضدّ المرحومة "قاسمي ماما" من مسكنها، والتي لحق بها ابنها "أمين" أمس الأوّل. كانت عقارب السّاعة تشير إلى الحادية عشرة والربع صباحا، أين اقترب المدعو "الهواري" من المدخل الرّئيسي لمجلس قضاء وهران رفقة شقيقه المدعو "أحمد"، وبيده مجموعة من الوثائق تثبت مدّة إقامته طيلة 10 سنوات بالمسكن الفوضوي الذي شيّده رفقة أخيه بمنطقة "الرّوشي"، ويقطن فيه طيلة هذه المدّة رفقة زوجته وولديه، أين يقاسمه المسكن شقيقه "أحمد" أب لطفلين. ففي بادئ الأمر راح "الهواري" يصرخ بشدّة ويتساءل عن أصله إن كان جزائريّا أم لا، ومن ثمّة راح يبكي بشدّة، دون توجيه اهانات أو عبارات نابية لأجهزة الدّولة، مطالبا بالرّحمة والرّأفة بحاله ومصير عائلته وعائلة أخيه، وبتدخّل رجال الإعلام والصحافة، في الوقت الذي تجمّع فيه المارّة وبقوا متفرّجين والجهات المسؤولة لم تحرّك ساكنا، راح "الهواري" يعلن جهرا بأنّه سينتحر حرقا، ما دام قرار الطّرد بدء بتنفيذه رجال الدّرك باعتبارهم القوّة العموميّة، ولم يجد سبيلا لمنعهم عن تنفيذ القرار، كون عائلته وعائلة أخيه أصبحتا عرضة للتشرد والمبيت في العراء، فقد تركهما تجمعان أغراضهما لمواجهة مصير مجهول، لذا أقدم على خلع ملابسه باستثناء لباسه الدّاخلي وأضرم النّار بسرواله الأزرق من نوع جينز، ومن ثمّة راح يحمل قارورة لماء معدني سعة 25 سنتيلترا مملوءة بالبنزين السائل السريع الالتهاب، متريّثا لبرهة، في انتظار أن تمنعه الجهات الوصيّة من تنفيذ عمليّة الانتحار، وأمام تجاهلها له وخشيتها من تكرار السيناريو المشار إليه سابقا، تصاعدت هتافات وصراخ المواطنين الذين راحوا ينصحونه بالعدول عن وضع حدّ لحياته، أين وعدوه بمساعدته رغم عدم معرفتهم به، فراح يبكي ويتساءل عن مصير ولديه اللذين لم يعد لهما مأوى سوى وضعهما وسط حديقة. ثمّ قام بسكب قارورة البنزين على كامل جسده ابتداء من رأسه نحو أسفله، ثمّ راح يتوجّه نحو النار المشتعلة بسرواله والتي كانت تبعد عنه بحوالي مترا، الأمر الذي دفع بأخيه "أحمد" إلى نسج حيلة ينقذ بها أخاه، إذ توجّه نحوه مسرعا موهما إياه بأنّه سينتحر معه، وما إن راوح مكانه، حتّى اتّجه مباشرة نحو سرواله المشتعل بالنار، وقام بإبعاده ورميه برجليه نحو المواطنين الذين تولّوا إطفاء النّار، في حين قام بضمّ أخيه ليفتح فيما بعد أعوان الأمن ورجال الشرطة الباب الرّئيسي لمجلس قضاء وهران، أين أوقفوا "الهواري" وحوّلوه نحو قاعة الحجز، إلى أن وصل أعوان الحماية المدنيّة لمعاينته، إلاّ أنه لم يتعرّض لحروق، كون شقيقه تدخّل في الوقت المناسب وأنقذه من الموت المحقّق، فيما تولّت طبيبة المجلس فحص إحدى المحاميّات التي أغمي عليها، لتأتي فيما بعد مصالح الأمن الحضري الثاني، التي قامت بتحويل "الهواري" نحو مقرّها بحي بلاطو، وفتحت تحقيقا حول الحادثة التي هزّت مجلس قضاء وهران.