شيعت بعد ظهر أمس جنازة المدير العام للأمن الوطني المجاهد علي تونسي بمقبرة العاليا، بعد أن صلى عليه مئات المشيعين صلاة الجنازة بمسجد حي مالكي ببن عكنون، وسط حضور كل أعضاء الحكومة وكبار مسؤولي الجيش الوطني الشعبي والأمن الوطني في جنازة مهيبة وموكب كبير، لم تتسع له مقبرة العاليا بالعاصمة، شيعت أمس جنازة شهيد الواجب الوطني العقيد علي تونسي، المدير العام للأمن وسط حزن شديد من أهله وقياداته الأمنية ومعارفه والأسرة الثورية، وتقدم المشيعين الوزير الأول أحمد أويحيى ووزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، إلى جانب كل الطاقم الحكومي وكبار المسؤولين في المؤسسات العسكرية والمدنية، وممثلي المجتمع المدني والأسرة الرياضية، كون الفقيد كان رئيس الإتحادية الوطنية للتنس ونائب رئيس اللجنة الأولمبية، وقد وصل جثمان الفقيد على متن سيارة إسعاف تابعة للأمن الوطني في جو ملؤه الحزن، وكأن الرجل ورغم مفارقته للحياة، إلا أنه ظل متمسكا بالبساطة وكرهه للبروتوكولات، وقد تكفلت فرقة من أعوان الأمن حمل النعش وإخراجه من السيارة، قبل أن يكسّر ذلك الهدوء الرهيب أحد أبناء الفقيد وهو يبكي، وقد تبع النعش المحمول على أكتاف الشرطة المشيعين يتقدمهم الوزير الأول أحمد أويحيى ووزير الداخلية يزيد زرهوني، إلى جانب عائلة الفقيد مسبوقين بنجله وشقيقه المجاهد، وقد تلا العميد الأول لخضر دهيمي مدير التكوين على مستوى الوحدات بالأمن الوطني، الذي ذكّر الحضور بخصال الرجل وتفانيه وإخلاصه في خدمة الوطن منذ شبابه، حيث التحق بصفوف الثورة في 57، وأسس مصلحة الإستعلامات وطورها، كما ترأس الرياضات العسكرية إلى غاية سنة 1984، ثم مديرا للمدرسة العسكرية لعلوم مساحات الأرض، وبعدها عين قائدا للناحية العسكرية الرابعة، قبل أن يحال على التقاعد برتبة عقيد سنة 1988. وقد بدا العميد الأول متأثرا ودمعت عيناه، وهو يودع الزميل والصديق والقائد الباسل، وهي النبرات التي أبكت الكثير من الحضور. مآثر العقيد تقاسم ميلاد النبي الكريم في درس الجمعة خصص إمام مسجد حي مالكي درس الجمعة لنهار أمس، في جزئه الثاني بعد الأذان الأول، للحديث عن مآثر المجاهد الفقيد علي تونسي، حيث قال أن وفاة الراحل في ليلة مباركة، وهي ليلة الجمعة وليلة ذكرى ميلاد سيد الأنام محمد الكريم عليه الصلاة والسلام، وقال أنه من علامات حسن الخاتمة وكونه يلاقي ربه في يوم الجمعة سيد الأيام وعيد المسلمين، ورغم أن كلمة الإمام مرتجلة ولم تكن محضّرة من قبل، إلا أنها كانت ملمّة بخصال الرجل الذي جمع بين الجهاد في سبيل الله والوطن، وكذا ثورة البناء والتشييد، وطلب الإمام من جموع المصلين الدعاء له بالرحمة والجنة. وكان الشهيد أصيب بطلقات نارية من مسدس مدير الوحدات الجوية للأمن الوطني العقيد شعيب أولطاش، بعد إنهاء تونسي لمهام أولطاش. سامي. س وداعا...سي الغوثي ألقيت أمس، في القاعة الشرفية للمدرسة العليا للشرطة بشاطوناف، النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد ''سي الغوثي''، المدير العام للأمن الوطني، من قبل أفراد عائلته وأعضاء من الطاقم الحكومي وبعض كبار إطارات الدولة، إلى جانب موظفي الأمن الوطني وممثلين عن السلك الدبلوماسي في الجزائر، قبل أن يشيّع إلى مثواه الأخير بمقبرة ''العالية'' في باب الزوار، بعدما توفي أول أمس الخميس عن عمر يناهز 73 سنة. وساد منذ الساعات الأولى لصبيحة البارحة، جو مهيب عبر كامل أنحاء العاصمة، وبالخصوص، على مستوى المدرسة العليا للشرطة في شاطوناف، التي كانت تستعد لاستقبال جثمان العقيد ''علي تونسي'' الذي فارق الحياة في مكتبه بعد 15 سنة من التفاني في خدمة سلك الشرطة، ووسط إجراءات أمنية جد مشددة، طالت التفتيش الدقيق للمحافظ والحقائب اليدوية، بما فيها تلك الخاصة بالنساء، ممن تواجدن في المكان، وفي حدود العاشرة ونصف، وصل موكب جثمان الفقيد تتوسطه سيارة ''الإسعاف'' التابعة للمصلحة الإستشفائية للأمن الوطني، مطوقة