عادت كافة مناطق الوطن، أمس، إلى أجواء بداية التسعينات، وبالتحديد عندما فرضت السلطات حظر التجول خلال ساعات الليل، على خلفية التدهور الأمني الذي عرفته البلاد خلال تلك الحقبة، فابتداء من الساعة السابعة من مساء أمس، بدأت شوارع وأزقة العاصمة وكافة مدن وقرى البلاد بجميع المناطق بلا استثناء، تخلو من المارة والسيارات، تحسبا لانطلاق مباراة الفريق الوطني مع نظيره المصري بملعب البليدة. وكان المشهد أكثر دلالة وتعبيرا على الحدث في كبرى المدن، خصوصا العاصمة، أين غابت مظاهر الزحمة المرورية خلال الساعات التي تسبق صلاة المغرب، بل إن مشاهد أزقة وشوارع العاصمة على وجه الخصوص كانت تعبر عن شلل عام في الحياة، وكأن حظر تجوال فُرض فيها، أو أن كارثة أبادت العاصميين أو منعتهم من الخروج للشارع. ورافق تلك المظاهر النادرة في العاصمة، غياب الخدمات في كافة مرافق الحياة، فلا المحلات فتحت أبوابها خلال فترة إجراء المقابلة الكروية أو حتى ساعة قبل وبعد إجرائها، ولا محطات البنزين كانت في الخدمة، بل إن الصيدليات ووسائل النقل الحضري كانت هي الأخرى "في الموعد"، أين خيّم الصمت الذي يسبق العاصفة على أحياء العاصمة، لدرجة أمكن معها سماع "صوت الذباب"، كما يقول المثل الشعبي. مباراة الجزائر ضد مصر رافقتها أيضا مشاهد أخرى، لكنها إيجابية، دالّة على الاستعداد الجماهيري و"التعبئة العامة" التي رافقت "اليوم الموعود"، فالأعلام والرايات الوطنية رُفعت في كل مكان.. في المحلات، شرفات المنازل، أسطح السيارات، وحتى في صدور وأحاديث الناس بالمقاهي والشوارع والأماكن العامة. ودلت تلك المظاهر على وطنية خالصة غير زائفة وغير مسبوقة أبداها الجزائريون، الذين شاءت مباراة في كرة القدم أن تمنحهم الفرصة لتذكير المسؤولين والسياسيين على حد سواء في هذه البلاد أن الشعب الجزائري "لم يستقل"، كما يُشاع، عن حب الوطن وممارسة وطنيته، ولو بصور وأشكال أخرى غير الأشكال الكلاسيكية. وكان من نتيجة هذه العودة إلى التعلق بكل ما يمت بصلة للوطن ولألوان الراية الوطنية، أن أثبت الجزائريون صحة المقولة الشائعة التي يتداول ما مفاده أن الرياضة تجمع ما تفرقه السياسة. لكن الذي لمت شمله كرة القدم هذه المرة، هو شمل شعب بوطنه، في وقت اعتاد الجزائريون على "الصوم" عن رفع الرايات الوطنية أو التمسك بالواجب الوطني خلال فترات الانتخابات والأعياد الوطنية.