فضيحة ” النهار” تواصل نشر وثائق وتقارير سريّة تفضح المسؤولين في مشروع بناء 39 مخزنا للحبوب تواصل «النهار» في إطار التحقيق الصحافي الذي أجرته حول قضية مشروع بناء 39 مخزنا عملاقا للحبوب تابعة لمصالح الديوان المهني الجزائري للحبوب، نشر وثائق وتقارير سرية تكشف حجم الفساد المستشري في ديوان الحبوب، ومدى الاستهانة والاستهتار بآلاف الملايير المستنزفة من خزينة الدولة، والتي خصصتها السلطات العليا في البلاد لتأمين الأمن الغذائي للجزائريين، فانتهى المطاف بتلك الأموال الطائلة في جيوب وحسابات الفاسدين والمتواطئين، أو كخردة حديدية التهمها الصدأ. في هذه المرة، تركز «النهار» على مآل المخازن التي جرى تشييدها أو تلك التي توقفت بها الأشغال، وكل ذلك مدعوم بوثائق رسمية، وهو ما ينفي ويكذب الرواية التي ساقها وزير النقل والأشغال العمومية السابق، بوجمعة طلعي، الذي كان رئيسا مديرا عاما لمجمّع «إيميتال»، عندما حاول الزعم بأن إنجاز المجمّع لمخازن الحبوب كان بمثابة نصر للاقتصاد الجزائري. 21 من المئة نسبة تقدّم الأشغال بعد 50 شهرا! تكشف وثائق رسمية وسرية تحصلت «النهار» على نسخ منها وتتعلق بمدى ونسب تقدم الأشغال في ورشاء بناء مخازن الحبوب، عن تأخر كبير في الأشغال بالمقارنة مع مدة خمس سنوات التي استغرقها المشروع الى حد الآن، وبالمقارنة أيضا مع حجم الأموال المرصودة للمشروع التي جرى ضخ نسب كبيرة منها في حساب مؤسسة الإنجاز. وحسب تلك الوثائق، فإن معدل تقدم الأشغال في كامل المشاريع الخاصة بالمخازن الحديدية الثلاثين لم تتعد 21 من المئة، طيلة خمسين شهرا من عمليات الإنجاز، حسبما أظهرته عمليات معاينة ميدانية للمشاريع جرت في الفاتح أفريل الماضي. وتكشف نفس الوثائق أن عمليات الإنجاز في المخازن الحديدية الثلاثين قد عرفت عدة توقفات، وصلت إلى 6 توقفات، مثلما هو الشأن بالنسبة لمخزن وادي ارهيو بغليزان. تقرير المراقبة التقنية: «النوعية رديئة والأشغال بطيئة» ويسجل تقرير أعدته المؤسسة الوطنية للاعتماد والمراقبة التقنية «إيناكت» أن عمليات الإنجاز على مستوى المخازن المعدنية كانت بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب، فضلا عن بطء الأشغال. وفي التفاصيل، يقول التقرير إن الأشغال تواجه عدة مشاكل بسبب عدم قدرة الشركات المتعاقدة والمناولة على مواصلة الأشغال، كما أكد التقرير بأن ديوان الحبوب لم يحترم التزاماته تجاه مشروع اعتمدته الحكومة وتعوّل عليه السلطات العليا في البلاد. وبخصوص وضعية الورشات، فقد أكد التقرير بأن المخازن المعدنية بسعة 10 آلاف و20 ألف طن، على مستوى منطقة عين الكيحل بلخير بالقالة وعين الأربعاء بالبيض وبن سكران في مستغانم وحاسي بحبح وعين الحجل، لم تطرأ عليها أي تغييرات مند مدة بسبب نقص اليد العاملة والمعدات. أما بخصوص مشاريع مخازن وادي الداموس ومشرع الصفا والعطاف وسيدي منصور وماسرة وبشار، إلى جانب مخازن أدرار ووادي ارهيو وموزاية وذراع بن خدة وعين كرشة وعين توتة وتاملوكة وحمادي كرومة ورميلة، فإن نسبة تقدم الأشغال فيها جد متأخرة، وهي بعيدة جدا عن خط النهاية والتسليم حسبما تضيف ذات الوثيقة. وطالبت المؤسسة الوطنية للمراقبة والاعتماد من خلال التقرير مسؤولي ديوان الحبوب بضرورة التدخل العاجل على مستوى المؤسسة المكلفة بالإنجاز، وهي الشركة المختلطة الجزائرية الإيطالية «جيمس باتيسيلو» من أجل تحريك ورشات عن هذه المشاريع ذات الأولوية الوطنية. «سي.