رئيس مجمّع الخبراء المهندسين: الإدارة تتحرك بعد وقوع الكارثة أجرى الصحفي رشيد كعبوب استطلاعا حول انهيار «عمارة العاشور» لمعرفة الأسباب ورصد المسؤوليات؛ بهدف تحديد ما وقع، والدواعي والأسباب المؤدية إلى ذلك. الاستطلاع شمل الرئيس المدير العام للهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء (سي تي سي) السيد محمد الشريف محمد أرزقي، ورئيس مجمّع الخبراء المهندسين السيد عبد الحميد بن داود؛ حيث حمّل الأول المسؤولية مكاتب الدراسات في عدم المتابعة ورفع تقاريرها إلى الجهات المخولة قانونا بالبناء والعمران، فيما أرجع الثاني المسؤولية إلى تقاعس الإدارات في رصد العمليات والإنجازات التي تتم خارج الرقابة، والتي بلغت حوالي مليون و200 ألف سكن مشيَّدة خارج «الانضباط التقني» والإجراءات المتعلقة بالعمران. الاستطلاع مس أيضا أطرافا أخرى تعمل في نفس القطاع من أهل الاختصاص. الرئيس المدير العام ل «سي تي سي»: مكاتب الدراسات تتحمل أيضا المسؤولية يعترف المسؤول الأول بمجمع الهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء السيد محمد الشريف محمد أرزقي، بأن مكاتب الدراسات تتحمل مسؤولية كبيرة في سلسلة إنجاز المشاريع العمومية، وأن أي خلل في متابعة تجسيد عملية البناء يضع بقية الأطراف على المحك. وأكد المصدر أن مهمة مؤسسة «سي تي سي» تتمثل في كونها تتعاقد مع أصحاب المشاريع وفقما يتطلبه القانون، وأن أول ما تقوم به المؤسسة هو مراقبة المخطط، ومدى احترامه للقوانين التقنية، وأن يكون مرفقا بتقرير الخبرة لدراسة الأرضية محل المشروع، حيث تتم المصادقة أو تسجيل ملاحظات في الملف والتنبيه لنقاط يجب استدراكها. وبشأن مسؤولية «سي تي سي» في مراقبة طبيعة الأرضية، أفاد محدثنا بأن تقرير المخبر يكون ضمن الملف التقني لأي مشروع، إذ قبل الشروع في صب الخرسانة في أساسات البناية، يتعين على مكتب الدراسات أن يشرك «سي تي سي» في معاينة العملية؛ «يجب أن يكون تقنيونا حاضرين عند استعمال خرسانة الأساس لتفحّص عمق الحُفَر المنجزة لوضع الأساسات، والتأكد من مطابقة ذلك لتقرير مخبر تحليل الأرضية»، مضيفا: «عندما يكون تقنيونا حاضرين لعملية صب أولى كميات الخرسانة بالأرضية، «نسائل» مكتب الدراسات المشرف على متابعة المشروع بشأن عمق الحفر، ونقوم بتدوين الملاحظات لتستمر عملية المراقبة من طرفنا مرة كل ثلاثة أسابيع على الأقل. لا نستطيع توقيف أي مشروع، ومهمتنا تنحصر في تسجيل تقارير وملاحظات المقاولين الكبار، لهم تجهيزات قياس نوعية الخرسانة قبل استعمالها. والمقاولون الصغار نقوم بتعليمهم استعمال هذه التجهيزات وعدم الاستغناء عنها». وعن محاولات توريط «سي تي سي» فيما حدث بالعاشور أوضح محدثنا أن مصالحه حذّرت «كتابيا» صاحب تعاونية «إيموهات» من مغبة تجسيد مشروعه بدون حماية ملك التعاونية المجاورة «سوبيراف»، ولكنه لم يلتزم بذلك، وواصل الأشغال إلى أن وقعت الكارثة، مضيفا أنه كان من المفروض على مكتب الدراسات المتابع للأشغال، أن يأمر مقاولة الإنجاز بتشييد «جدار سند» للحيلولة دون انزلاق التربة ووقوع كل ما هو مشيَّد بالأرضية المجاورة. ويذكر محدثنا أن حادثة سقوط عمارتين في طور الإنجاز بالعاشور، يحمّل المسؤولية الكبرى مكتب الدراسات المكلف بمتابعة أشغال الإنجاز لتعاونية «إيموهات»، قائلا: «كان من الواجب على مكتب الدراسات المتابِع لسير الأشغال، أن يأمر مقاولة الإنجاز لنفس التعاونية التي قامت بحفر الأرضية، بحماية العقار المجاور، وذلك بتشييد «حائط دعم» لمنع انزلاق التربة وتضرر الأرضية المجاورة وما فوقها من بنايات بتعاونية سوبيراف لصاحبها صحراوي، ولكن يضيف السيد محمد الشريف تقرير الوزارة أكد أن مكتب الدراسات لم يقم