التفكك الأسري، الفقر وغياب الجمعيات وراء انتشار الظاهرة تعرف شوارع وهران في الفترة الأخيرة انتشارا رهيبا لظاهرة الانحراف والتشرد لاسيما ما يحدث بمعظم الأماكن العمومية، خاصة منها بأحياء المدينةالجديدة وبالقرب من مصلحة الاستعجالات الطبية، ومحطات الحافلات، حيث تلمح فئات من مختلف الأعمار ومن الجنسين وقعوا ضحايا المجتمع ليجدوا أنفسهم في رحاب الشارع أين قام البعض منهم ببناء بيوت من البلاستيك كمأوى لهم تقيهم من برودة الشتاء وحرارة الشمس، فيما لجأ البعض الآخر إلى افتراش الأرصفة بعد أن عجزوا عن مواجهة الظروف الاجتماعية التي واجهتهم. بالرغم من حملات الجمع والتكفل التي مست شريحة المتشردين والقوانين الجازمة التي أقرتها وزارة التضامن، وعملت على تنفيذها مديرية النشاط الاجتماعي لولاية وهران، بالتنسيق مع مصالح الأمن والحماية المدنية إلى جانب نشاطات الهلال الأحمر، والتي وصلت حسب تقديرات بعض المصادر المقربة بما يزيد عن 21 عملية جمع منذ مطلع سنة 2008 والتي تم من خلالها تحويل 120 متشردا من مختلف الأعمار، ومن الفئتين إلى مراكز الإيواء والتكفل إلا أن الشارع الوهراني يعكس فضاعة الظاهرة والصورة الحقيقية للوضع الراهن، إذ حول المتشردون أجزاء من الولاية إلى بؤر للفساد والجريمة في الوقت الذي انعدمت فيه يد العون وغابت سياسة التوجيه الرشيدة التي من شأنها أن تحل المشكل الذي أضحى هاجسا يعكر صفو حياة المواطن ويدفع بها إلى خانة الخطر. تحويل 15 قاصرا متورطا في قضايا إجرام على العدالة استفحلت الآفات الاجتماعية وتفاقمت حدتها لتطال جذورها فئة القصر بالباهية حيث قامت خلية حماية الأحداث التابعة لقيادة الدرك الوطني بإحصاء 15 قاصرا متورطا في تهم مختلفة، منها الإدمان على المخدرات، السرقة والاعتداءات بنوعيها الجسدية والجنسية، وقد كشفت التحقيقات أن معدل أعمار أولئك القصر ما بين 13 و17 سنة قدموا من داخل الولاية وحتى من مناطق الولايات المجاورة بعد أن هجروا منازلهم العائلية بفعل الفقر المدقع الذي فعل فيهم فعلته والحرمان فضلا عن اللامبالاة المفروضة عليهم من قبل ذويهم، فأغلبهم ناجم عن حالات الطلاق والعنف المضروب عليهم، الأمر الذي يدفع أولئك القصر إلى الهروب نحو المصير المجهول والدليل على ذلك قصة الطفلة "ب.ج" التي لا تتجاوز سن السادسة عشر ربيعا والتي حدثتنا عن ظروف لجوئها إلى الشارع وبالتحديد بعد سنة من انفصال والديها القاطنين بإحدى ولايات الغرب الجزائري، وبعد زواج والدتها وجدت نفسها مجبرة على العيش رفقة والدها إلا أن هذا الأخير قرر هو الآخر الزواج لتصطدم الطفلة برفض زوجة أبيها فكرة احتضانها مما دفع بالأب إلى تسليط أبشع العقوبات وصور العنف التي لاتزال مرسومة على جسدها النحيل مما أدى بها إلى الهروب باتجاه أمها التي أغلقت الباب في وجهها، وبالتالي وجدت البرعمة "ب.ج" نفسها بين أحضان الشارع بدون مأوى مقررة ركوب الحافلة والقدوم إلى ولاية وهران. وبحكم الظروف الصعبة التي جعلتها عرضة للاعتداءات الجنسية من طرف شباب منحرفين وعديمي الضمائر ومع الأيام تحولت إلى مدمنة على تعاطي المخدرات والتي تقوم بجمع ثمنها بعد التسول طيلة النهار بأنحاء المدينة أو من الدعارة إن اقتضى الأمر ذلك حسب تصريحاتها وبذلك تبقى البراءة ضحية للمشاكل الاجتماعية وعدم التكفل بهم من قبل الأولياء بالدرجة الأولى والمجتمع الذي صار شبحا كاسحا لا يرحم كبيرا وصغيرا. إنقاذ 16 قاصرا من بؤر الفساد في هذا الصدد قام أعوان الدرك الوطني لخلية الأحداث منذ مطلع هذه السنة بمعالجة قضايا القصر المتشردين حيث سجلت حوالي 16 طلبا لمد يد العون وألحقت 11 قاصرا بعائلاتهم بعدما كانوا ينتشرون بأحياء المدينة فيما غابت هذه السنة الحملات التحسيسية داخل الهياكل التربوية وإن ما يعيق عملية إرجاع القصر بذويهم حسب ما صرحت به بعض الجهات الأمنية هو تكتم الطفل وعدم رغبته في الكشف عن هويته الحقيقية عن طريق الأسماء الوهمية والتصريحات الكاذبة مما يصعب من مهمة مصالح الأمن ولاسيما منهم القاصرات اللواتي تحولن إلى أمهات عازبات بعد أن وقعن فريسات سهلة للمنحلين. أين دور الجمعيات والمسؤولين؟ وفي ظل هذه الظروف الكارثية يتساءل المواطن الوهراني عن دور الجمعيات المعنية بحماية الطفولة والمراهق والتي وإن تعددت أسماؤها على الورق فلا وجود لها على أرض الواقع رغم ما تخصصه الدولة من أموال ضخمة وميزانيات خاصة لتلك الجمعيات التي تقف مكتوفة الأيدي أمام الظاهرة التي أخذت منعرجا خطيرا وشوهت المظهر الجمالي لولاية وهران.