يملكون كل الامتيازات، مكاتبهم مجهزة أحسن من مكاتب الوزراء، مديرو المستشفيات ليست لديهم أية سلطة عليهم، هم أساتذة في الطب ورؤساء مصالح أقسموا قسم ''ايبوقراط'' على تغييب ''مصلحة المريض الدنيا''، و''تغليب مصلحتهم العليا''، للتحكم المطلق في المستشفيات، في المقابل هناك أساتذة من تغلبت الحكمة على عملهم ويفعلون المستحيل من أجل التكفل بالمرضى، ولسوء حظ أولئك أنهم المغضوب عليهم من قبل كل الجهات. وبناء على الشكاوى التي تلقتها ''النهار''، من رؤساء مصالح تعرضوا إلى ضغوطات كبيرة من قبل لوبيات مكونة من أساتذة في الطب ومديري المستشفيات الذين وجدوا أنفسهم هم الآخرين فريسة لهم ومجبرين على الانصياع لهم، كون صلاحياتهم لا تسمح لهم بمحاسبتهم ولا حتى معاقبتهم. وما أكثرها الحالات التي وقفت عندها ''النهار''، والتي تأكدت منها من خلال الاتصالات العديدة التي تلقتها من قبل رؤساء مصالح ''محڤورين'' بأتم الكلمة، والأسوأ في ذلك كله، هو أن هؤلاء اللوبيات تنصب جواسيس لها في كل مصلحة للتربص بأساتذة آخرين في حال ارتكابهم لأبسط خطإ. مجالس علمية تتحول إلى مجالس تأديبية لتصفية الحسابات بين الأساتذة..! بالرغم من تسميتها بمجالس علمية تضم أكثر الناس علما، إلا أنّها انحرفت عن مهامها الأساسية، وتحولت إلى مجالس تأديبية لتصفية الحسابات مع الأستاذة الذين لا ينصاعون للأوامر، إذ يعتبر دور المجالس العلمية استشاريا لا غير، لكن واقع المستشفيات الحالي يكشف عكس ذلك، إذ تحول هذا الأخير في أكبر المستشفيات الجامعية في الجزائر العاصمة إلى حلبة مصارعة حقيقية، وكل مرة يأتي فيها الدور على رئيس مصلحة جديد، إذ يتحكم فيه ثلاثة أساتذة، هم الآمر الناهي في المستشفى، حتى أن المدير نفسه لا يمكنه التدخل فيهم، كونهم لا يعترفون بسلطته، والذي لا يحق له في أي حال من الأحوال معاقبتهم على تجاوزاتهم ولا محاسبتهم. وفي هذا الشأن؛ أجمع مديرو المستشفيات، ممن تحدثت إليهم ''النهار'' على أنّهم عاجزون عن مساءلة أي أستاذ، كونهم ''مافيا'' حقيقة يجب تفاديها، لا يمكن تسليط أي نوع من العقوبات عليهم، وفي السياق ذاته، كشف لنا أحد المدراء أن أستاذا في الطب من وهران، لا يدخل مصلحته إلا نادرا، كما أنه يكرس كل وقته في العمل في عيادته الخاصة الواقعة على بعد كيلومتر واحد من المستشفى، ولم يتمكن من التدخل لتغيير الأوضاع لعدم توفر أية صلاحية لديه. واستنادا إلى شهادات مسييرين وأساتذة في الطّب، فإنه في كل مستشفى توجد مجموعة من الأساتذة، تتحكم في زمام الأمور وفي كل شاردة وواردة في المستشفى، حيث يتحكم في مستشفى بني مسّوس الجامعي أربعة أساتذة يعملون في تخصصات حسّاسة جدا، وهو الحال نفسه بالنسبة لمستشفى مصطفى باشا الجامعي، حيث يحتكم إلى ثلاثة رؤساء مصالح، هم الآمر والناهي في المستشفى، ويرتكز أحدهم على علاقاته الكبيرة مع كبار المسؤولين في وزارة الصحة، أما مستشفى نفيسة حمود، فيتحكم في زمام أموره هناك أربعة أساتذة، يترأسون مصالح حساسة جدا، وهو الأمر ذاته بالنسبة