بدوره على أكمل وجه رغم أن ذلك يدخل في صلب عمله، مما جعل الكارثة تحدث. ويؤكد مسؤول «سي تي سي» في هذا الصدد، أن مسؤولية مكاتب الدراسات بالغة الأهمية، مما يتطلب من مؤسسات الإنجاز اختيار الأكثر كفاءة وخبرة، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يعطَى مشروع بناء عمارة من 10 طوابق لمكتب دراسات به مهندسون وتقنيون حديثو التجربة. كما ينتقد محدثنا نشاط مخابر تحليل الأرضية، محمّلا إياها جزءا من المسؤولية في قضية العاشور، في إشارة إلى كون المخبر الذي قام بدراسة أرضية مشروع تعاونية «إيموهات لبناء 60 سكنا ترقويا والذي نصح بحفر الأرضية، كان عليه القيام بواجب تنبيه صاحب المشروع إلى ضرورة حماية العقار المجاور بعد تعميق الحفر تحت مستوى أرضية تعاونية «سوبيراف»، التي شيّدت مساكن بدون رخصة بناء، حسبما ذكر تقرير لجنة وزارة السكن والعمران، التي كان أحد أطرافها مركز «سي تي سي». تبون يستمع لانشغالات هيئة المهندسين المعماريين اجتمع وزير السكن والعمران والمدينة، السيد عبد المجيد تبون، يوم الخميس الماضي، مع أعضاء المجلس الوطني للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الجزائريين، لتبادل وجهات النظر حول دور الهيئة «كشريك» في تجسيد البرامج السكنية. وأوضح بيان أصدرته الوزارة أمس (السبت) أنه تم خلال الاجتماع، عرض انشغالات الهيئة التي أبدت «ارتياحها العميق» للتحسينات التي يتضمنها المرسوم التنفيذي الذي يحدد كيفيات دفع أتعاب الاستشارة الفنية في مجال البناء، والذي يضفي قيمة مضافة لعمل المهندس المعماري. كما أبدى أعضاء المجلس الوطني استعدادهم لمرافقة القطاع بغية تجسيد مختلف البرامج المسطرة، بالنظر إلى التسهيلات التي تم توفيرها لفائدة الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الجزائريين، التي تعتبر «قوة اقتراح فعالة في كل ما ينجز»، حسب المصدر. من جهته، أثنى السيد تبون على الدور الريادي الذي تلعبه الهيئة، مبديا إرادته في إرساء قاعدة للتشاور تهدف إلى تنظيم مهنة المهندس المعماري بما يضمن الفعالية في الأداء والمشاركة القوية في كل المشاريع التي تقرها الدولة، يضيف البيان. امحمد حديبي خبير في الهندسة المعمارية: لا جدوى من معاقبة المخالفين بدون رؤية استراتيجية أكد المهندس المعماري السيد امحمد حديبي والبرلماني السابق في المجلس الشعبي الوطني بشأن حادثة سقوط عمارة في طور الإنجاز بالعاشور، أنه إذا كان «المعني» تجاوز الأطر القانونية ورخص البناء فهو يتحمل المسؤولية ويطبَّق عليه القانون، لكن أن تقوم السلطة الإدارية بالمعاقبة بدون وضع رؤية استراتيجية لتطوير القطاع وتبقيه على حالة «الفلتان» التقني والإداري بدون تكوين ورسكلة حتى مؤطريها في الإدارات من الجوانب التقنية والهندسية والإدارية، فهذا هو عين الخطأ الذي تتحمله السلطات الوصية، التي يتعين عليها مواكبة تطورات العصر التكنولوجية في نظم البناء ومعايير الجودة والسلامة والأمن، وعدم الإبقاء على طريقة البناء الكلاسيكية التي تعود للقرن الماضي. ولا يعتقد محدثنا أن المصالح المعنية ستعيد النظر في نشاط المكاتب والمقاولات والمرقين، لكون القوانين الموجودة كافية لضبط كل شيء، لكن المشكل في مدى تطبيق طاقم كفاءات الإدارة القوانين بدون إدخال حسابات خاصة، مشيرا إلى أنه لم تسجَّل وقائع بحجم ما حدث في العاشور ما عدا عمارة أخرى يتذكرها، سقطت بسبب ظروف الطبيعية تحت عوامل غير مقاومة لها. ويؤكد المصدر أن الكثير من الأخطاء تُرتكب إداريا لعدم قدرة التقنيين على مراقبة المخططات ودفاتر شروط نظم البناء في منح عقود رخص البناء، وهو مشكل كبير أيضا؛ لأنه لا يوجد استقرار في الإطارات الكفأة في الإدارة وكثرة التغييرات