لم تكن "ليلى" عندما خصصت حيزا بإحدى الأرصفة على مستوى السوق الشعبي المعروف باسم "طريق البيض" بحي سيدي بوراس بقلب مدينة معسكر، ووضعت طاولة لبيع الأحذية والعطور مقررة بذلك خوض غمار ممارسة التجارة قبل سبع سنوات خلت، لم تكن تنتظر أنها ستحظى بمكانة مميزة في قلوب مرتادي السوق على العموم والتجار بصفة خاصة، حيث لقيت احتراما وتقديرا من قبل هؤلاء، ولقيت تشجيعا لا نظير له. ليلى، السيدة التي كسرت جدار العقدة النفسية بعد دخولها نشاط تجارة الأرصفة كانت ولا تزال السيدة الأولى والوحيدة التي تنافس الرجال بهذه السوق، رفعت آنذاك شعار «العزة في أكل الحلال»، هي من مواليد 21 جوان 1969 بمدينة وهران، اسمها في الوثائق الرسمية "حبيبة"، وجدتها تناديها منذ الصغر باسم "ليلى"، واحدة من ضمن 5 أبناء، 3 ذكور وأنثيين، تنتمي لعائلة حمياني، توقفت عن الدراسة في المستوى الرابعة متوسط قبل أن تقرر الوالدة بعد وفاة رب العائلة العودة إلى مسقط رأسهم بمدينة معسكر في عام 1984، حيث استقرت العائلة بصفة نهائية، والتحقت حينها ليلى بمركز التكوين المهني، حيث تحصلت على شهادة في الحلاقة، كما تربصت في تخصص "التجميل" و"الخياطة"، غير أنها لم تنه تكوينها. وقد حاولت ليلى أن تفتح قاعة للحلاقة من أجل إعالة أفراد أسرتها، غير أن قلة مالها لم يسمح لها بذلك، فخرجت للبحث عن العمل فلم تجد، فكان حظ ليلى على حد روايتها سيئا. منذ ذلك الوقت وعائلة "ليلى" تتخبط في ظروف اجتماعية مزرية وجد قاسية ولم تصمد ليلى أمام هذه الوضعية، بل قامت بكل ما في وسعها من أجل إدخال لقمة عيش حلال لإخوتها الصغار، حيث تعلمت خياطة الفتلة والمجبود وبدأت تبيع بأثمان بخسة، المهم أن تعيل العائلة وتبعدهم عن التسول على حد قولها. "ليلى" لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تقدم لخطبتها عدة رجال فكانت ترفض كونها كانت ربة البيت، وتشاء الأقدار أن وقعت فريسة أحدهم حين أصر على الزواج منها والذي كان متزوجا ولم تكن تعلم، فقد قاما بعقد قران عرفي وأسكنها بكوخ بإحدى الأحياء الشعبية بمعسكر يفتقر إلى أدنى الشروط الضرورية، وحسب تصريحاتها، فإن زوجها لا يأتي لزيارتها إلا نادرا؛ بل وقطع عنها تدريجيا مصاريف المنزل حتى اضطرت للبحث عن العمل لكن بدون جدوى. وتقول ليلى إنها فكرت طويلا في مشوار حياتها الذي لم تنل منه إلا الأسوأ، حين اقتنعت بضرورة العمل بالحلال بدل الرذيلة، فاتصلت بأحد تجار الجملة الذي عرضت عليه فكرة التعامل معه في ممارسة التجارة، فقبل الفكرة وبدأ يدعمها بالسلع، ولما تنتهي من بيعها تقوم بتسديد ما عليها من ديون. لم تكن البداية بالنسبة لليلى سهلة، غير أن قناعتها بعزة السيدة والعمل الشرعي الذي ستقوم به هما عاملان أساسيان جعلا من ليلى تاجرة بمعنى الكلمة، حيث صممت طاولة لبيع الأحذية والعطور وخصصت لها مكانا بين الشباب على أرصفة السوق الشعبي المعروف باسم "طريق البيض"، ولقيت التاجرة الوحيدة على مستوى ذلك السوق احتراما واسعا بين مختلف شرائح المجتمع وشجعوها على ذلك، وتسعى دائما إلى تقديم أفضل وأجود المنتجات لزبائنها، ولو على حساب تحقيق هامش ربح تجاري بسيط. تقول ليلى بأن أقدامها لما تطأ السوق تشعر بأنها رجلا لا تختلف عن باقي التجار من حيث الشجاعة والقدرة على تخطي الصعاب التي من المحتمل أن تعترضها داخل السوق، آملة في أن تصير يوما ما تاجرة كبيرة، حتى تتمكن من تحقيق آمالها ومن ثمة مساعدة عائلتها التي تعيش فقرا وغبنا كبيرين.