أثار مشروع القانون الجديد للعقار الفلاحي جدلا في وسط الأطراف المعنية بالقطاع الفلاحي قبل مناقشته والمصادقة عليه بغرفتي البرلمان وعلى رأسها الاتحاد العام للفلاحين الجزائريين الذي يعتبر الشريك الاجتماعي الرئيسي لوزارة الفلاحة، والذي استبعد في صياغة مشروع القانون المتعلق بالفئة التي يمثلها قانونيا، وقد أعرب عدد من الشركاء عن استيائهم من الأحكام التي تضمنها المشروع الجديد، خاصة ما تعلق منها بالأثر الرجعي الذي يجعل حق الانتفاع أو الاستغلال الوارد في القانون الحالي المنظم للمستثرات الفلاحية "87/19"، قابلا للاستغلال عن طريق الامتياز لمدة معينة، إضافة إلى غموض الكثير من الأمور المتعلقة بملكية المستثمرات وما عليها من أملاك، معتبرين مشروع القانون تأميما مستترا. إلغاء عقد الامتياز عن طريق العدالة ومنح الإدارة كل الصلاحيات غير معمول به دوليا مشروع القانون ذو اثر رجعي وغموض حول مصير الممتلكات الموجودة فوق الأرض أوضح عدد من الخبراء القانونيين أن المشكل الذي واجهه العقار الفلاحي بالجزائر يكمن فيما يسمي بالملك الخاص للدولة، على الرغم من أن أهم الميزات الايجابية هو إدخال عقوبات جنائية بالنسبة للمستفيدين الذين يلجأون إلى تغيير طبيعة الأرض الفلاحية إلى نشاط آخر، إلى جانب فتح باب الاستثمار في المستثمرات الفلاحية محل الامتياز لأصحاب الخبرة أو ذوي رؤوس الأموال من الجزائريين. كما ذكر المختصون أن قانون 87/19 ينص على حقوق استفادة دائمة، ولا يمكن لمشروع القانون الجديد أن يسند لها حق الامتياز المحدد بمدة زمنية مهما كان طولها والمحددة ب"40 سنة"، لأن مبدأ القانون المعمول به دوليا هو عدم وجود أثر رجعي لأي قانون جديد، إلى جانب المحافظة على الحقوق المكتسبة، "إن لم يحترم هذا المبدأ فتصبح العملية وكأنها تأميم مستتر". وأبرزت معاينتهم الميدانية أن أهم المشاكل التي ظهرت أثناء تطبيق قانون 87/19 هي عدم انسجام مجموعات المستفيدين من المستثمرات الجماعية فيما بينهم، لأسباب مختلفة ما أدى إلى شلل المستثمرات وتقسيمها "الضمني"، إلى جانب عدم تمكن الفلاحين من الاستفادة من القروض البنكية بسبب تشكيك هذه الأخيرة في الاستفادة من حقوق الاستفادة الدائمة من المستثمرة، غير المضمونة قانونيا، في الوقت الذي حول بعضها عن طابعه الفلاحي، جراء مخالفات المستفيدين، في حين تم الاستيلاء على عدد منها من طرف أجهزة الدولة في إطار مشاريع ذات منفعة عامة. وقالوا أن تحديد الحد الأقصى المفتوح للاستثمار الجديد هو 50 بالمائة، من حصص الشركة المدنية التي تستبدل بها المستثمرات الفلاحية السابقة، يعتبر أكبر عائق أمام التسيير السليم والعقلاني للمستثمرة، "وقلنا أن المشكل الأساسي في القانون القديم هو عدم انسجام أصحاب المجموعات الاستثمارية فيما بينهم، في الوقت الذي لم يصحح مشروع القانون الجديد هذا الوضع بل اقره". وأكد الخبراء وجود نقاط سلبية أخرى تخص الممتلكات الموجودة على مستوى الأراضي الفلاحية "ما فوق الأرض"، من منشات قاعدية وأشجار وعتاد، وهي الممتلكات التي كانت في القانون الجاري ملكية للمستثمرة ، غير أن مشروع القانون الجديد يتضمن تدابير مبهمة، توحي أن هذه الملكية نزعت من