حليب تمر و"مطلوع" داخل قاعة المسجد.. وتزاحم على الخروج بعد قضاء الصلاة "النهار" ترصد أجواء المساجد وتصرفات المصلين دقائق قبل أذان المغرب في أول يوم من رمضان الحليب، اللبن، والخبز وحتى "المطلوع"، كلها كانت حاضرة بداخل المسجد قبل آذان المغرب، ولم تنقص سوى "شربة فريك" كما قال الإمام.. جو يوحي بمظاهر التآخي والتكافل والتضامن والتراحم، في ظل غياب وزارة ولد عباس.. الفقراء والمعوزون وجدوا ضالتهم في مسجد "الشيخ الورتلاني" بتيليملي بالعاصمة، الذي صار قبلة لهؤلاء بالنظر لما يوفره من مأكولات تتعلق بما يمكن أن يسد الرمق بعد جوع طيلة نهار كامل. إنه ما وقفت عليه "النهار" في محاولة لرصد الحركة بالمساجد وتصرفات المصلين في اليوم الأول من رمضان، وكذا أهم ما ميزه عن أيام باقي أشهر السنة، خاصة فترة الإفطار وصلاة المغرب بالمساجد. كانت الساعة تشير إلى السابعة وخمس دقائق مساء عندما توجهت من البيت قاصدا مسجد "الشيخ الورتلاني" لأداء صلاة المغرب.. كان الهدوء يخيم على المنطقة بأكملها.. المحلات مغلقة وقليلون فقط يسلكون طريق المسجد، على عكس ما جرت عليه العادة حيث تزدحم الطريق بالمارة و السيارات.. الكل قبلته مسجد "الورتلاني"، خاصة مع صلاة المغرب التي تشهد حضورا قويا حتى لا تكاد مساحة المسجد تسع المصلين. وصلنا إلى الباب الخارجي فوجدناه خاليا من أي أحد، حتى من التجار المعتادين على عرض سلعهم على مصراعي البوابتين الرئيسيتين وكذا الأشخاص الذين اعتدنا على رؤيتهم يقيمون الحلقات والتجمعات. كذلك قبل آذان المغرب بلحظات، إذ لا يلجونه إلا بعد إقامة الصلاة. وقفنا قليلا أمام البوابة الرئيسية، ولم نر كثيرين يدخلون المسجد رغم أنه لم يبق لوقت الآذان سوى خمس دقائق، حينها شاهدنا صاحب أحد المحلات المجاورة للمسجد يتجه نحوه وهو يحمل بيده قارورات من اللبن وعدة علب من التمر، سلمها لأحد الشباب الذي كان يهم بالدخول وأكمل طريقه مخلفا المسجد وراءه، فدفعنا الفضول لاستطلاع الأحوال من داخل المسجد، إذ ارتأينا أنه لا يعقل ألا يدخل المسجد أحد ووقت الصلاة لم يتبق عليه سوى ثلاثة دقائق أو أربعة، ففتحنا الباب فإذا بالمسجد ممتلئ عن آخره، وكل شخص يضع أمامه كوبا من اللبن وحبات من التمر بالإضافة إلى قطعة خبز. انتابنا شيء من الدهشة، كيف لكل هؤلاء أن يحضروا معهم اللبن والتمر إلى المسجد وهل يعقل أن تتماثل أهواؤهم وأذواقهم، غير أن سلوك المصلين لاتجاه واحد نحو الزاوية اليسرى الخلفية للمسجد جعلنا نتخذ مسارهم لرؤية ما يكون من أمرهم. الزاوية الخلفية اليسرى بمسجد "الشيخ الورتلاني" بالعاصمة، خصصت في اليوم الأول من رمضان لتوزيع وجبات خفيفة لإفطار الصائمين، ما يصطلح عليه ب"كسر الصيام" قبل الدخول في الصلاة. الوجبة من تبرعات المواطنين.. والتمر واللبن سنّة مؤكدة توفرت الوجبة التي قدمها أعضاء لجنة مسجد "الشيخ الورتلاني" في اليوم الأول من رمضان على كأس من اللبن و ثلاث حبات من التمر وقطعة خبز أو "مطلوع"، كل حسب ذوقه وما يحب. وعلّق أحد المصلين بأن هذه الوجبة لا تختلف كثيرا عن قفة ولد عباس سوى أنها خاصة، في حين توجه الأخرى إلى جميع أفراد العائلة. كما أن ما يوفره المسجد له امتياز على ما توفره وزارة التضامن، فكل شخص له الحق في تذوقها وإعادة وجبة أخرى، فما جادت به تبرعات المصلين وساكني الحي من ذوي البر والإحسان، تكفي لإفطار كل المصلين الذين فاق عددهم ال500 وقال أحد أفراد اللجنة التي كانت تعمل على توزيع هذه الوجبات على المصلين إن المسجد يوفر مثل ذلك كل سنة وهي مبادرة تهدف إلى توحيد فطور الصائم. وشهد مسجد "الشيخ الورتلاني" بتليملي بالعاصمة، في اليوم الأول، من الشهر الفضيل إقبالا كبيرا إلى حد التزاحم، خاصة تلك الزاوية التي كان يوزع بها أكواب اللبن وحبات التمر لأجل استلام ما خصص لهم حيث يجد كل واحد وجبة كاملة بإمكانه أخذها والجلوس بعدها في أي زاوية من المسجد في انتظار أذان المغرب الذي يعطي الضوء الأخضر ببداية الأكل وإنهاء يوم شاق من الصيام