ظهرت عشية المقابلة الفاصلة أولى تجمعات المشجعين المصريين بأماكن معزولة من شوارع العاصمة السودانية، بعد غياب شبه كلي مقارنة بالغزو الجوي الذي باشره مناصري محاربي الصحراء، فور الاعلان عن فتح الخط المباشر بين مطار هواري بومدين والخرطوم، غير أن حضور المناصرين المصريين وبالرغم من التهليل الاعلامي الذي حاول الترويج له بقى محتشما إلى غاية انطلاق المقابلة، واكتفت الأقلية الظاهرة بالتشجيع في الأماكن العمومية المحروسة في شكل مجموعات أفراد صغيرة تسعى إلى اختلاق المشاكل وافتعال الفتن كلما وجدت سبيلا لذلك. بعد طول غياب واختفاء شبه تام لمناصري الفراعنة والعلم المصري عبر شوارع الخرطوم، شهدت أخيرا أحياء العاصمة السوادنية ظهر أول أمس، بداية انتشار بعض الجماعات المحتشمة للمشجعين المصريين الذين تبعثروا في مناطق متفرقة يسودها التشديد الأمني المفروض من قبل أجهزة الشرطة السودانية، والتي لم تكن تعكس حقيقة تعداد الجالية المصرية المقيمة بالأراضي السودانية التي قدرتها احصائيات محلية بنصف مليون مصري جميعهم من المقيمين المتواجدين بالسودان، خاصة أن العمارات والسكنات لم تعلق بها الرايات الوطنية أو الألوان المصرية، على عكس المناصرين الجزائريين والذين رغم حلولهم ضيوفا وزوارا اخفاء على ولاية الخرطوم إلا أنهم شرعوا في تعليق العلم الجزائري بمختلف الشرفات والنوافذ المطلة على الشوارع الرئيسية، كما أن رايات"الشناوة" لفريق مولودية الجزائر، وغيرها من الأعلام وأقمصة الأندية الرياضةالجزائرية كانت حاضرة هي الأخرى وبقوة، حيث غطت هذه الأخيرة العمارات بكاملها وجعلت الشوارع الخرطومية تزدهر باخضرار العلم الوطني وتهلهل باستعادة حيوياتها لبلد المليون ونصف شهيد. وعلى خلاف التهليل المصري والترويج الاعلامي الذي باشرته وسائل الصحافة المصرية قبيل وصول وفود كلا البلدين إلى العاصمة السودانية، والتي ادعت من خلاله أن ما يزيد عن مليوني مناصر مصري يرغيون في حضور المباراة الفاصلة للتأهل إلى تصفيات المونديال، إلا أن الشوارع الخرطومية بدت وإلى غاية عشية المقابلة خاوية على عروشها من المناصرين المصرين وحتى المقيمين بالسودان الذين تحفظوا عن كشف هويتهم خوفا من الوقوع في مشادات عنيفة مع المناصرين الجزائريين، الأمر الذي استدركه أقلية سودانية فضلت مناصرة لاعبي "آل فرعون" وأخذت تجوب الشوارع بالأعلام المصرية الصغيرة في تعبير منها عن انقسام ولاء السودانيين في تشجيع كلا البلدين خلال هذه المبارات الفاصلة التي تعد أهم حدث رياضي يحتضنه السودان منذ أزيد من أربعين سنة. بلاغات مصرية كاذبة المصريون الذين ادعوا غزوهم للخرطوم بحكم الحدود الجوارية التي تجمعهم مع السودان، لم يجدوا سبيلا لسد ثغرة نقصهم وقلعة تعدادهم مقارنة بالامداد الجزائري الذي لم يتوقف إلى غاية تاريخ المباراة، إلا حجة اختلاق المشاكل واثارت المتاعب للأجهزة الأمنية السودانية، من خلال بعث بلاغات كاذبة وادعاء التعرض لاعتداءات لا أساس لها من الصحة كلما مر بجانبهم وفد جزائري أو جماعة من مناصري "الخضر"، محاولين بذلك زرع نوع من اللااستقرار والتوتر وتصوير صورة سيئة عن مشجعي مقاتلي الصحراء الذين لم يسجل بشأنهم البوليس السوداني أي تجاوزات منذ هبوط أول طائرة بمطار الخرطوم الدولي وإلى غاية موعد المباراة، وهذه حيلة قديمة على حد قول أحدهم"مايتمسكن حتى يمكن "، تعوّد "آل فرعون" استعمالها منذ القدم لاظهار للرأي العام أنهم دائما البسطاء والمحقورين، بتخفيهم عن حقيقة أعمالهم ونواياهم. هذا ما وقفنا عليه خلال طريق عودتنا من الحصة التدريبية الأخيرة لأشبال سعدان التي جرت بستاد الهلال السوداني، حيث اضطررنا للتوقف بمجرد لمحنا راية العلم الوطني الجزائري وسط أحد الاشتباكات الكلامية التي وقعت بالقرب من احدى المحلات المصرية الكبرى لبيع المأكولات، مما استدعى تدخل