أصحابها، إضافة إلى طريقة إلغاء عقد الامتياز، على الرغم من أن الطريقة المعمول بها دوليا هي المرور عن طريق العدالة، في حين أن القانون الجديد يفتح الباب أمام الإدارة لتلغي مباشرة هذا العقد. وهناك جانب آخر أثاره أحدهم يحتاج الى عناية، حيث أن مشروع القانون يتناقض مع قانون الاستثمار الذي لا يفرق بين المستثمر الجزائري والأجنبي، وهي احد الشروط الثابتة التي لا تتسامح فيها المنظمة الدولية للتجارة التي ترمي الجزائر للانضمام إليها. مشيرا من جهة أخرى الى أن المستثمر لن يكتفي بالضمانات الضئيلة التي يمنحها القانون الجديد، مع العلم أن الاستثمار في الفلاحة يتطلب أموالا طائلة، مع مردودية ضعيفة وأمد طويل قبل الوصول إلى المرحلة الإنتاجية. عبد الرزاق رازم فلاح مستثمر منذ 20 سنة وعضو باتحاد الفلاحين مشروع قانون العقار الفلاحي تراجع عن قانون 87 / 19 وتأميم مستتر و80 بالمائة من الأراضي المحولة عن طبيعتها الفلاحية تمت عن طريق الإدارة ندد عدد من الفلاحين بمشروع قانون العقار الفلاحي، واعتبروه قانونا رجعيا، يحاول تأميم كل المستثمرات الفلاحية، وقال فلاح له خبرة بالميدان منذ ما يزيد عن ال20 سنة، عبد الرزاق رازم، مندوب اتحاد الفلاحين بدائرة الشراقة، أن حماية الأرض لا تتم بالقوانين وإنما بتوفير من يخدمها. وأشار عبد الرزاق إلى أن قانون 87/19 مكن الفلاحين من حقوق دائمة، تمكن الأبناء من وراثتها عبر الأجيال، غير أن القانون الجديد يحاول استرجاعها من خلال منح حق الامتياز المحدد ب40 سنة، "وقد تكون أقل بما أن أمر منح الامتياز من صلاحيات الإدارة وإلغاؤه من صلاحياتها أيضا"، مشيرا إلى انه كان من المفروض أن تلجأ الوزارة إلى تنظيم السوق قبل الذهاب إلى العقار الفلاحي. وأعرب ضيف "النهار" عن أسفه حيال إلغاء دور العدالة في إلغاء حق الامتياز، مشيرا إلى أن ذلك لا يشجع الاستثمار الأجنبي الذي "من الضروري أن يدخل سوق الاستثمار الجزائرية لترقية مستوى الخدمات، وتمكين الفلاحين من تسويق منتوجاتهم في السوق الخارجية، من خلال قيامهم بعملية الترويج"، غير أن القانون الجزائري لا يشجع على استثمار الأجانب في الميدان الفلاحي، خاصة وأنه يمنع استيراد الطرق الحديثة لاستغلالها في تطوير الإنتاج، إضافة إلى أن الجزائر تعتبر البلد الوحيد الذي لا تتدخل البنوك في تمويل الفلاحين. وقال المتحدث أن الفلاحين كانوا يتمنون ترقية قانون 87/19 لتصبح الأراضي ملكا لهم بعدما كان حقهم يقتصر على الانتفاع فقط دون ملكية العقار ليتمكنوا من الاستفادة من القروض التي ترفض البنوك تقديمها للفلاحين لأنهم ليسوا مالكين حقيقيين ولا يمكنهم تقديم ضمانات، "غير أنه وبهذا القانون الجديد بعد أقل من 10 سنوات لن تجد الأرض من يخدمها". وطرح مندوب الفلاحين مشكل التمويل الذي يقوم به بعض المستثمرين للفلاحين الذين لا يملكون أموالا، مشيرا إلى أن اكبر منتجي البطاطا والحبوب هم مستأجرو الأراضي، مؤكدا أنه من الضروري منح الأولوية لذوي الإمكانيات للتدخل لخدمة الأرض. وأوضح السيد رازم أن اشتراط الاستثمار في الأرض بنسبة 50 بالمائة، غير ممكن، على الرغم من أن النية هي الحفاظ على الفلاح، ولكن الحل يكمن سواء في التكفل