تحت أشعة الشمس الحارقة، لتبدأ بذلك عملية العد التنازلي لشهر رمضان، ويتجه كل من تسلم وجبته إلى مكان معين داخل المسجد، يضعها أمامه في خشوع واستعداد تام لسماع أذان المغرب الذي لم يكن يفصله عنا سوى أن يقوم الإمام من مكانه والتوجه صوب القبلة لإعلائه. رفع الآذان في هذا الوقت في مسجد آخر قريب ل"الورتلاني" قبل أن يقوم الإمام، فبدأ الصائمون في تناول أكواب اللبن وحبات التمر. وكشفت هذه اللحظة عن أمر آخر كان متوقعا قبل دخولنا المسجد، فقد هم الكثير من الحضور إلى استخراج مأكولات أخرى أحضروها معهم لأجل "كسر الصيام" في حالة عدم وجود هذه المبادرة التي قام بها أعضاء لجنة المسجد، غير أن هذه العملية حسب ما أدلى به أحدهم ليست جديدة وإنما تتكرر كل سنة في هذا المسجد على وجه الخصوص، وقد جعل هذا التصرف البعض ممن يعرف هؤلاء التقرب إليهم إما لأجل مشاركتهم وإما للضحك والمزاح، حيث يمكن القول بأن هؤلاء قد كسروا مبادرة لجنة المسجد التي كانت تهدف إلى توحيد وجبة فطور الصائمين. دامت فترة الإفطار داخل المسجد خمس دقائق، أنهى فيها كل واحد وجبته مع الحرص على نظافة مكانه الذي يكون عرضة لفتات الخبز ونواة التمر، إضافة إلى قطرات اللبن أمام العدد الهائل من الأطفال الذين حضروا إلى المسجد لصلاة الجماعة حتى من أولئك الذين لم يبلغوا سن الصيام بعد. حضور الأطفال كان قويا والمسجد امتلأ عن آخره لم يكن متوقعا الحضور الكبير للمصلين إلى المسجد أثناء صلاة المغرب اللحظة التي ينتظرها كل صائم لقطع صيامه، والجلوس على مائدة الإفطار، خاصة فئة الأطفال التي مثلت نسبة كبيرة من المصلين، الأمر الذي جعل المسجد تعمه نوع من الفوضى مع أكواب اللبن التي بدت متناثرة هنا وهناك حتى بعد إقامة الصلاة، ولم يفوت الأطفال الفرصة أمام الغلاء الفاحش للتمر وكذا توفرها بكمية كبيرة فأخذوا يعيدون الكرة فمنهم من أكل قبل رفع أذان المغرب. امتلأ المسجد عن آخره كما لم يكن متوقعا خاصة أمام الصمت الذي خيم على الشوارع قبل رفع الآذان بحوالي 20 دقيقة مما يعني أن كل هذا الحضور أو المصلين قد دخلوا قبل ذلك، عكس ما جرت عليه العادة رغم ملاحظات الإمام المتكررة بشأن مكوث بعض الأشخاص أمام المسجد من وانتظار وقت إقامة الصلاة مؤكدا على أن الظاهرة ليست من السنة في شيء. أقيمت الصلاة بعد خمس دقائق من آذان المغرب لتبدأ الصلاة التي لم تطول على غير العادة، حيث قرأ الإمام في الركعة الأولى بآية أو آيتين من إحدى السور وكذا سورة العصر في الركعة الثانية، حتى لا يشق على المصلين الذين اندفعوا كالسيل الجارف نحو بوابة المسجد بعد السلام وانقضاء الصلاة مباشرة. النوافل، الرواتب والأذكار مؤجلة إلى بعد الإفطار اكتظت البوابتان الخلفيتان للمسجد عن آخرهما مباشرة بعد تسليم الإمام وانتهاء الصلاة، فكل المصلين الذين شكلوا حوالي 20 صفا وقفوا دفعة واحدة يريدون الخروج مما ولد ازدحاما أشبه ما يكون عليه في صلاة الجمعة بالمساجد الكبرى، كل يبحث عن حذائه ويريد الخروج أولا.. لا أحد تأخر عن الصلاة كما جرت عليه العادة أيام الإفطار.. لا تجمعات ولا حلقات.. بعد انقضاء الصلاة يتجه كل شخص صوب بيته لا ينتظر حتى صديقه الذي قد يسلك معه اتجاها واحدا، وذلك بعدما يتمكن من افتكاك ثغرة ينفذ منها خارج المسجد.. لا رواتب، لا نوافل ولا ذكر حتى ينقضي وقت الإفطار. فمن كان محافظا على الأذكار بعد الصلاة المكتوبة يؤديها في طريقه إلى البيت، في حين راتبتي المغرب ونوافله ( 6 ركعات) فإن صليت فبعد النهوض من أمام المائدة، ولم يقتصر هذا الأمر فقط على العامة من المصلين فحتى الإمام زاحمهم في الخروج من المسجد مباشرة بعد انقضاء الصلاة. توجهت مجموعة من أولئك الذين عملوا على توزيع وجبات "كسر الصيام" إلى توزيع أكياس بلاستيكية من أجل جمع نواة التمر والأكواب الفارغة التي كانت منتشرة هنا وهناك، في مبادرة حسنة لتنظيف المسجد وإعداده لاستقبال المصلين خلال صلاة العشاء والتراويح، إذ لم يسعهم فأدى ذلك إلى صلاة البعض منهم على الرصيف.