تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة وتحديدا مع اقتراب شهر رمضان المعظم ، ظاهرة غريبة عن مجتمعنا بسبب الغلاء الفاحش وتدهور القدرة الشرائية، حيث تلجأ العديد من العائلات المعوزة إلى رهن مصوغها وحليها حتى تتمكن من اقتناء حاجيات شهر الرحمة دون اللجوء إلى مد اليد والتسوّل. وفي جولة قادت ''النهار'' إلى بنك التنمية المحلية المختص في رهن الذهب على المستوى الوطني، شاهدنا طوابير طويلة لمواطنين جاؤوا من أجل رهن مصوغاتهم عشية حلول شهر رمضان، قالت ''نبيلة.م'' من العاصمة إنها ومنذ الساعات الأولى وهي تترقب دورها لتتمكن من رهن مصوغاتها، بعد أن ضاقت بها الدنيا بما فيها خاصة وأنها تعاني من تبعات الإرتفاع الكبير في أسعار مختلف المواد الأساسية الصناعية والغذائية، وهو ما يتضح من خلال عجز العديد من العائلات عن تلبية حاجياتها مما يجعلها تلجأ إلى الإقتراض من الأقارب لتتمكن من اجتياز امتحان شهر كامل. وفي السياق ذاته، أردفت زميلتها ''نسيمة'' التي كانت تجلس بجوارها في انتظار أن يحين دورها وهي ترتدي جلابة صفراء تنعكس على لون وجهها الشاحب، الذي انهكته السنون التي لم ترحم شبابها ولا جمالها وأثقلتها بمشاكلها، ''إنها ومن أجل تجاوز أزمتها قامت بأخذ كل مجوهراتها إلى الصائغ أين تم وزنها وتحديد ثمنها ثم توجهت صوب البنك الذي تعوّل عليه في أن يُفرَج كربها، خاصة وأنها أم لأربعة أطفال وهي المعيل الوحيد لهم بعد أن توفى زوجها رحمه الله منذ فترة قصيرة، ما جعلها تتعثر وتعاني من ويلات زمن لا يرحم من لا حولة له ولا قوة، لتقول في الأخير ''الحدايد للشدايد'' أي الذهب لوقت الشدة، ومن أجل إعالة أبنائي فأنا مستعدة لبيع شعري وليس فقط ذهبي''... رجل آخر رفض الكشف عن اسمه، بعد أن وجد الكثير من الإحراج في الإجابة عن أسئلتنا، قال إنه لولا الحاجة والفاقة وأولاده لما لجأ إلى البنك لرهن حلي زوجته، أكد أنه مع اقتراب شهر رمضان المعظم لن يتمكن من تغطية مصاريفه المتنوعة التي تتطلب الكثير من المال، وأردف قائلا إنه بالرغم من أن المنصب الذي يحتله في عمله مرموق ومحترم، إلا أن غلاء المعيشة يجعله في كل مرة يدين حتى يكمل الشهر، فما بالك أن تجتاز شهرا تكثر فيه المصاريف. عائلات أخرى تلجأ إلى رهن ممتلكاتها ووثائقها الرسمية ومن عجائب هذا العصر أن يلجأ الموظف البسيط إلى رهن محتويات بيته أو حتى بيته من أجل الحصول على بعض المال لاستكمال شهر رمضان المعظم، الذي يتطلب مائدة متنوعة ومصاريف يندى لها الجبين، وفي هذا السياق تحضرنا قصة الشاب ''محمد.ن'' من ولاية بسكرة، وهو مسؤول عن عائلة مكونة من سبعة أفراد كان في وضعية جد مزرية أياما قلائل قبل حلول شهر رمضان، الأمر الذي جعله يلجأ إلى أية وسيلة حتى يحفظ ماء الوجه أمام عائلته وجيرانه، بعد أن تأكد أن راتبه الشهري لن يكفي متطلبات الشهر الكريم من خبز وحليب وخضر وبقية المواد الغذائية التي تشهد ارتفاعا فاحشا، لا يمكن للشخص من الصمود أمامه لذلك قرر أن يأخذ سيارته وهي كل ممتلكات الرجلو إلى أحد رجال الأعمال الميسوري الحال لكي يقرضه بعض المال حتى يتمكن من أن يجتاز الشهر بسلام. رفع سعر القرض إلى 1000 دينار للغرام الواحد من الذهب هو سبب توافد المواطنين من جهة أخرى، كشف مسؤول ببنك التنمية المحلية عن رفع سعر القرض إلى 1000 دينار بالنسبة للغرام الواحد من الذهب، وهو الإجراء الذي شجع الموطنين على اللجوء إلى البنك لرهن حليّهم، موضحا أن سعر القرض سابقا كان يقدر ب500 دينار للغرام الواحد، في المقابل وفي رده على سؤال ''النهار'' حول ما إذا كان اقتراب موعد حلول شهر رمضان كان وراء ارتفاع عدد المواطنين الذين يتوافدون على البنك بداية من الساعات الأولى من النهار، قال المصدر ذاته إن الفاقة والحاجة إلى المال هما السّببان اللذان تدفعان المواطن إلى البنك من أجل رهن الذهب، مؤكدا أن البنك يعرف خلال هذه الأيام حركية غير مسبوقة زادت من الضغط على المواطنين. بن بادة يدعو العائلات إلى تغيير عاداتها لاستقبال رمضان بشكل جيد ''علاش تطير عقولنا في رمضان'' هي العبارة التي قالها وزير التجارة مصطفى بن بادة في رده على سؤال ''النهار''، حول لجوء بعض العائلات المعوزة إلى رهن مصوغها من أجل تغطية مصاريف شهر رمضان المعظم عقب تدهور القدرة الشرائية وفي المقابل غلاء المعيشة. واستغرب وزير التجارة من اضطرار العائلات إلى رهن ذهبها مع اقتراب حلول شهر رمضان لتجنب مد اليد والتسول، موضحا أنه على العائلات تغيير بعض من عاداتها خلال هذا الشهر الكريم، حيث تكثر المصاريف الزائدة وفي الكثير من الأحيان يكلف المرء ما لا طاقة له به، في وقت الأجدر بالمواطن فيه أن يكثر من العبادات، معلنا أن وزارته اتخذت كل الإجراءات من أجل الحد من المضاربة وجعل أسعار الخضر والفواكه في متناول المواطن البسيط، في الوقت الذي ستشهد هذه الأسعار بعض الإرتفاع خلال الأيام الأولى لتستقر بعدها.