بالفلاح ودعمه، أو ترك المستثمرات حرة لأصحاب المال، مشيرا إلى أن المادة المتعلقة بهذا الشأن سلبية، على اعتبار أن الفلاحين وجدوا إشكالا من قبل في المستثمرات الفلاحية الجماعية، ولجأوا إلى تقسيم المستثمرات ضمنيا بعد وقوع مشاكل بينهم، وتساءل محدثنا كيف يمكن أن يقبل مستثمر بأمواله الشراكة مع من لا ملك له سوى الأرض التي تعود ملكيتها للدولة، مطالبا بضرورة تصفية الأشخاص غير الراغبين في العمل. وتساءل رازم عن مصير الممتلكات الموجودة فوق المستثمرات الفلاحية التي لم يحدد في مشروع القانون الجديد، وقال أن الدولة استطاعت التنازل عن المصانع، في الوقت الذي استغل الفلاحون الأراضي في العشرية السوداء كل أموالهم ولم يتخلوا عنها رغم الخسارة التي تكبدوها، مشيرا إلى أن الجزائر لم تعرف أزمة في الخضر والحبوب في هذه الفترة رغم صعوبتها. وأكد أن نسبة 80 بالمائة من الأراضي المحولة عن طابعها الفلاحي تمت عن طريق الإدارة. وطالب المندوب بعدم تسييس الفلاحة والعمل على إدخال التقنيات الجديدة وتسهيل الطريق للاستثمار الأجنبي الذي تجاهله القانون الجديد رغم أهميته. الاتحاد العام للفلاحين الجزائريين ينتقد بعض بنود المشروع ويأسف لعدم إشراكه في الصياغة عبر الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين عن رفضه لبعض البنود التي نص عليها مشروع قانون العقار الفلاحي، ولم ينتظر وقائع مناقشة المشروع على مستوى غرفتي البرلمان، حيث سارع الى الكشف عن عدة مسائل وصفها الإتحاد بغير الموضوعية ومناقضة لمصلحة القطاع والإنتاج الفلاحي. وكان محمد عليوي، الأمين العام للاتحاد قد نقل انشغلاته العديدة من على منبر "منتدى النهار" قبل إيداع المشروع لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني، على غرار القضية المتعلقة بإنشاء المؤسسات المدنية التي تتحصل على نسبة 50 بالمائة من نسبة استغلال المستثمرات الفلاحية، معربا عن قلقه في حالة المصادقة على مشروع القانون من قبل البرلمان ، خاصة وأنه يحمل ضمن بنوده أحكاما غير مشجعة، تهدد مستقبل خدمة الأرض، وصلاحيات الفلاح في استغلال المستثمرات المستفاد منها، خاصة ما تعلق بالشركات المدنية ونسبة الشراكة مع الفلاحين، كما ندد بسياسة الوزارة في صياغة القوانين دون اللجوء إلى الشريك الاجتماعي الوحيد بالميدان، والمتمثل في الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين". وعلمت "النهار" من مصادر مؤكدة أن معظم قواعد الاتحاد غير راضية عما تضمنه القانون، خاصة وأن الوزارة المعنية تجاهلت دوره كشريك في صياغة مشروع هذا القانون، حتى أن قواعده تفاجأت لصدور المشروع في وقت كانت تترقب استصدار المراسيم التنفيذية والتطبيقية لقانون 1987 ، الذي مازالت بعض أفكاره مجمدة الى حد الآن. وقد حاولت "النهار"، أمس، الاتصال بالأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، محمد عليوي، لمعرفة جديد تحركات الاتحاد بخصوص القانون، غير أنها لم تفلح في ذلك، خاصة وأن الأمين العام كان توعد بالرد الفوري والقوي على مشروع القانون فور وصوله الى الغرفة الأولى. البروفيسور، سليمان بدراني، مدير مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من