داهمت بحر الأسبوع الماضي لجان مراقبة وتفتيش وزارية، عددا من المستشفيات والمصالح الجراحية المختلفة، على خلفية تنامي ظاهرة في أوساط الجراحين على اختلاف مستوياتهم أخذت طابع البزنسة بمآسي المرضى الذين أصبحوا مجبرين على التوجه لإجراء عملياتهم الجراحية في العيادات والمصحات الخاصة بأثمان ومبالغ خيالية يصعب على ميسوري الحال تسديدها، فضلا عن الطبقات المتوسطة والضعيفة. الظاهرة تتفشى وسط صمت السلطات.. والمريض يدفع الثمن وحسب بعض المعطيات، فإن قرار وزارة الصحة بإيفاد لجان التفتيش، جاء بناء على كثرة الشكاوى التي تقدم بها ضحايا الممارسات المشبوهة التي اعتاد عليها العديد من الجراحين في مستشفيات العاصمة خاصة، حيث تنامى عدد العيادات الخاصة التي تحولت إلى مصدر ثراء للجراحين الذين يسلطون على المرضى باليمنى في المستشفيات سيف البيروقراطية فيما يتحولون إلى ملائكة رحمة بمجرد تجاوب المرضى مع اقتراح توجيهم إلى العيادات الخاصة، حيث سيجد المريض في مواجهته نفس الجراح الذي أرسله إلى عيادة خاصة، بعدما ظن المريض أن الجراح الذي سيتولى علاجه في العيادة الخاصة سيكون شخصا آخر. كما كشفت مصادر ل''البلاد'' أن لجان التقصي الوزارية وجدت أن غرف العمليات في بعض المستشفيات العاصمية أضحت تستقبل المرضى الذين يسددون تكاليف الجراحة ظنا منهم بأن العملية ستجرى في العيادة الخاصة. في حين أن العملية تتم داخل المستشفى وبأدواته ووسائله وفرقه الطبية ذاتها، وهي الطريقة التي اعتاد بعض الجراحين اللجوء إليها لعلمهم بأن كراء غرفة عمليات داخل عيادة خاصة، إضافة إلى استئجار التجهيزات والأعوان سيكلفه أموالا باهظة يريد الإبقاء عليها في حوزته مادم الأمر في المستشفيات لا يكلفه سنتيما واحدا. وفي السياق ذاته، كشف تحقيق اللجنة الوزارية على حقيقة أن غرف العمليات في المستشفيات العمومية أضحت تستقبل المرضى الذين تتعقد وضعياتهم في غرف عمليات العيادات الخاصة، بحيث يسارع الجراحون إلى إجراء العملية الجراحية مجددا في المستشفى، رغم أن القانون يفرض عليهم إعادة إجرائها في العيادة الخاصة، حيث تجرى العملية الأولى، خاصة وأن الجراح وفق مواد القانون مسؤول عن حالة المريض قبل إجراء العملية وبعدها. ولما كانت تكاليف الإقامة في العيادات الخاصة باهظة لا تقل عن متوسط يتراوح بين 7 و 10 آلاف دج لليوم والليلة، فإن الجراح يفضل متابعة مريضه الذي دفع الأموال ليتلقى الرعاية الطبية في عيادة خاصة، على مستوى المستشفيات العمومية خصوصا بالنسبة للمرضى المعقدة وضعياتهم الصحية. وإذا أضحى من المستحيل الحصول على موعد لإجراء عملية جراحية في بعض الأمراض الجراحية الخفيفة نتيجة رفض الجراحون معالجتها في المستشفيات لدفع المرضى نحو العيادات الخاصة، التي تستقبل مثل تلك الحالات بصدر رحب لسهولة العملية، إضافة إلى عدم استغراقها الكثير من الوقت، والأهم من ذلك أنها تدر أموالا كثيرة على أصحاب تلك العيادات، وهو ما جعل محل اهتمام كبير من قبل المتعاملين مع العيادات الخاصة، باعتبار أن الجراحون في مثل هذه الحالات إنما يفكرون في المدة التي تستغرقها العمليات. جراحون و أعوان.... يتصيدون الضحايا وباعتبار أن عملية مطاردة المرضى وصيدهم