حسب «مزاجية» الأشخاص المسيرين خارج رقابة قوانين الإدارة المركزية، ولذلك فإن الإدارات غالبا ما تقوم بتوكيل إمضاء عقود البناء لتقنيّين ضعفاء غير أكفاء لتمرير ملفات بها أخطاء قد تُطلب من الفوق. وعن سؤال عن مسؤولية المنتخبين بمختلف المجالس البلدية الولائية والغرفتين في مثل هذه الحالات، أكد محدثنا أنهم أسوأ منهم؛ لأنهم لا يعرفون القوانين وليس لهم مستشارون قانونيون في العمران، يكشفون لهم الأخطاء المرتكبة، ولذلك فلجنة التعمير هي أداة لتمرير الأخطاء وغير الأخطاء لا تعلم ما تفعل. مدير مركز الأبحاث المطبّقة في هندسة البناء المضاد للزلازل: لا تعليق لي خارج ما نشرته الوزارة في الصحافة رفض المدير العام للمركز الوطني للأبحاث المطبقة في هندسة مقاومة الزلازل السيد محمد بلعزوقي، التعليق عما حدث في العاشور، وإبداء رأيه في نشاط مكاتب الدراسات التي تم توجيه أصابع الاتهام لها من طرف عدة جهات، خاصة من طرف مصالح «سي تي سي» التي كانت طرفا في اللجنة التي شكّلتها وزارة السكن والعمران والمدينة مؤخرا لتقصّي الحقائق في حادثة سقوط عمارتين بالعاشور في طور الإنجاز. وأشار السيد بلعزوقي إلى أن هيئته طرف هام قالت كلمتها وأبدت رأيها في عملية التفتيش التي قامت بها في الميدان بعد وقوع الحادثة، قائلا: «ليس لدي ما أقوله.. ما لاحظناه كطرف تقني، أننا قدمنا ملاحظات للوزارة.. ومهمتنا تنتهي عند هذا الحد»، رافضا الحديث عن واقع مكاتب الدراسات أو نشاط المرقين في هذا المجال. بوداود رئيس مجمّع الخبراء المهندسين: الإدارة لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة أوضح رئيس مجمع الخبراء المهندسين السيد عبد الحميد بن داود ل «المساء» بشأن الأخطاء التي تقع في عملية البناء والتعمير، أنه من المفروض أولا أن تكون عدة أمور واضحة لكل من يريد أن ينجز مشروعا عقاريا، ومنها وجوب اطلاعه على الخريطة الجيولوجية المعروفة، وأن يقوم بدراسة التربة، ويكون له مخطط معماري ينجزه المهندس، ووجود مكتب دراسات يتابع الأشغال. يعتبر الخبير بوداود مكتب الدراسات «بيت القصيد» أو «مربط الفرس» في سلسلة الإنجاز، قائلا: «ضروري أن يكون تقنيو مكتب الدراسات حاضرين في الورشة يتابعون الأشغال بدقة وفق العقد المبرم، مستغربا وجود مقاولين لديهم مشاريع ضخمة تفوق قيمتها 5 ملايير سنتيم ولا تتوفر ورشاتهم على مخابر متنقلة لتفحّص المواد المستعملة، هذا الأمر يجب أن يطبَّق بدقة، مثلما يجب على الإدارة عند اجتماعها بالمرقي والفرقة التقنية، أن تحدد النقائص، ولا يُسمح بمواصلة الأشغال إلا باستدراكها...، هكذا يجب أن تتم الأمور، ويمكن أن نتّقي حدوث أي مخاطر أو كوارث»، مضيفا أن من المفروض على كل من يقوم بأشغال بناء، أن يتعاقد مع مهندس يكلَّف بمتابعة الأشغال، «هذا الأخير يتحمل المسؤولية يوما ما أمام العدالة عندما يحدث أي خطأ أو خلل في الإنجاز». وفيما يخص حادثة العاشور أكد محدثنا أن الوزارة لم تشرك الخبراء في إبداء رأيهم في هذا الملف، وأنه كان من المفروض ألا تسحب الاعتماد من المرقي العقاري صحراوي، لأنه قام بتبليغ الإدارة، ورفع دعوى ضد صاحب تعاونية «إيموهات». وفي هذا الإطار أكد محدثنا أن المجمع الوطني للخبراء المهندسين الذي يرأسه، اكتشف بعد عملية التفتيش أن الإدارة لم تلعب دورها منذ 2014؛ كانت في «نوم عميق» ولم تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة، مثلما حدث بالنسبة للبنايات الفردية، حيث لم تتحرك الجهات الوصية إلا بعد أن وصل عدد البنايات إلى 1.2 مليون وحدة. ويعترف محدثنا بأنه طلب من مصالح «سي تي سي» إطلاعه على الإعذارات التي أرسلتها هذه الهيئة الرقابية، ولكن ذكروا له ذلك شفهيا بدون إطلاعه على المكتوب.