بعضهم قال إنهم لن يقاضوا أحدا مستقبلا ولو تنازلوا عن حقوقهم ''أنفقت مليوني سنتيم على قضيتي وها أنا أنتظر المحاكمة منذ أشهر، صدرت لصالحي عدة أحكام قضائية ضد الشركة التي كنت أعمل بها لكن لم أستطع تنفيذ أيا منها، وها أنا الآن أقاضي مصفي الشركة على أمل الحصول على تعويض، لكن كل محاضر التبليغ عادت سلبية والنفقات ستزداد''.. هذه انشغالات بعض المواطنين الذين دخلوا أروقة المحاكم من أجل استرجاع حقوق ضاعت منهم وانطباعاتهم بشأن هذه المسيرة. في المقابل، ارتفعت تكاليف إجراءات تسجيل القضايا التجارية، الإدارية، العقارية والمدنية إلى جانب الإستعجالية منها، في ظل المرسوم الوزاري الجديد الذي حدد أتعاب المحضرين القضائيين، حيث وصلت قيمة تسجيل قضية واحدة في إحدى الغرف السالفة الذكر مع استنفاذ كامل الإجراءات الضرورية، إلى غاية تنفيذ الحكم النهائي، إلى 34000 دينار إذا كان الخصم شخصا واحدا، من دون احتساب أتعاب المحامي وحقوق الطعن أمام المحكمة العليا في حال تطلب الأمر ذلك. وقد اشتكى كثير من المتقاضين في حديث ليومية ''النهار''، من ارتفاع تكاليف الإجراءات الشكلية لتسجيل قضاياهم على مستوى غرف المحكمة، مؤكدين أن نسبة كبيرة من ذوي الحقوق تفضل التنازل عن الشكوى بدل السعي إلى الإستدانة من أجل اللجوء إلى القضاء واسترجاع الحقوق، إذ تمر القضية في الشق الإداري على سبيل المثال بعدة إجراءات تعقب مرحلة تسجيل القضية على مستوى المحكمة بقيمة 1000 دينار. أنفقت أزيد من 50 ألف دينار على هذه القضية، على أحكام لم أجد من ينفذها اقتربت ''النهار''، من بعض المتقاضين الذين قصدوا العدالة بغية استرجاع حقوقهم، لاستفسارهم عن مسألة المصاريف والتكاليف التي تفرضها إجراءات استدعاء الأطراف وحقوق المحامي وغيرها، حيث قال أحدهم حضر محاكمته على مستوى الغرفة المدنية، بمحكمة بئر مراد رايس، لدي أزيد من 5 سنوات وأنا أمام العدالة من أجل قضية رفعتها ضد الشركة التي كنت أعمل بها. وقال ذات المتحدث، أنفقت أموالا كثيرة في سبيل الإجراءات الشكلية التي تتطلبها المحكمة، وخاصة في الآونة الأخيرة أين تضاعفت تسعيرة محاضر المحضرين القضائيين سواء الخاصة بالتبليغ أو الحضور إلى الجلسة وغيرها، إذ كنت أدفع 1000 دينار مقابل محضري التبليغ واستلام التبليغ معا، إلا أنه الآن أصبح ثمنهما مجتمعين يفوق 3000 دينار، وقد أنفقت إلى حد الآن قبل أن أقف للمحاكمة أزيد من 15000 دينار بدون أتعاب المحامي. وأضاف محدثنا، أن هذه هي المحاكمة الثانية ضد نفس الشركة وفي نفس الموضوع، ذلك أنني تحصلت على عدة أحكام ضدها ممهورة بالصيغة التنفيذية، إلا أنني لم أحصل على أي تعويض حتى الآن مما جعلني أرفع دعوى قضائية جديدة ضد مصفي الشركة التي تم حلها مؤخرا، مشيرا إلى أنه سدد كل المصاريف القضائية الخاصة بالجانب الشكلي سواء قبل المحاكمة، من تبليغ وتعليق باعتبار عدم تسلم المصفي لكل تلك التبليغات. ''لن أقاضي أحدا بعد هذه القضية لأني أجد نفسي خاسرا بدون تعويض'' وصرح آخر في السياق ذاته، أنه يقاضي منذ ثلاث سنوات شخصين من أجل تعويضه عن الأضرار التي لحقت به منهما، حيث قال: ''إني دفعت تكاليف استدعائهما معا والتي فاقت 7000 دينار، فقط ما تعلق بمحضري التبليغ وتسليم التبليغ، ومن حسن حظي أنهما تسلما المحضرين وإلا كنت سأنتقل إلى مرحلة التعليق التي كانت ستكلفني