مدت ساقيها في مكان ما من شارع ديدوش مراد بالعاصمة، و راحت تتذكر صباها القريب، و تحديدا قبل أن تمتد يد القدر إليها لتجعلها من فئة المغتصبات من ضحايا الإرهاب الأعمى الذي ضرب منذ بداية التسعينات.. ..اشتقت إلى أهلي هناك في تلك القرية المنزوية من قرى البويرة، و كم أرغب برؤية أبي و أمي لولا أني تنازلت بذاتي لطرقات العاصمة و عدت من المشردات.. عفاكم الله.. هناك في أعلى التلال، في إحدى أيام سنة 1995، فقدت كرامتي، اختفى الشرف من قاموسي، و اندثر كبريائي على الأرض هباء..كيف يمكن أن يكون عصر العبودية قد ولى؟ بعد أن كان مآلي الاغتصاب جهارا نهارا..صورة ذلك اليوم الذي اقتحم فيه الإرهابيون بيتنا لازالت جاثمة في مخيلتي، أسقطوا أمي أرضا، خلت أنهم سيغتصبونها هي الأخرى على مرأى منا، كما كان يحدث زمن الاستعمار الفرنسي، لكنهم ذبحوا أخي الذي كان في صفوف الدفاع الذاتي، دفاعا عن بلده، و أخذوني معهم، لم تنفع توجعات أمي و استجداء أبي و لا نواحي و عويلي في شيء..و تساءلت منذ متى بدأ يتحاشى وطني حمايتي، كرامتي نثرت بذور نباتات برية تدوسها الأقدام، و يراودني في المنام الانتحار، لكن أنى لي أن انتحر و قد فقدت كل عزيمة منذ جفاني الشرف....لا تكابر فالشرف غال وفقدانه أهون من الهوان..أطباء نفس، مساكين أطباء النفس، هل يعتقدون أنهم سيقتلعون من ذاتي الهوان، أنى لهم ذلك و لا تصلح العمليات الجراحية لإزالته..لأنه يظل مخبأ في مكان ما لا تحدده أحدث الاكتشافات..هل يقتل علماء النفس الذكريات، هل يطفئون لهيب الذاكرة بقرار؟، هي لاهبة، متوهجة، حية، ربما يحدث لو صنعوا دواء لاجتثاث الذاكرة و نزعها من الدماغ نزعا..يا رجل الحرية كنز لا يفنى، و الشرف كنز لا تفنيه المجاهيل و لكن..حياتي ليل يسترسل كل حين، و ذل متدفق من كل مكان، مرارة منهمرة، و دموعي، يا لدموعي، غابت منذ تلك الليلة..و بعد الهوان اعتزلت العالم، و أفكر متى تنقضي الأقدار، و تذوب الأعمار، أنى لي أعود إلى حياتكم و في وسطكم رجال تداولوا على التهامي في وضح الليل، و في النهار، عبثوا بجسدي، و عاثوا فسادا في انحناءاته، و تجمهروا ينشدون نهايتي..خلف الأشجار و التلال، هناك كنت جارية و الناس أحرار، كنت ملكا للزعيم و للحثالة من حاشيته أيضا..لم يكن الأفق ليغيب قبل أن يشهد عليّ جاثمة في سوق النخاسة، أمارس العهر المفروض الذي يسميه المجرمون واجب و فرض..كانت الشمس شاهدة على فضيحتي، و الحيوانات كشرت عن أنيابها حين أصر الباطل على مجامعتي بلا ذنب و بلا قوة..رأيت ذكور النحل تهجم على أولئك الأنذال في مخادعهم، كانوا كحجارة تساقطت فوق رؤوسهم، حتى الذئاب أطلقت العويل رأفة بي، أو ربما دهشة منها حين اكتشفت أن الذئاب البشرية أضحت أكثر فتكا منها..وارحمتاه، كيف لي أن أنسى أن روائح تلك الأجساد النتنة قد التصقت برائحة جسدي، و كيف آوي إلى الفراش مع ذكرى الأنياب..و هناك في حدود اللانهاية، أتساءل متى النهاية و أين السبيل..أين؟..فوق نهدي عشعشت أنامل الأدغال، و سالت أحماض رجال اعتلاها الصدأ، و نبشتني أفواه كريهة نتنة..السماء كانت شاهدة على عذاباتي، و كل ليلة كان الأسى و القنوط، و تتكرر متاهات أولئك الرجال الباحثين عن الشهوة في ربوع جسدي، و ما كان أتعس جسدي..بالله عليك يا قدر، لا تذكرني بالديناصورات التي مزقت ثيابي و تركتني عارية على مرأى البصر، و كانت فجيعتي أمام القمر..