بسيارتين للشرطة. وتزامن إدخال جثمان المرحوم إلى القاعة الشرفية، مع وصول نور الدين يزيد زرهوني، وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية، الذي تقدم بخطى ثابتة ووجه شاحب لإلقاء النظرة الأخيرة وأداء واجب العزاء لعائلة الفقيد، حيث لم تمضِ ثوان بعدها، حتى امتلأت القاعة على آخرها بعدد من إطارات الأمن ومختلف الأسلاك، على غرار الدرك والجمارك، إلى جانب الحماية المدنية، وكذا المقربين من المدير العام وأصدقاء العائلة، فضلا عن جمع من الولاة الذين توافدوا بكثرة على المدرسة. واستمر وصول الوفود مع حلول كل من عبد العزيز بلخادم، الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية ومراد مدلسي وزير الشؤون الخارجية، واللذين تبعهما عبد العزيز زياري، رئيس المجلس الشعبي الوطني، قبل أن يلتحق بالقاعة الشرفية للمدرسة العليا للشرطة، ممثل عن السفارة الفرنسية في الجزائر، مرفقا بالملحق العسكري، كما تواجد أمس في المدرسة، السيد عز الدين ميهوبي، كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالإتصال، وكذا النائبة البرلمانية وعضو مجلس الأمة، الوزيرة السابقة زهية بن عروس. وبعد أن ألقى المقربون وأصدقاء الفقيد النظرة الأخيرة على جثمانه، أدى له عدد من أعوان وعناصر الشرطة إلى جانب متربصي المدرسة التحية العسكرية. خالد/ت ''سي علي'' مات واقفا جاهد من أجل استقلال الجزائر وهو في سنّ مبكرة، وبقي يجاهد من أجل سلامة الجزائر وأبنائها إلى آخر لحظة من حياته، استشهد وهو في مكتبه يؤدي مهامه من أجل حماية مصلحة البلاد والعباد، علي تونسي ذلك المجاهد، ذلك الإطار السامي في الدولة، ذلك الشخص المتواضع. ولد قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وقبل اندلاع حرب التحرير، لم يكن يدري أن مسقط رأسه سيكون بالجزائر، وأنه سيهب نفسه للدفاع عنها وعن مصالحها، عام 1937 ليس كباقي الأعوام، لا لشيء سوى لأنه أنجب رجلا بعين لا تنام، رجل يفضل الوقوف على الجلوس، رجل يحب الجزائر مستقلة لا مستعمَرة، يحب أن يرى الجزائر تضرَب بها الأمثال، يحب الجزائر دون صراعات وتوترات داخلية ودون فساد أيضا، الرغبة في وضع حد للفساد لم تكن بالأمر السهل، بل إنها مهمة أكثر من صعبة كلفته غاليا، ووضعت حدا لحياته. علي تونسي ولد مجاهدا وتوفي شهيدا، التحق بصفوف جيش التحرير وهو طالب بثانوية مكناس بالمغرب، وعمره لم يتجاوز العشرين عاما، سنتين من بعد وقع ''الشهيد'' المعروف باسم ''الغوثي''، أسيرا لدى جيش الإستعمار، وكان آنذاك برتبة ملازم في الناحية الخامسة بسيدي بلعباس، وبعد توقيفه تم نقله إلى مصالح الأمراض العقلية لمسرغين وبودان وبوخنيفس، ليتم بعد ذلك اعتقاله بسجن وهران. أشرف ''سي الغوثي'' غداة استقلال الجزائر، على إنشاء وتنظيم مصالح الأمن العسكري وهو المنصب الذي تولاه إلى غاية 1980، تتويجا لما قدمه من أجل حرية وسيادة البلاد، ليشغل بعد ذلك منصب مدير الرياضات العسكرية لمدة أربع سنوات، ثم مديرا للمدرسة العسكرية لعلوم مساحات الأرض، فقائدا للناحية العسكرية الرابعة، قبل أن يحال على التقاعد برتبة عقيد، وكان ذلك عام1988. الشهيد تونسي ''أب لثلاثة أطفال''، لم تحصَر مهامه فقط في القطاع العسكري، بل تعدتها إلى الرياضي، حيث كان أحد الفاعلين والمسيرين للحركة الرياضية الوطنية عندما شغل منصب رئيس الإتحادية الجزائرية للتنس لمدة خمس سنوات، ونائبا لرئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية، إلى أن استدعي في منتصف العشرية الحمراء، وبالتحديد في 1995، ليعين على رأس قطاع جد حساس، في فترة كانت فيها لغة الرصاص المسيطر الأكبر في الجزائر. 15 سنة مديرا عاما للأمن الوطني، عرف خلالها سلك الأمن تطورا وانتعاشا ملحوظين إلى أن فارق الحياة، وهو يؤكد على الإستمرار في انتعاش السلك، الذي أشرف على إدارته، وعلى يد إطار كان يتلقى أوامر السي الغوثي، للمساهمة في الدفع بالأمن الجزائري إلى الأمام. حبيبة محمودي