تي.سي»: مخازن أم البواقي «راشية» ومهدّدة بالانهيار وبالنسبة لمخازن الحبوب الإسمنتية المصنوعة من الخرسانة، فإن الهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء بالشرق «سي.تي.سي شرق» فجرت فضيحة لا تقل خطورة عن سابقتها المتعلقة بالمخازن المعدنية، حيث تقول «سي.تي.سي» بعد إجراء مراقبة تقنية بتاريخ 28 مارس الماضي، على مستوى ورشات مشاريع مخازن تاكساس بسيقوس بولاية أم البواقي، والتي تم خلالها مراقبة مخزن سي 12 وسي 13 وسي 14، عن عدم مطابقة هذه المخازن لمعايير البناء والمخطط المتفق عليه. وكشف تقرير «سي.تي.سي» الذي تحوز «النهار» على نسخة منه، عدم وجود إطارات معدنية على مستوى المناطق العقدية أو مناطق الارتباط، بالإضافة إلى النقص في الفراغات بين المخازن، وهو ما يستلزم تصحيح الوضع وإصلاحه حسبما ينص عليه المخطط، ويضيف تقرير «سي.تي.سي» أن عملية المراقبة أثبتت نقصا في استخدام المواد المدعمة خاصة الإسمنت المسلح والطلاء المضاد للتآكل، وهو ما يهدد بعض هذه المنشآت بالانهيار في وقت لاحق. أما بخصوص الخبرة التي تم إجراؤها على مستوى غرف التخزين بنفس موقع التخزين، فيقول تقرير هيئة «سي.تي.سي» إن أعوان الرقابة لم يتمكنوا من مراقبة الأسطح، لعدم وجود الإمكانيات للقيام بذلك، وبخصوص الممر المؤدي للخزنة وغرفة التخزين الرئيسية على مستوى المخزن، فقد تم إبلاغ المسؤولين على مستوى الورشة بضرورة إطلاق الأشغال فيه. ويؤكد تقرير هيئة المراقبة على ضرورة إصلاح ومراجعة كل التحفظات التي تم إبداؤها في الخبرة، واحترام كل ما هو منصوص عليه في المخطط، نظرا لأهميته وخطورة الأخطاء المرتكبة على مستوى هذه المخازن. «باتيسيلو» تتنصّل من المسؤولية وتمسح الموس في «إيناكت» تحوز «النهار» على وثيقة هي عبارة عن مراسلة صادرة عن مؤسسة الإنجاز الجزائرية الإيطالية «باتيسيلو» المكلفة بإنجاز 30 مخزنا معدنيا على المستوى الوطني. وحسب المراسلة المؤرخة يوم 13 ماي الماضي، فقد راحت مؤسسة الإنجاز تحاول التنصل من مسؤوليتها في الأخطاء المسجلة والتأخرات المرصودة، وحاولت أيضا تحميل المسؤولية للمؤسسة الوطنية للمراقبة والاعتماد «إيناكت»، حيث دعتها إلى ضرورة إعلامها بالنتائج المحققة في عملية المراقبة التي أجرتها على مستوى موقع بلخير بڤالمة، بعدما رفعت عددا من العينات لمعادن استخدمت في بناء المخازن. «إيناكت» تكشف فضيحة أخرى.. مخازنكم أكلها «التزنجير» أصدرت المؤسسة الوطنية للاعتماد والمراقبة التقنية تقرير خبرة في 30 أفريل الماضي، يخص نتائج عملية معاينة لمشروع بناء مخزن بلخير في ڤالمة. وجاء في التقرير المدعم بالصور حقائق صادمة تكشف عن العثور على بقع واسعة من الصدإ في المخازن المعدنية، حيث أكدت عمليات المراقبة التقنية بأن شروط البناء وتهيئة المعادن التي تشكل هياكل المخازن لم يجر احترامها من قبل الشركة المكلفة بالإنجاز، على الرغم من التحفظات المتتالية التي جرى إبداؤها منذ سنة 2016. وأكد تقرير الخبرة بأن أبرز المخالفات المرتكبة قد تم تسجيلها فيما يتعلق بالتغليف