يتطلب العثور على طبيب ذي خبرة وقتا كبيرا، إذ لا يختار المواطن الجزائري طبيبه المعاين إلا بعد رحلة طويلة من التقصي والبحث المرير، نظرا إلى كثرة الأخطاء الطبية المرتكبة من طرف ممارسين أكل الدهر عليهم وشرب على تحصيلهم العلمي الذي تجاوز 3 عقود، مما يجعلهم متخلفين عن مسايرة ووصف كل ما استجد في مجال الطب، بالمقابل يقع المريض ضحية تشخيص تقريبي في غير محله، يتسبب في تعقيد حالته الصحية تصل إلى حد الوفاة في بعض الأحيان. يأتي ذلك في ظل غياب قوانين تحدد مدى قدرة الطبيب المعاين على ممارسة مهنة الطب، بحكم أنه تخصص متجدد، بالإضافة إلى غياب دورات تكوينية متخصصة من شأنها إعادة تكييف تحصيل الأطباء مع المستجدات. دخل المستشفى بقدميه وخرج على كرسي متنقل! وفي حديث أجرته ''النهار'' مع العديد من ضحايا الأخطاء التي تسبب فيها أطباء جزائريون، أفادت » ب.ح « أنها منذ أكثر من 20 سنة وهي تعالج ابنها من مرض الصرع، لدى طبيب أعصاب مشهور في الجزائر العاصمة، لكن منذ حوالي سنة عمد الطبيب المعالج إلى تغيير وصفة الدواء التي كان يصفها لابنها في كل 6 أشهر، فإذا في حالة الضحية تسوء يوما بعد يوم، وأمام الوضعية الحرجة التي آلت إليها صحته، استلزم الأمر إدخاله بشكل عاجل إلى مستشفى ''لمين دباغين'' الجامعي، حيث بقي هناك عدة أشهر وقالت لنا: ''عرضت ابني على طبيبه لكي يصف له الدواء الذي اعتاد على تناوله منذ صغره، فإذا بهذا الأخير تسبب في إعاقته.. لقد أخرجت ابني من المستشفى في كرسي متنقل''، وأردفت موضحة: ''حاولت الإتصال بالطبيب لإخباره عن حالة ابني قبل أن يدخل المستشفى، لكنه أخبرني أن حالات الصرع الكثيرة التي كانت تصيبه أمر عادي ناتج عن تغيير الدواء فقط''، لكن الأم لم تثق في تشخيصه، وطريقة حديثه التي كانت توحي بأنه لم يكن في حالة طبيعية، حيث كان يتحدث إليها بعصبية وينسى ما كان يقوله، فما كان منها سوى عرضه على طبيب آخر أمر بإدخاله إلى المستشفى بسبب حالته الخطيرة. أطباء يشخّصون أمراض زبائنهم عن طريق الكتب! ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، حيث كشفت لنا » غ.ف «، أنها اضطرت إلى زيارة الطبيب بعد تعرضها إلى تعقيدات صحية خطيرة بسبب إصابتها بداء السكري، لكنها لم تحظ بمعاينة عادية، إذ تمت عن طريق كتب الطب، وبالرغم من أن أصابع قدمها اليسرى، كانت تسودّ شيئا فشيئا، إلا أن الطبيب طمأنها من أن حالتها الصحية مستقرة، ولكن بمرور الوقت ازدادت حالتها سوءا، واضطرت إلى دخول المستشفى لتبتر رجلها لإصابتها ب» الغرغرينا «، وقال لها الطبيب المعالج إنه كان يمكن تفادي ذلك لو تم التدخل في وقت مبكر، وما أكثرها الحالات المماثلة، حيث أصيبت » ح.ب «، التي تبلغ من العمر 20 سنة، بالتهاب حاد في العين، بسبب قيام طبيب الأسنان الذي كان يعالجها بوسائل بدائية أكل عليها الدهر وشرب، بتجبيس ضرسها دون تطهيره، كما طالبها بالمداومة على شرب المضادات الحيوية مدة 8 أيام، وخلال تلك المدة تعفن ضرسها وامتد ذلك إلى الأعصاب البصرية، فما كان منها سوى العودة إلى الطبيب، إلا أنه طلب منها أخذ أدوية مضادة للإنتفاخ، وأمام تفاقم وضعيتها الصحية اضطرت إلى مراجعة طبيب آخر أنقذها من خسارة عينها. الدورات التكوينية تتم لفائدة أطباء يعملون لصالح المخابر الأجنبية وفي هذا الشأن، كشف الدكتور بقاط بركاني، أن ما يسمى بالدورات التكوينية التي تتم لفائدة الأطباء، ليست مجرد ترويج لأدوية ومنتجات المخابر الأجنبية، حيث يتلقى الطبيب دروسا في استطبابات الدواء الجديد الذي يطرحه المخبر لا غير، دون أن يتم تجديد معارفهم، وفي هذا الصدد أكد بقاط، على ضرورة تطبيق قانون تجديد المعرفة للأطباء الجزائريين وتحمّل الدولة مصاريف دراستهم وتكوينهم، وهي المسؤولية التي تقع على كاهل وزارة الصحة، وزارة التعليم العالي ووزارة العمل من خلال مصالح الضمان الإجتماعي، وأوضح رئيس العمادة أن السن المحدد لإحالة الطبيب العامل في القطاع العام إلى التقاعد لا يتجاوز 65 سنة، عكس القطاع الخاص أين تمنح الحرية الكاملة للطبيب في مزاولة عمله وتحمله المسؤولية في حال وقوعه في خطإ طبي، أين يخضع في عمله إلى قانون أخلاقيات المهنة الذي ينص على أن مهنة الطب حق وواجب. وأضاف الدكتور بقاط، أن تقاعد الطبيب ليس ضروريا، لأن تحصيله وخبرته تزيد بمرور الوقت، بالمقابل لا يمنع ذلك من تعرضه إلى انهيارات عصبية، وعدم القدرة على العمل، وهو الأمر الذي يفرض على الوزارة الوصية إخضاع جميع الأطباء في القطاع العام والخاص إلى تجديد المعرفة، لتحديد مدى قدرة الطبيب على مواصلة العمل. من جهة أخرى، أشار نفس المتحدث إلى أن الدول المتقدمة وعلى رأسها كندا تعمد إلى سحب الاعتماد من الطبيب، في حال عدم التزامه بحضور الملتقيات والمؤتمرات. وزارة الصحة لا ترد..! كما هي العادة، اتصلنا مرارا وتكرارا بوزارة الصحة على مدار 4 أيام، من أجل تلقي توضيحات حول أسباب عدم تكفل مديرية التكوين ، بإعادة تأهيل الأطباء من خلال دورات متخصصة، فكانت الإجابة ببساطة أنه يجب معاودة الاتصال لاحقا.