لم يشاهد الجزائريون يوم أمس منتخبهم أمام رواندا على القناة الوطنية مباشرة، وربما لن يشاهدوه أيضا أمام زامبيا ومصر على الشاشة الصغيرة، تحت عذر المطالب الضخمة التي اشترطتها القناة الراعية ''آرتي'' مقابل النقل التلفزي للقاء، حيث طلبت 10 ملايير لساعة ونصف، بمعنى 111 مليون سنتيم عن كل دقيقة، وإذا كان هذا المبلغ ضربا من الجنون وأشبه بالإبتزاز الصريح إنطلاقا من أهمية اللقاء، فإن التلفزيون الجزائري اليتيم والوحيد ل 35 مليون نسمة في غياب قنوات خاصة، وبإمكاناته الهائلة، يترك أعصاب الجزائريين تحترق ساعات قبل اللقاء، وهم لا يعرفون إن كانوا سيشاهدون اللقاء على أرضيتهم، أو في المقهى، أو يكتفون بالإستماع على أمواج الإذاعة التي عادت سنة ,2009 في الوقت الذي يفترض أنه بدأ فيه العد التنازلي لعمرها كواحدة من أقدم وسائل الإعلام، لتعيش مجدها في هذا الوقت المقلوب.. الشيخ صالح و ''البزنسة'' بمشاعر الجزائريين ''أين ستشاهد اللقاء؟'' هو أكثر سؤال تردد يوم أمس، ليس لأننا نمتلك قنوات وإختيارات كثيرة تسمح لنا بالبحث عن المعلق الذي نرتاح لحباله الصوتية، ولكن القصد هنا، هو المكان ما إذا كان في المقهى أو عند صديق، أو مقاطعة اللقاء وإنتظار النتيجة، حيث أن هناك كثيرين لا يقوون على التدافع، ويفضلون أن يربحوا راحة البال على حرق الأعصاب من أجل مكان، وفي تتبع تفاصيل اللقاء، من هذا المنطق فإن سلطة الشيخ صالح وسطوته على حقوق النقل التلفزي لكثير من المنافسات التي تهمنا ولنا فيها تمثيل، أفقدنا نشوة كرة القدم التي خلقت أصلا لتكون رياضة البسطاء فهي ليست التنس أو القولف، بل هي رياضة متاحة للجميع، ولا يفرق في ممارستها بين الغني والفقير، لكن الظاهر أن التنافس المحموم على حقوق النقل التلفزي أجج مستحقات مباراة لمنتخبنا في إطار التصفيات المؤهلة، ليبلغ سعرها 10 ملايير في قطيعة صريحة لما كان يسمى قديما ''النقل المجاني'' ، ودون النظر إلى السعر الذي تكلفه مباراة من الناقل الرئيسي، وكذلك حقوق الإحتكار المقتناة من شركة ''سبور فايف'' الألمانية، فإن الأكيد أن مبلغ الربح مضاعف، بالعودة الى السعر المطلوب، ليكون ذلك بمثابة ''بزنسة'' بمشاعر الجزائريين، وتلاعب صريح بهم، حيث قد يتساءل البعض عن ذنب ملايين يتحرقون شوقا لرؤية ''الخضر'' مع تلفزيون يملك ميزانية دولة فقيرة في إفريقيا، ورغم ذلك لا يمكن له أن ينقل 90 دقيقة لهم من الأدغال الإفريقية. تلفزيون يتفاوض في الوقت بدل الضائع هذا ويتساءل كثيرون عن جدوى تلفزيون لا يقدم خدمات لمشاهديه، ويكتفي بنشرات وحصص فقيرة من أي مضمون، ولا يحصل إلا على ما تم تداوله من مسلسلات ، تلفزيون ينقل لنا صور مقابلات من بطولة رابطة أبطال أوربا في حصة ''من الملاعب'' بعد 6 أيام من لعب المقابلة التي يكون قد شاهدها مباشرة أغلب الجزائريون على قناوت تردد ''التور'' المقرصنة، وأكثر من ذلك عجز هذا التلفزيون عن نقل مقابلة على المباشر لمنتخب يمثل السيادة الوطنية، حيث صار منتخبنا في نظر البعض منتخب البعض فقط، ممن استطاع مشاهدته سبيلا، في وقت تعجز البقية عن