شهدت كل شوارع الجزائر أمس منذ الساعات الأولى للصباح هدوء غير معهود في مختلف الشوارع و الأحياء، حيث قلت الحركة في الطرقات ،الحافلات و حتى القطارات،فقد كان هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة ،فعلى غير العادة لم تزين شوارع العاصمة بالأعلام الوطنية ولما أشارت الساعة إلى العاشرة صباحا شعرت بأنه يوم راحة و ليس يوم عمل بل احد أيام نهاية الأسبوع فلا يخطر ببالك أبدا أن هناك مباراة رسمية مصيرية سيعود بها الخضر إلى المونديال بعد غياب دام 24 سنة كاملة،و التحركات الوحيدة الغير عادية تلاحظها كانت عند أصحاب المقاهي و محلات الأكلات الخفيفة و الصالونات حيث كانوا ينهون آخر الروتوشات والاستعدادات التي انطلقوا فيها باكرا لاستقبال الأعداد الغفيرة من الزبائن المتوقع حضورهم ابتداء من صفارة انطلاق اللقاء و كانت بعض الزبائن قد حجزوا أماكنهم في المقاهي منذ الساعات الأولى للصباح حيث أكد لنا ارزقي وهو مالك لمقهى في احد الشوارع الرئيسية للعاصمة بأن عمليات تنظيف و تزين و ترتيبات خاصة لمشاهدة المباراة الأولى للخضر بدأت منذ أيام عديدة و قد قام بإضافة الكثير من الطاولات و الكراسي التي استأجرها خصيصا من اجل اللقاء لان متجره يقع بمنطقة مكتظة بالمؤسسات التي لن يستطيع عمالها ترك مناصبهم للعودة إلى البيوت من اجل مشاهدة اللقاء المصيري لأشبال سعدان و أكد لنا قيام بعضهم بحجز المكان منذ أكثر من أسبوع . 11.30 لحظة الانفجار ...كل الطرق مغلقة و الهربة لمن استطاع من العمل بعد حوالي الساعتين بدأت الحركة تعرف انتعاشا كبيرا في اكبر شوارع العاصمة و انقلب المشهد إلى النقيض تماما حيث انفجرت كل الطرق من و إلى العاصمة بأعداد كبيرة من السيارات و المارة الذين يبدوا عليهم التوتر و الخوف من تضييع الموعد المنشود ،فالكل مسرع في جميع الاتجاهات و لاشيء يعلوا على صوت أبواق السيارات و الوجهة للجميع كانت "القهوة تاع الحومة" مثلما قال احد المارة الذي كان يخاطب على الهاتف احد أصدقائه و طلب منه حجز مكان له عند مقهى" عمى براهيم" عبر الهاتف و التحضيرات تجرى على قدم و ساق وسط نوع من الفوضى و الصخب لان جميع الأماكن في المقاهي محجوزة بحلول منتصف النهار،و ما يزيد من صعوبة الأمر بالإضافة إلى ضغوط العمل هي نقص المساحات المفتوحة للأنصار و الشاشات العملاقة بسبب إجراء اللقاء صباحا لذالك فالوجهة المفضلة كانت المقاهي للجميع ، و الكل يسال "ياخو..وين تشوف الماتش؟ "كاين كاش واحد عندوا قهوة مليحة و مافيهاش غاشي هنا؟"،"أنا نروح للحومة و" انشاله نلحق فالوقت"و مع اكتظاظ الشوارع أكثر قبل ربع ساعة من البداية فظلنا العودة للسيارة و التوجه لأحد الأحياء الشعبية لمعايشة الأجواء الحقيقية التي تصاحب مباريات الخضر في شوارع المدينة العتيقة. الحيطيست ،الخدامين ،الطلبة،التجار و حتى رجال الأمن ...الكل عند عليلو القهواجي مررنا خلال تجولنا عن قصد بأغلب الأحياء الشعبية للعاصمة التي سرعان ما عاد إليها الهدوء الذي يخترقه هتاف المشجعين و الأنصار و صوت موسيقى آلة الفوفوزيلاس من ملعب بولكوان ،ومع بداية اللحظات الأولى اللقاء لا تسمع سوى الأصوات ترتفع من المقاهي المنتشرة في كل مكان و الجميع يفتش عن مكان لمشاهدة اللقاء لان كل المقاهي و محلات الوجبات الخفيفة مملوءة بالجماهير المتعطشة لرؤية رفقاء زياني في أول ظهور رسمي لهم بعد لقاءاتهم الودية و استقر بنا المقام في احد مقاهي الأحياء الشعبية شرق العاصمة جذبنا إليه كثرة الجماهير التي كان بعضها يصل حتى الخارج على امتداد عشرات الأمتار و في داخلها تلفزيون من الحجم الكبير و مكبرات الصوت التي وضعت قرب السيارات خارجا في ديكور بسيط و رائع يبدوا جليا أن التحضير له كان منذ مدة، فتوغلنا في صفوف الجماهير الغفيرة التي كانت تطالبنا بالابتعاد عن مجال الرؤية دون الكشف عن هويتنا و تمكنا بصعوبة بالغة من الحصول على مكان في احد الزوايا وسط الحشود لمتابعة كل ما يخص المباراة. الأجواء بدت من النظرة الأولى مشحونة بعد مرور أكثر من ربع ساعة على بداية اللقاء،نوع من التخوف ممزوج بالثقة و الأمل يبدوا جليا على محيا الأنصار:شباب،كهول و حتى شيوخ ضمن الصفوف الأولى ،مزيج متناقض يجمع بين الحيطيست و العمال،الطلبة و البطالين، التجار و اللصوص و حتى رجال الشرطة فظلوا عدم تفويت هذا الموعد الذي لا يتكرر كثيرا واجتمعوا معا عند عليلو القهواجي من اجل معايشة اللقاء في أجواء تعجز الكلمات عن وصفها كأنما نحن في ملعب بيتر موكابا في جنوب أفريقيا. تجاوب مع جميع اللقطات....