عناصر الشرطة السودانية لفكها، وقد اتضح الأمر أن المسألة تتعلق ب 6 مناصرين جزائريين أحدهم كان يعاني من شبه إعاقة على مستوى رجله الأيمن، كانوا يقلون حافلة صغيرة تم اعتراض طريقها من قبل فئة من المشجعين المصريين، والذين لم يترددوا في قصفهم بوابل من العبارات السيئة وشتم الفريق الوطني، رغم أن المحل يقع في وسط المدينة ويطل على أكبر الشوارع الرئيسية، وفي مقابل ذلك قام البعض الآخر منهم بابلاغ أعوان الأمن السوداني المتواجد بالمنطقة بأن هؤلاء الجزائريين حاولوا التهجم عليهم، وهو أمر لا يتقبله العقل بحكم تفوق تعداد المناصرين أمام محلهم المصري، فضلا عن كون المناصرين الجزائريين عزّل ومجرّدين من أي وسيلة يمكن الضعط بها، بالاضافة إلى تصريحات السائق السوداني الذي أكد أن المصريين كانوا يقفون وسط الطريق معرقلين حركة المرور، وهم من اعترض طريقه وأرغمه على ركن سيارته جانبا، لكن الصورة القاتمة التي حاول "آل فرعون" رسمها في بادئ الأمر في تصور الشرطة السودانية حول هذا الشعب الذي لا يعرف عنه إلا ما تتناقله بعض الوسائل الاعلامية العالمية وما يسمعه في القنوات الفضائية، في حين يجهل روحه الرياضية وتحليه بالأخلاق الحميدة، على غرار كرمه الكبير وضيافته المثالية، مما جعله يقتنع منذ الوهلة الأولى بتورط مناصري الخضر في الحادثة، إلا أن تدخلنا الذي جاء في الوقت المناسب سمح باستدراك الوقت وايضاح الصورة للمسؤول الأمني بعين المكان الذي اقتنع بعد استجواب مصغر للمتواجدين بالمنطقة، أن الجزائريين ضحايا افتعال كاذب لواقعة لم تحدث اطلاقا تعمد افتعالها بعض من المشجعين المصريين لتوريط منافسيهم وعرقلة حصولهم على تذكرة التأهل إلى المونديال، وهو أمر جد محتمل من فريق ومناصرين تفننوا منذ انطلاق التصفيات في اختلاق واختراع وقائع خاطئة لتضليل الرأي العام العالمي الذي يصب أنظاره على هذه المقابلة المصيرية لكلا الفريقين بعدما أسالت الكثير من الحبر وباتت هم كل وسيلة إعلامية وموضوع الحصص الاخبارية، وكان آخر هذه الادعاءات المصرية، البلاغ الكاذب الذي روّجت له منذ يومين قناة "الحياة" المصرية مدعية تعرض حافلة نقل المنتخب المصري إلى اعتداء بالرشق بالحجارة من طرف مجهولين في طريق عودتهم من الحصة التدريبية ما قبل الأخيرة التي احتضنها ملعب الهلال السوداني، وهو ما كذبه العقيد عمر أحمد محمد الطيب رئيس قسم العمليات بشرطة السودان، والمسؤول الأول عن تأمين الملعب وتنقلات كلا البعثتين الرياضيةالجزائرية والمصرية، نافيا الخبر بصورة قاطعة في تصريح انفردت به يومية "النهار" الجزائرية ، الذي أكد أنه لم يتم ايداع أي شكوى أو بلاغ من طرف البعثة المصرية، كما أن التشكيلات المرافقة له لم ترفع إلى مسؤولها وقوع أي حادثة. ماحدث ل"جيزي" على لسان كل المصريين وبالموازاة مع ذلك فقد أثارت حالة فزع وهلع وسط الجالية المصرية المقيمة بالسودان فور بلوغها خبر ماحدث للوكالات التجارية للمتعامل الهاتف النقال" جيزي" بالجزائر، بعدما تناولته وسائل الاعلام السودانية ومعظم الصحف المحلية التي نقلت عن مواقع جزائرية تصريح مدير اتصالات الشركة حميد جرين ،أن مشجعي أشبال سعدان هاجموا اثر مباراة القاهرة نحو 15 فرعا لشركة اوراسكوم تيليكوم الجزائر التابعة لمجموعة اوراسكوم المصرية، ملحقين بها خسائر مادية تقدر بخمسة ملايين دولار، كما تم تحطيم وسرقة 80 ألف هاتف محمول بقيمة خمسة ملايين دولار من شركة رينغ التابعة لاوراسكوم في الجزائر، بالإضافة إلى تحطيم أجهز كمبيوتر ومكاتب أجهزة إعلام آلي في مختلف أنحاء البلاد اثر هجوم 3500 مناصر مقر الادارة العامة في الدارالبيضاء القريبة من المطار، وهو ما اضطر المؤسسة إلى غلق فروعها خاصة المتواجدة في العاصمة ومحاصرتها من طرف قوات مكافحة الشغب الجزائرية. الحادثة باتت حديث العام والخاص بالسودان ومتداولة على