لمستشفى البليدة. والجدير بالذكر أنّه لا يكاد يخلو أي مستشفى من هذا النوع من الجماعات الحاكمة. المواعيد مع المدير العام بحضور رئيس المجلس العلمي وجواسيس في كل مصلحة ومن المفارقات العجيبة التي وقفت عندها ''النهار''، هو قيام أحد مدراء المستشفيات بالعاصمة، باستدعاء رئيس المجلس العلمي لاستقبال الأساتذة، على أساس أنه الرئيس وله الحق في معرفة مجريات المحادثات التي تتم مع المدير، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل وصل إلى درجة رفض رئيس المجلس العلمي الذي يشغل منصب رئيس مصلحة حساسة إجراء فحص على أحد المرضى بدون أي سبب يذكر، لينقل المريض المغلوب على أمره، إلى مستشفى بني مسوس لإجراء الاختبار. وعلى صعيد آخر، أكد لنا أساتذة في الطب، أن مصالحهم محل جوسسة من طرف عمال يعملون في المصلحة لفائدة أساتذة آخرين، وذلك بدءا من السكرتيرة التي تعرف كل خبايا المصلحة، مرورا بالمراقب الطبي، ووصولا إلى عاملة التنظيف التي تترصد كل كلمة ولا تتوانى في التبليغ عن كل ما تسمعه وتراه، وأوضحت مصادرنا، أن هؤلاء الأساتذة لا يتوقفون عند ذلك الحد، إذ أكد لنا أستاذ متخصص أن أساتذة يعمدون إلى إرسال مدمني مخدرات إلى مصالح أساتذة آخرين لتصفية حسابات قديمة معهم، لمجرد أنّهم تجرأوا على مناقشتهم في المجلس العلمي والحالات كثيرة لا يمكن حصرها في بضعة أسطر. مصالح مزودة بأحدث التجهيزات وأخرى ''محڤورتي يا جارتي'' وفي هذا الشأن، أفاد البروفيسور طاهر ريان، رئيس الجمعية الجزائرية لطب وزرع الكلى، أن لوبيات رؤساء المصالح الذين يتحكمون في زمام الأمور، يتمكنون من توفير أحسن التجهيزات وأحدثها لمصالحهم، ويعمد العديد منهم إلى الاحتفاظ بالمفاتيح الخاصة بإجراء بعض الفحوصات والموجات فوق الصوتية على مستواهم، إذ تتم عن طريق ''المعريفة''، لفائدة مرضى على حساب آخرين، وأوضح البروفيسور أن بعض الأساتذة يستقبلون مرضى يوجهون إليهم من عيادات خاصة يعملون معها، للقيام بعملية غسل الكلى أو القيام بالقسطرة. وأضاف البروفيسور، أن العديد من الأساتذة يعمدون إلى الضغط على مديري المستشفيات لتلبية كافة مطالبهم، والويل لهم في حال عدم قيامهم بذلك، وقال محدثنا أن الأمور تجري في المستشفيات وفقا لمبدإ ''الدنيا مع الواقف''، إذ يجبر الأساتذة المغلوب عليهم على الانصياع لحكم القوي على الضعيف، تفاديا لحدوث مشاكل في وقت لاحق. عمادة الأطباء: ''هناك أساتذة يصنفون أنفسهم في الدرجات العليا ولم تصل إلينا أية شكاوى ضدهم'' من جهته؛ أفاد الدكتور بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، أنه بالفعل هناك أساتذة يحسبون أنفسهم في الدرجات العليا، في الوقت الذي من المفروض أن تتحكم فيه الإدارة في زمام الأمور. وأفاد بقاط في اتصال ب ''النهار''، أن مجلس أخلاقيات الطب، لا يمكنه أن يمارس دوره في محاسبة أساتذة الطب، لعدم وجود أي شكوى ضدهم في هذا الشأن، موضحا أن دور العمادة منحصر في التجاوزات المتعلقة بأخلاقيات المهنة وعدم احترام أخلاقيات مهنة الطب.