ذلك، أمام هذا الأمر يتساءل البعض عن سبب عدم فتح تحرر الإعلام و التلفزيون، لعلى وعسى يسمح ذلك ببروز قنوات أو واحدة على الأقل، يمكن لصاحبها أن يدفع 10 ملايير في ''خاطر الشعب المغبون'' الذي أغرق أمس قاعات تحرير الصحف بالإتصالات بحثا عن خبر مفرح، وإلى ذلك الحين يبقى إحتكار اليتمية للمجال السمعي - البصري المنطق المفروض، ولو أنه مثلما يجمع كل الجزائريون إحتكار للرداءة، وقد اتصل بنا قارئ قبل المباراة بنصف ساعة يتساءل عن سبب التفاوض في آخر لحظة مع قناة ''آرتي''، مؤكدا أن موعد المقابلة حدد منذ مدة طويلة، والقناة الراعية معلومة، و سبل التفاوض مفتوحة، مشيرا أن ترك النقاش إلى الساعات الأخيرة هو مؤشر للفشل، إن لم يكن في رأيه مجرد ذريعة للإختباء وراء غلاء مطالب الشركة التي من الطبيعي أن تطلب حقها. الجزائريون :''لا يعرفون حقنا إلا في الإنتخاب..أين حقنا من المنتخب؟؟'' موقف الجزائريين من القضية واضح، وهو العتب على مسؤولي التلفزيون بدرجة أولى، وعلى الشيخ صالح بدرجة ثانية، لكن الأكثرية ترفض أن تفهم أو تتفهم، فالأمر غير قابل للتفاوض عندها، عندما يتعلق الأمر بمنتخب يمثل الألوان والعلم الوطني، يبقى رمز من رموز السيادة الوطنية، ولا ندري إن كان موعد اللقاء في وقت توجد الحملة الإنتخابية في أوجها، أو لا أدري إن كان انتبه مترشح من المترشحين ووعد في برنامجه الإنتخابي بضمان نقل مقابلات المنتخب الوطني على المباشر في القناة الأرضية من أدغال إفريقيا، لضمن نسبة محترمة من الأصوات تمكنه من التخلص من صفة ''الأرنب''، مواطنون تكلمنا معهم عن الأمر، ولم يخفوا إستياءهم الشديد عندما تصادر رغبتهم في مشاهدة المنتخب الوطني الجزائري لصالح قنوات خاصة، منطق فرض نفسه بإعتراف الوصاية الجزائرية في مونديال 2006 التي دفعتنا إلى مراكز البريد لإقتناء بطاقات ''آرتي'' المدعمة في تشجيع مباشر على الإحتكار، وقد قال أكثر من مواطن في أحاديث مختلفة فيما معناها:'' لا يعرفون حقوقنا إلا عندما تقترب مواعيد الإنتخابات، ونحن نسأل هؤلاء أين هو حقنا من المنتخب الوطني؟؟''. في إنتظار فرض الحضر على الإذاعة الوطنية وبالنسبة لكثير من الجزائريين، فإنهم لم يتفاعلوا جيدا مع حصول وفاق سطيف على كأسي العرب 2007 و 2008 لأنهم لم يشاهدوا المباريتين، بسبب الإحتكار المعلون، بل اكتفوا بالإستماع الذي هو في كل الحالات أفضل من ''اللا شيء''، لذلك فإن الإذاعة استعادت مكانتها في الألفية الثالثة، إذاعة وطنية استطاعت أن توفر للجميع النتائج الفورية لمقابلات القسم الوطني الأول والثاني، وهو ما يعجز عنه تلفزيون، يبلغ عدد موظفيه 6 آلاف يعملون في بناية شكلها يشبه وزارة الداخلية، يعطي نتائج مقابلات خاطئة، ولا يمنح حتى ترتيبا صحيحا لمشاهديه كأقل شيء، وقد كانت الإذاعة يوم أمس بموفوديها كالعادة، البديل في غياب حلول أخرى، على الأقل لتسمح ل ''المغبونين'' من متابعة اللقاء، والتفاعل مع لقطات لا يرونها ولكنهم يحسونها على طريقة المكفوفين، وأن يحرمنا الشيخ صالح والتلفزيون الجزائري من نعمة البصر فإن الأكيد أننا في وقت مالح..