مزامير الفوفزيلا صرعت الغاشي و دراجي دار الخلايع كرة نذير بلحاج الأولى أدخلت الجميع في جو المواجهة ،الهتاف يدوي و الأرض تهتز بين الأقدام بعد الفرصة الأولى تجاوب مع جميع اللقطات و "الهول بدا" داخل المقهى مع تحرر الجمهور الذي كان متخوفا بعض الشيء في الدقائق الأولى بسبب كل ما قيل عن منتخب سلوفينيا و قوته الكبيرة لكنه سرعان ما استعاد الأمل و الثقة برفقاء المتألق زياني و دوت الأهازيج و التصفيقات التي لم تتوقف بعد كل هجمة لأبناء سعدان كما أن مزامير الفوفزيلاس الجنوب افريقية و عبارات "لا يا عنتر ،لا يا حليش،اووو..." كان لها وقعها الخاص على الجماهير التي أزعجتها الأولى و أرعبتها الثانية ما جعل البعض يطالب حتى بإسكاتها و الإبقاء على الصورة و الفرجة التي صنعها "مليك ياماها" في المقهى فقط لأنها "تطلع السكر" وتصم الآذان حسب يونس الشاب في الثلاثينيات من عمره الذي كان بجواري و لم يستطع تحملها ،كما أكد لي انه هرب من العمل و "خلاها هاملة" بسبب عدم التسريح له بالخروج و رغم ذالك أصر على العودة إلى حيه رغم كل ما قد يحدث له و قال:"إنشاء الله يكون فيها خير،و المكتوب بيد ربي اللي صار يصير"،كما أن احد رجال الأمن خاطبنا مازحا "يا النهار عندي 3 اطفال" لينفجر كل الحضور ضاحكين في أجواء من البهجة لا تعرفها سوى الجماهير العاشقة للخضر و التي يتمناها أي منتخب، تواصلت بها هذه الأمسية المميزة على تعليقات كثيرة بخصوص كل اللقطات:"جبور ثقيل"،"بلحاج تزوج"،"يا زياني باسي"،"قادير ..مطمور قدامك"،"تسديدة يحي تقول رقم 18 درباتوا سيارة ماروتي...إلى غيرها من التعليقات التي زادت من زينة القعدة مع أنصار الخضر . نهاية الشوط الأول...انطلاق التحليلات،التوقعات من مدربي المقاهي مع نهاية الشوط الأول بتفوق نوعى لرفقاء زياني رغم التعادل ارتقت أمال و أحلام عشاق الخضر و بدأ عمل فلاسفة كرة القدم و مدربي المقاهي الجزائرية فكل واحد يدعى معرفته بشؤون الكرة و يعبر عن أفكاره و تحليلاته للشوط الأول و يضع توقعاته لنتيجة الشوط الثاني و التغيرات التي يجب إدخالها لتحقيق الفوز أمام منتخب سلوفيني اجمع الكل على ضعف مستواه ،في جو متناقض من الحوارات الأخوية تارة و العنيفة تارة لإثبات الأفضل فهذا يرشح دخول بودبوز لتحقيق الفوز ،و الأخر يؤكد على قديورة و غزال لتدعيم الوسط و الهجوم ، و الجميع متفائل بتسجيل الأهداف و الفوز باللقاء ،كما أكد عمي على صاحب المقهى و الذي كان يراقب كل شيء من مكانه في الزاوية قرب التلفاز رفقة بعض أصدقائه حيث أبدى تخوفه من مجريات الشوط الثاني أن لم يستطع جبور او مطمور التسجيل منذ البداية و البقاء في الخطة الدفاعية المعتمدة قد يشكل خطر آخر أوضح اللاعب السابق في احد الأندية العاصمية. القهوة و الدخان بلا حساب ...و اللي بطلهم ولا ليهم على جال غزال و شاوشي مع بداية المرحلة الثانية بدء الضغط يزداد على أنصار الخضر و أصبح الجميع يشرب القهوة بلا حساب مثل المياه لدى العديد من رواد المقهى كان "حسين"احدهم و الذي ظهر عليه التوتر من خلال الصراخ المتكرر و التعليق بانفعال كبير على كل اللقطات كما انه شرب لوحده كوب من القهوة في ظرف خمس دقائق و أكد لي بأنه لم يشرب القهوة منذ مدة و لم يدخن أيضا لكنه عاد إليها الآن و شرب أكثر من ثلاث أكواب مثل حال الأغلبية التي عاد يعظهم إلى التدخين بسبب كرات عبد القادر غزال في الشوط الثاني و الأخطاء البدائية التي ارتكبها لاعبوا الخضر، و خاصة مع دخول مهاجم سيينا الذي بمجرد ما ظهر على الشاشة بدأت التعليقات بين منتقد و مستبشر كما ان لقطة المناصر أضفت نوع من المزاح و المرح عكرتها البطاقة الصفراء الذي تلقاها غزال في أول كرة يلمسها ثم قضى عليها رفقة شاوشي بالبطاقة الحمراء و الهدف البدائى الذي تلقته شباك حارس وفاق سطيف و الذي جعل الأنصار يخرجون في حالة سخط و غضب بعدما حول احتفالات الجزائريين إلى مأتم.