الأرقام تؤكد العكس بعدما عاد المنتخب الوطني لكرة القدم إلى الجزائر وبعد الاستقبال الشعبي والرسمي الحافل الذي حظي به المدرب سعدان وكتيبته، حان الوقت لتحليل مشاركة "الخضر" في دورة أنغولا بعيدا عن العاطفة ودون المساس بالمصلحة الوطنية... ولا يوجد في التحليل الرياضي أفضل من لغة الأرقام، فحقيقة أن الجزائر قد احتلت المرتبة الرابعة في النسخة ال27 من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بأنغولا، وهو إنجاز لم يسبق للخضر تحقيقه منذ دورة 1990، ولكن ماهي النتائج الفنية التي سجلتها التشكيلة الجزائرية في دورة 2010؟ ، طبعا هي فوزان أمام مالي (1-0) وكوت ديفوار( 3-2 بعد الوقت الإضافي) وتعادل واحد مع أنغولا وثلاث هزائم أمام كل من مالاوي (0-3) ومصر (0-4) ونيجيريا (0-1)، وهي نتائج متوسطة حتى لا نقول متواضعة، وستؤثر حتما على ترتيب الجزائر في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي سيصدر غدا الأحد، بعدما كان المنتخب الوطني يحتل المرتبة ال26 برصيد 823 نقطة في آخر ترتيب ل"الفيفا" الصادر في شهر ديسمبر الماضي قبل انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا، التي اختتمت أول أمس الأحد بتتويج المنتخب المصري الذي سيحسن ترتيبه أكثر في تصنيف "الفيفا" بعدما كان في المركز ال 24 ب 832 نقطة. غزال كان بحاجة إلى مساندة جبور ومن جهة أخرى، لم يتمكن المنتخب الوطني من تسجيل طيلة ست مباريات سوى أربعة أهداف، وهي حصيلة جد ضعيفة لمنتخب يتأهب للمشاركة في نهائيات كأس العالم بعد خمسة أشهر فقط. وهنا نقف لانتقاد الناخب الوطني رابح سعدان على بعض اختياراته التكتيكية الذي اعتمد في المباراة الأولى على طريقة 3-5-2، أي بمهاجمين اثنين هما عبد القادر غزال ورفيق صايفي، ولكن دون أن يتمكن الخط الأمامي من تسجيل أي هدف، فلجأ بعدها شيخ المدربين الجزائريين إلى طريقة 4 5 -1 أمام منتخب مالي أي بالاعتماد على لاعب واحد فقط في الخط الأمامي ونعني به مهاجم نادي سيينا الإيطالي غزال، الذي لم يهز شباك منافسه في تلك المباراة ولا في المباريات الأربع الأخرى التي لعبها، رغم نشاطه الكبير في منطقة عمليات الفرق المواجهة ل"الخضر"، وقد أجمع الاختصاصيون على أن غزال كان بحاجة إلى مساندة مهاجم حقيقي آخر من مستوى رفيق جبور الغائب عن دورة أنغولا بسبب نقص المنافسة، ولكن كان من الممكن جدا أن يقحم سعدان هداف الطبعة السابقة لكأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، عبد المالك زياية للقيام بنفس المهمة التي كان من الممكن أن يقوم بها جبور، وقد يبرر المدرب الوطني عدم لجوئه إلى خيار اللاعب السابق لوفاق سطيف بنقص تجربة زياية، وهنا يمنح الفرصة لمنتقديه ليطرحوا عليه هذا السؤال " لماذا إذن استدعيت اللاعب زياية للمشاركة في الموعد الإفريقي؟ لم نحسن التفاوض في حالة النقص العددي وفي سياق آخر، يمكننا أن نجد الأعذار لتذبذب نتائج المنتخب الجزائري في البطولة الإفريقية المنقضية، ونقول أن الفريق الجزائري خاض معظم أطوار الدورة منقوصا من حيث التعداد بسبب المرض المفاجئ لحارس المرمى الأساسي الوناس غاواوي، وإصابة ياسين بزاز ورفيق صايفي ورحيل خالد لموشية لأسباب "عائلية" و"انضباطية " وعدم استعداد كل من عنتر يحيى ومراد مغني للمشاركة في النصف الأول من البطولة بسبب معاناتهما من إصابة قبل التنقل إلى أنغولا، وقد نجد الأعذار أيضا أن "الخضر" لعبوا المباراة الأولى أمام مالاوي في ظروف مناخية قاسية لم يتعود عليها معظم المحترفين الجزائريين القادمين من صقيع أوروبا، وقد نبرر أيضا الهزيمة الثقيلة أمام مصر بالانحياز الفاضح للحكم البنيني كوفي كوجيا، ولكن يجب أن نعترف أيضا أن الطاقم الفني الجزائري وتشكيلته لم يحسنا التعامل مع خصوصيات تلك المواجهة، فبعد طرد المدافع الفذ رفيق حليش قبل نهاية الشوط الأول بسبع دقائق وتسجيل الفريق المصري لهدف السبق، كان بإمكان سعدان تسيير بقية مجريات اللقاء بطريقة مغايرة لتلك التي شاهدنها، إذ لاحظنا أن المنتخب الوطني واصل اللعب فور بداية الشوط الثاني بنفس الطريقة الهجومية بحثا عن تعديل النتيجة، في حين كان من الممكن جدا تعزيز خط الدفاع بلاعب احتياطي والتضحية بأحد المهاجمين لزيادة حظوظ عدم تلقي أهداف أخرى وبالاعتماد بالمقابل على الهجمات المعاكسة.. وتحضرني هنا مباراة في نهائيات مونديال 1994 بالولايات المتحدةالأمريكية جمعت في الدور الأول بين المنتخبين الايطالي والنرويجي وتلقي فريق ايطاليا ضربة قاسية فور بداية اللقاء بطرد حارس المرمى بعد تسببه في ضربة جزاء، فقام مدرب منتخب ايطاليا اريغو ساكي بإقحام الحارس الاحتياطي مكان أحسن لاعب في الفريق وهو النجم روبيرتو باجيو، في محاولة منه إنهاء المباراة بأقل الأضرار، وفعلا افترق المنتخبان على نتيجة التعادل (2-2)، ثم أدت ايطاليا مشوار متألقا وبلغت اللقاء النهائي للمونديال حيث انهزمت أمام البرازيل، وأردت هنا القول أن منتخب الجزائر لم يحسن التعامل حين اضطر لخوض المواجهة منقوصا عدديا، وأرجو أن لا نتحجج بطرد الظهير الأيسر نذير بلحاج بعد ساعة من اللعب، لأن الهدف الثاني لمصر تم تسجيله قبل خروج بلحاج، كما أن البطاقة الحمراء التي تلقاها هذا الأخير كانت مستحقة باعترافه شخصيا لما قدم اعتذاراته للمدرب سعدان عقب نهاية المباراة. المهم أنه من المؤكد أن الشيخ سعدان قد دون كل إيجابيات وسلبيات تشكيلته من حيث اللعب الفردي أو الجماعي، وقد يجد الحلول للنقائص سريعا، خاصة في ظل التدعيم النوعي المرتقب من طرف كل من لاعب وسط ميدان راسينغ ساتندار الاسباني، مهدي لحسن ومهاجم أيك اثينا اليوناني، رفيق جبور، في انتظار بروز أسماء جديدة سواء بأوروبا أو بالجزائر.