في المستشفيات العمومية لا تتم إلا إذا كان المسؤول عن المصلحة ''البروفيسور'' ممارس بامتياز لهذه التصرفات المشبوهة التي أضحت تغزو مستشفيات العاصمة، فإن تركيز لجنة البحث والتقصي الوزارية التي باشرت عملها قبل أسبوع كان تحديدا على هذه الفئة من الجراحين، حيث علمت ''البلاد'' في هذا الشأن أن وزارة الصحة كان قد بلغها خبر تواطؤ أحد الأساتذة الأطباء المسؤولين على قسم الجراحة بمستشفى معروف مع أحد الأعوان المكلفين في مصلحة الجراحة بالاستقبال، حيث أضحى هذا الأخير الآمر الناهي في تحديد مواعيد العمليات الجراحية وأضحت المعادلة على نحو مرتبط بمدى قدرة المريض وصاحب الحاجة على الدفع، بمعنى أنه بقدر ما ما يكون المبلغ المدفوع كبيرا، بقدر ما يكون موعد إجراء العملية قريبا. وحسب ما علمته ''البلاد''، فإن هذا العون لازال في منصبه رغم العقوبات التي تعرض لها من قبل إدارة المؤسسة الاستشفائية التي يشتغل فيها. وبرغم السوابق الخطيرة المعروفة عن هذا الشخص، على غرار ضبطه في حالة تلبس ببيع تجهيزات طبية منحت للمستشفى هبة من قبل بعض المؤسسات الخيرية، وهي تجهيزات تستعمل في جراحة ''المرارة'' وفق تقنيات جديدة ألغت تقنية فتح البطن، فإن إدارة ذات المستشفى لم تبادر إلى اتخاذ إجراءات قانونية في حقه، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حيال القضية بحسب ما ذكرته المصادر . ولم تقتصر صورة التدهور الحاصل في هذا المستشفى تحديدا على المرضى، بل امتدت كذلك إلى السلك الطبي الجراحي العامل هناك، حيث اشتكى بعض الأطباء المقيمون اختصاص جراحة من تصرفات أحد الأساتذة الأطباء الذي يجبرهم على دفع مبلغ مالي مقابل تعليمهم تقنية جديدة في جراحة المرارة وهي تقنية لا تعتمد على فتح البطن. وهؤلاء الأطباء المتربصين يدفعون ما قيمته 10 آلاف دج مقابل غداء وقهوة يجلبها لهم من مطعم المستشفى بعلم إدارة المستشفى التي تعجز عن مقاومة غطرسة الأطباء الأساتذة الذين حولوا مصالحهم إلى مزارع خاصة. علما أن هذا ''البروفيسور'' قد تعلم التقنية بأموال الوزارة التي تحملت أعباء مجيء أجانب إلى الجزائر لهذا الغرض. وحسب ما علمت ''البلاد''، فإن الوزير سعيد بركات قرر إيفاد لجان تحقيق إلى المستشفيات بناء على الشكاوى والتقارير المتكررة التي بلغت وزارة الصحة حول الوضعية الكارثية التي تعيشها كبريات المستشفيات بالعاصمة، جراء ممارسات هؤلاء الأطباء الذين تحولوا إلى مصاصين للدماء من نوع خاص امتهنوا استغلال مآسي الناس والاستغلال البشع للوسائل العمومية التي تضعها الوزارة تحت تصرفهم خدمة للمريض الجزائري الذي يقصد المستشفى للعلاج فإذا به يواجه موجة من الاستغلال والابتزاز البشع. من جهة ثانية، علمت ''البلاد'' من مصادر مقربة من وزير الصحة عزم هذا الأخير على تطهير المستشفيات من مظاهر الفساد والرشوة وغيرها من الممارسات التي أضحى الأطباء يفرضونها على الغلابة من المواطنين البسطاء الذين أضحوا فريسة في أيدي بعض من يفترض فيهم النبل والشهامة والإنسانية، ليواصل بذلك بركات مهمة ''التطهير'' التي استفتحها بتطهير المستشفيات من أوساخها التي عشّشت فيها لسنوات، بعد قراره القاضي بإعادة ترميم وتهيئة الكثير منها..