مبالغ أخرى لا طاقة لي بها''، وأشار إلى أن قضيته بدأت جزائيا، حيث حكم على المتهمين بالحبس فيما تم إحالة الشق المدني منها على الغرفة المدنية. وأضاف المعني، أنه اضطر إلى تأسيس محامي للوقوف عند الإجراءات التي تتطلبها المحاكمة، ولكي لا يخسر القضية في جانبها الشكلي ويتحتم عليه رفع دعوى قضائية جديدة ستكلفه إعادة كل الإجراءات مما يعني تكاليف مالية أخرى، مشيرا إلى أن الزيادة في مصاريف الإجراءات جعل الكثيرين يتنازلون عن حقوقهم، خاصة أن هذه التكاليف يضاف إليها أتعاب المحامي، نظرا إلى جهل أغلب المتقاضين بالإجراءات الضرورية التي ينبغي اتباعها. وقال أحدهم، إنه يملك حتى الآن أكثر من ثلاثة أحكام ضد زوجته التي ترفض إخلاء بيته الزوجية، أحدها أمام المحكمة والآخر أمام المجلس والثالث أمام الغرفة الإستعجالية، كل واحدة منها قابلة للتنفيذ، لكني وحتى الآن لم أجد من ينفذ هذه الأحكام على الأقل من أجل تعويض النفقات التي تطلبتها القضية منذ بدايتها وحتى الآن، كما أني لا أفكر حاليا في رفع أي دعوى قضائية بعد هذه التجربة حتى وإن اضطررت إلى التنازل عن حقي. المحامي بڤاح بشير يؤكد:''التحضير للمحاكمة ب34 ألف دينار والمصاريف تتضاعف كلما زاد عدد المدعى عليهم'' قال المحامي بڤاح بشير، أحد المطلعين على هذه الإجراءات بحكم اختصاصه في هذا الشأن، أين أوضح أنه من أجل المحاكمة في قضية تجارية أو غيرها من قضايا الشق المدني ينبغي المرور بعدة مراحل، تتطلب مصاريف في كل خطوة منها، والتي تدخل في إطار الإجراءات الضرورية لقبول القضية على مستوى المحكمة في جانبها الشكلي.وأضاف المتحدث في اتصال مع ''النهار''، أن المحكمة وبعد تسجيلها للقضية على مستواها، تطالب المتقاضي باستدعاء أطراف القضية، أين يتم ذلك عبر محضر قضائي تصل أتعابه إلى 3000 دينار في المرحلة الأولى، والتي تتطلب مَحْضَرَيْنِ ''محضر التبليغ ومحضر تسليم التبليغ''، في حين ينتقل المحضر القضائي إلى المرحلة الثانية في حالة عدم إيجاد المعني، حيث يتم استدعاؤه بواسطة رسالة مُضَمَّنة عبر البريد، إلا أنه وفي حالة عدم التسلم تأتي مرحلة التعليق التي تصل تكاليفها إلى 6000 دينار، مع العلم أن تكاليف هذه المراحل تتضاعف حسب عدد الأطراف الذين سيتم استدعاؤهم. وأشار محدث ''النهار''، إلى أن المحاكمة ستتم غيابيا في حال استنفاذ كل هذه الإجراءات، التي تعتبر ضرورية وإلا خسر المدعي القضية في جانبها الشكلي، وبعد إصدار الحكم يتم إعادة نفس الإجراءات الأولى بغرض تنفيذه، أين يتطلب ذلك ثلاثة محاضر يحررها المحضر القضائي، أولها محضر تبليغ حكم ممهور بالصيغة التنفيذية، وكذا محضر الإلزام بالدفع، إلى جانب محضر عدم المثول في حالة عدم الإستجابة أو غياب طرف النزاع، والتي تبلغ قيمتها في مجملها 7000 دينار.وصرح المحامي بڤاح بشير، أن القيمة المادية لهذه الإجراءات ستتضاعف كلما تضاعف عدد الأطراف، إذ أنه إذا كان المدعي قد رفع القضية ضد شخصين فإن قيمة الإجراءات ستكون 30000 دينار فقط على مستوى المحكمة الإبتدائية، في الوقت الذي يتم إعادة نفس الإجراءات في حالة الإستئناف وكذلك الطعن أمام المحكمة العليا، إلا أن حقوق تسجيل القضايا تختلف على مستوى هذه الهيئات القضائية الثلاث، فمثلا حقوق تسجيل قضية تجارية يكون 2500 دينار بالمحكمة و3000 دينار بالمجلس و5000 دينار بالمحكمة العليا.