من المحتمل ان يكون ساحر بروح دعابة سوداء بصورة استثنائية قد القى باللعنة على كل رؤساء وزراء اسرائيل منذ ديفيد بن غوريون: حكم عليهم بأن يتصادموا وجها لوجه ان عاجلا او آجلا، بالتحديد مع كوابيسهم الاكثر اثارة للفزع. وأن يواجهوا في فترة حكمهم كل ما رغبوا بكبته وابعاده ونسيانه كنوع من اختبار النار الذي يحسم مصيرهم السياسي للحياة او الموت. هكذا ألقيت حرب يوم الغفران في وجه غولدا مئير بينما كانت تستحم في حمامها المريح، وهكذا سحب اسحاق شامير من الحمام نفسه الى مؤتمر سلام دولي، وهكذا نزلت العمليات الارهابية على رأس قادة اوسلو ودفعت الضرورات الدولية قادة الليكود تحديدا وانبياء الاستيطان الى القيام بالانسحابات الحقيقية. فما الذي يخبئه القدر اذا لبنيامين نتنياهو في ولايته الثانية هذه؟ من الافضل ان لا يطرح السؤال ان كان يريد ان ينام في الليل. ولكن في هذا الاسبوع بعد لقاء نتنياهو مع الرئيس الاميركي حصلنا رغم ذلك على بعض التلميحات بشأن الاتجاه الذي ستسير عليه المهزلة التاريخية مع ابن المؤرخ بنيامين نتنياهو: كل ما خاف منه تحديدا – اقامة الدولة الفلسطينية وقضية المستوطنات – يوضع الان على الطاولة. وهذا يحدث بسببه هو ايضا بدرجة كبيرة، فكل ما كان ضريبة كلامية او وعدا غامضا من قبل رؤساء الوزراء السابقين تحول بصورة مأساوية الى اختبار النار لبنيامين نتنياهو. وكل هذا من قبل ان يمر حتى نصف المائة يوم على حكمه. فجأة نسيت حقيقة انه طوال سنوات كثيرة واغلبيتها في عهد حزب العمل كانت "الدولة الفلسطينية" نوعا من التابو المحرم المطلق. كما تم تناسي حقيقة انه في سنوات نشوة التنازلات لدى اولمرت وكاديما وتسيبي ليفني وحايم رامون وشركائه تواصلت المستوطنات ولم يتم دفع قضية الدولة الفلسطينية للامام ولو ملمترا واحدا. وتم نسيان تفاخر ايهود باراك ان اية مستوطنة لم تزل في عهده. وكذلك تم نسيان ان فك الارتباط الذي قام به اريل شارون ايضا لم يرتبط بأي شيء مع اقامة الدولة الفلسطينية. اضف الى ذلك ان الجدل حتى حول نضج الفلسطينيين عموما لاقامة دولة حقيقية – القضية التي اصبحت قضية حرجة اكثر فاكثر بعد سيطرة حماس على قطاع غزة – قد تبددت هي الاخرى. فجأة وبالتحديد بسبب معارضة نتنياهو المعلنة تحولت "اقامة الدولة الفلسطينية" الى مطرقة سياسية وامرا بديهيا وحقيقة شبه راسخة. من المحتمل ان هذا الامر لم يكن ليحدث بمثل هذه الكثافة والسرعة، لو ان نتنياهو اقترح تصورا ايجابيا ما بدلا من التركيز حسب طريقته على بث المخاوف واشعال نار الفزع. ولكن تركيزه الاستحواذي على صد الامر الذي يخشى منه اكثر من اي شيء اخر – هو الذي رد هذا الشيء اليه بصورة ارتجاعية. المسألة الأخرى المثيرة للسخرية هي ان كل ما تم الحديث عنه كان مجرد خدعة دعاوية ضمن العلاقات العامة، وهذا هو المجال الذي يعكف عليه نتنياهو وفشل فيه مرة تلو الاخرى، وقد كانت رئيسة كاديما تسيبي ليفني هي التي طرحت قضية الدولة الفلسطينية في مفاوضاتها الائتلافية مع نتنياهو كنوع من ورقة الحبر السري. وخرج من هذه التجربة نتنياهو متجهما. وركز الجهاز السياسي ووسائل الإعلام في البلاد والبيت الابيض العالم العربي والعالم كله على هذه القضية. وما حدث في هذا الاسبوع ليس الا مقدمة لما سيأتي طوال كل فترة حكم نتنياهو مهما استطالت. لولا ان نتنياهو اراد كثيرا ان يصبح رئيسا للوزراء ، لما سعى الى هذا الحد لاحاطة نفسه بضرورات ايديولوجية بعد الانتخابات تحديدا وارضاء شركائه الائتلافيين باطلاق احاديث رهيبة حول المستوطنات. وكذلك طرح معارضته للدولة الفلسطينية ودفع العالم كله للتركيز على ذلك من اجلهم. ولكن نتنياهو يشبه ذلك الشخص الذي يركب دراجة هوائية ويخشى كثيرا من العامود الوجود فوق الرصيف لدرجة اصطدامه به. وسأخاطر بالتنبؤ: في آخر المطاف سيكون نتنياهو تحديدا رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول الذي سيقيم الدولة الفلسطينية قولا وفعلا – او سيسقط بسبب عدم إقامتها، ولم يعد بمقدوره الآن ان يفصل مصيره عن مصيرها. قال القدماء ان "آلة الحظ تحب الجريئين" ويبدو أن هذه الآلة لا تحب رؤساء وزرائنا ولا تطيقهم. اسرائيل اليوم