اجل التنمية مشروع القانون يعمل على استعادة الأراضي المملوكة للدولة والأحكام الانتقالية تسيء إلى سيادة القانون أوضح البروفيسور سليمان بدراني، مدير مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية بالجزائر، وأستاذ بالمدرسة العليا للفلاحة، أن مشروع القانون الجديد، اغفل جوانب مهمة من الحقائق المعيقة للنشاط الفلاحي كالتقسيم الذي فرضه الأمر الواقع وترك مسألة المؤسسات المدنية غامضة، في حين أعطى انطباعا ايجابيا على المشروع على العموم. وأشار البروفيسور بدراني في تصريح ل"النهار"، الى عدم طرق القانون إلى مصير المستثمرات الجماعية التي كانت مقسمة بحكم الأمر الواقع على مدى سنوات عديدة، بسبب عدم تفاهم القائمين عليها، وأوضح أنه من غير الممكن التفكير في الإبقاء على هذا التقسيم من خلال السماح لهم ببناء المؤسسات المدنية، على أساس من الأسهم، وقال يمكن للمرء أن يتصور الصعوبات التي ستجمع الناس المنفصلين لمدة طويلة بموجب المؤسسات المدنية. وقال المتحدث أن مشروع القانون لم يحدد الإجراءات المتعلقة بتجسيد المستثمرات الفلاحية للمؤسسات المدنية والمدة المحددة لذلك وطريقة التعامل مع المستفيدين في حالة تأخرها، وهي حالات قد تخلط حسابات التقييم السليم لخدمة الأرض، كما أشار إلى أن الأحكام الانتقالية لمشروع القانون الجديد تتضمن أحكاما من شأنها الاساءه إلى سيادة القانون، على اعتبار أنها تعطي إمكانية إصدار المخالفات القانونية التي أدخلت على القانون 17/89 من قبل المستفيدين من هذه الأخيرة، إلى جانب المستثمرين الذين قاموا بشراء الأراضي الخاصة بالاتفاقية. من جهة أخرى تطرق المتحدث إلى الجوانب الايجابية من مشروع القانون، حيث أكد أنه يوضح حالة القطاع الزراعي للدولة التي كانت تعمل سابقا بطريقة غامضة، ويؤكد على استعادة الأراضي المملوكه للدولة، وهو ما سيمكن الدولة من تحصيل الإيجارات في شكل عوائد واستخدام تلك الرسوم لتعزيز السياسات الزراعية أكثر طموحا، كما أشار إلى أنه يمنح مشغلي المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية القدرة على البيع أو يسند لها حقها في استخدام الأرض، كما أن المؤسسات المدنية العاملة تنتدب للأسهم، والحق في استخدام الأرض، "ما يجعل وقعه اكبر للوصول إلى الائتمان المصرفي، والذي لم يكن ممكنا حتى الآن ويشكل عقبة أمام تحديث قطاع الزراعة". وقال البروفيسور أن مشروع القانون يتيح إنشاء سوق لحقوق استخدام الاراضى التابعة للدولة ، والسماح، من الناحية النظرية على الأقل، بحركة الأرض بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون المهارات أو القدرات لاستغلال هذه الأراضي، كما يؤكد حقوق المستفيدين الحالية ، وبالتالي يلتزم ذلك بما حدده القانون 87/19، بخصوص الحد من الامتياز بتحديده ب 40 سنة ما يمكن من الاستفادة الأبدية التي ينص عليها هذا القانون من خلال إمكانية تجديد الترخيص، كما انه يتيح للدولة القيام بعمليات إقامة المجمعات "المادة 37" ، التي تعتبر أحد الأصول لإنشاء مزارع أكثر ربحية، كما يجنب استخدام الحقوق بين الورثة من خلال إجبارهم على تعيين احدهم لتولي وظائف والرسوم في المجتمع "المادة 23".