والمعالجة والترتيب، وهو ما أدى إلى ظهور الصدإ الأبيض على مستوى العديد من الهياكل والمعادن، تلته في مرحلة لاحقة ظهور صدإ أسود اللون مصحوب ببقع طفيلية، وهو ما يمكن أن يشكل خطرا على البقوليات والحبوب المحفوظة على مستوى هذه المخازن. وأكدت المؤسسة الوطنية للاعتماد والمراقبة التقنية بأنه يتوجب تعيين خبير في التغذية لتحديد ما إذا كانت هذه المخازن تشكل خطرا على الحبوب المحفوظة بها أم لا، فضلا عن إخضاع هذه الهياكل الداخلية التي تلامس الحبوب إلى عملية خبرة لكشف مدى تضرّرها، خاصة طبقات مادة الزنك. مستشار المدير العام لديوان الحبوب هارب من العدالة! مثلما يقول المثل الشعبي «المال السايب يعلم السرقة»، فإن مصالح ديوان الحبوب وسط كل تلك المراسلات والتقارير التي أصدرتها مكاتب وهئيات المراقبة التقنية «إيناكت» و«سي.تي.سي شرق»، في ظل إصرار الشركة المختلطة الجزائرية الإيطالية على الكذب والتنصل من مسؤولياتها، راحت تلتزم الصمت، وكأن الأمر لا يعني منشآتها وأموالها المرصودة من قبل السلطات العليا في البلاد. والأكثر من ذلك، هو أنه وسط كل تلك التأخرات في إنجاز مشاريع مخازن ديوان الحبوب، يصرّ مسؤولو الديوان على التخفي على طريقة النعامة، من خلال وضع رؤوسهم في التراب، أو البحث عن طرق إلهاء وفتح جبهات مع العمال والإطارات الكفؤة والسعي لتهميشها وإبعادها، مع تشجيع المسبوقين في سوء التسيير والفساد والاتكالية على تبوّء المناصب المرموقة والحساسة. وفي هذا الإطار، تحصّلت «النهار» على وثائق تخصّ مستشارا للمدير العام للديوان، ويشغل أيضا منصب أمين عام فدرالية عمال ومستخدمي القطاع الفلاحي، سبق أن تم طرده من الديوان في 2002 بعد تورطه في قضايا فساد. الفضيحة تتلخص في تورط «م.أ» مستشار المدير العام الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب إطار باتحاد تعاونية الحبوب بوادي ارهيو، في الاحتيال على تعاونية الحبوب والخضر الجافة بوادي ارهيو وتعاونية الأغواط، من خلال الاستيلاء على كميات معتبرة من هذه الحبوب من دون أن يدفع مستحقاتها. والأخطر من كل ذلك، هو أن المدير العام للديوان الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير بالنيابة لتعاونية الحبوب والخضر الجافة بوادي ارهيو، قد رفع تقارير ضد إطاره، ثم لجأ لمقاضاته، قبل أن يعينه اليوم مستشارا له. وحسب وثائق بحوزة «النهار»، فإن مبلغ الدين الذي تهرّب مستشار المدير العام من تسديده في عام 2002، تجاوز 600 مليون سنتيم، حيث تم توجيه عدة إعذارات إليه من دون أن يستجيب لها، قبل أن يجري تبليغه عن طريق محضر قضائي، ثم مقاضاته أمام محكمة الجنح بوادي رهيو، إلى غاية صدور حكم بإلزامه بدفع تعويض للتعاونية بسبب التماطل في التسديد. وتكشف تحقيقات «النهار» التي أجرتها حول الموضوع، أن نفس الإطار المستشار مسبوق في عدة قضايا مماثلة، حيث سبق أن صدر ضده في صيف 2007 حكم غيابي من محكمة الرويبة بالسجن 5 سنوات، لتورّطه برفقة 3 متهمين آخرين في قضايا إصدار صكوك من دون رصيد، راحت ضحيتها مؤسسة تحويل المواد البلاستيكية. وتقول مصادر «النهار» في هذا الشأن، إن المتهم الفار من العدالة لم يسجل أي معارضة ضد الحكم الصادر ضده، قبل أن تصدر محكمة الرويبة في حقه أمرا بالقبض.