لسان كافة أفراد الجالية المصرية المقيمة في السودان، حيث رصدت "النهار" أحد هؤلاء بإحدى المساحات التجارية المصرية الكبيرة بالخرطوم وهو يتذمر من بعض العاملين بها من السودانيين حول ما جرى لشركة "جيزي" بالجزائر، قائلا :"لدينا أحد الفروع التجارية بالرغاية وإلى يومنا لم نتمكن من اجلاء مسؤوليه من الجزائر"، مبديا تخوفا شديدا من احتمال تدهور الوضع في حال استمراره على هذا النحو. شركات مصرية تطلب الحماية شوهد بدءا من أول أمس انتشار مكثف لعناصر الشرطة السودانية عبر مختلف الشوارع الرئيسية للعاصمة، والتي تمركزت بشكل ملفت حول المساحات والمحلات التجارية المصرية التي طالبت التدعيم الأمني وتعزيز التواجد البوليسي أمام مقراتها، بحجة ارتفاع حجم التهديد الذي فرضه مناصري أشبال سعدان بعد انتشارهم في كامل بقاع الخرطوم والتخوف من التعرض للمصالح التجارية للمصريين وأمن زبائنهم، إلا أن الجدير بالذكر كونه لا يسجل أي تجاوزات من قبل المناصريين الجزائريين لأزيد من ثلاثة أيام، وذلك منذ تاريخ أن وطأت اقدامهم الأراضي السودانية، بحيث تميزوا بروح اخلاقية عالية واحترام متبادل، وعلى العكس من ذلك فإن المصريين كانوا المستفيدين الأوائل من التواجد الجزائري بالسودان، خاصة أن الاقبال كان مكثفا في مساحات بيع المأكولات والتي تعد ملكا للمصريين. حتى شارع"السوق العربي" غزته الوفود الجزائرية ونحن في طريقنا صباح أمس إلى فندق "تاكا" المتواجد بشارع السيد عبد الرحمن، أين كانت تقيم الأغلبية الاعلامية الجزائرية، قدوما من مقر اقامتنا الكائن بحي الرياض شارع المشتل، مررنا عبر شارع المطار الرئيسي المتوسط للعاصمة السودانية، وعلى مدار حوالي 15 دقيقة من التنقل لفت انتباهنا تفصيل صغير حول الغياب الشبه التام للمناصرين المصريين عبر الشوارع السودانية الأمر الذي لا يعقل صبيحة المقابلة، الأمر الذي جعلنا نشاركه مع سائقنا "عمر"، الذي ظل يكرر كرم وفضل السودانين في محاولة منه لتصليح الصورة السوداء التي تعيشتها اجهزة الاعلام الغربية عن واقع ما يدور في "دارفور"، والذي أكد أن الازدحام الاستثنائي الذي عاشته الخرطوم أمس سببه توافد مناصري البلدين إلى جانب السودانيين وسكان المحافظات المجاورة، أي الولايات المحاذية للعاصمة، بهدف حضور أهم حدث رياضي لم يشهد له البلد مثيلا منذ أزيد من أربعين سنة، قبل أن يحاول استدارك سؤالنا من خلال توضيح أنه تم اللجوء إلى تفريق مناصري البلدين تفاديا لوقوع اشتباكات بين الطرفين، مضيفا أنه في الوقت الذي تمركز فيه الجزائريين بالمعسكر والمخيم المعد خصيصا لذلك، فإن المصريين استقروا في بعض الاحياء الرئيسية التي تكثر بها مقراتهم التجارية وأماكن عملهم وسكنهم، وفي مقدمتها حي السيد عبد الرحمن، إلا أن مفاجأة هذا الأخير كانت كبيرة جدا واندهش لمجرد وصولنا إلى نزل"تاكا" الذي يقع بنفس الحي الذي كان يتوج له، خاصة بعدما غابت رائحة المصريين في حي كانوا يفرضون عليه سلطانهم وجبروتهم في الظروف العادية، غير أن الحدث كان استنائيا والحضور الجزائري كان متميز طغى على كامل التصورات، بما يؤكد مرة أخرى أن الجزائري لا يعود أبدا أدراجه متى تعلق الأمر بالألوان الوطنية ومساس بشرف بلاده، كم أنه دائما في أتم الاستعداد للتضحية بماله وروحه في سبيل الوطن على خطى سلالة المليون ونصف مليون شهيد والمجاهدين الأبرار، بحيث كانت الراية الوطنية ترفرف وتجوب شوارع العاصمة السوادنية دون منافس في حجم المستوى، وحتى السودانيين اندمجوا في الجو العام وراحوا يشجعون ويهتفون لفريق بلد يبعد عنهم 3725 كلم وتجمعهم معه الرقعة الجغرافية الافريقية والديانة الاسلامية الموحدة، وهو ما جعل من مسألة العثور على أقلية مصرية حتى أفراد متفرقة أمرا شبيها بضرب من الخيال، وسط المئات من المناصرين الجزائريين المغلفين بالأعلام والرايات الوطنية.