يرى المخرج الجزائري، موسى حداد ، أن الأفلام الأمريكية هي السبب الرئيسي في تنامي ظاهرة "الحرقة" في الجزائر و اعتبرها من أهم الوسائط الإعلامية و الاتصالية التي تروج بسبب قوتها تلك الصورة الخيالية عن العالم الأوربي و الغربي بصفة عامة. و أضاف ضيف "النهار" أن تعلق الشباب بهذه الأفلام راجع إلى الطريقة التي تتناول بها هذه الأخيرة لمواضيعها و التي تراعي فيها بالدرجة الأولى ما يطلبه الجمهور خاصة من الشباب ، الأمر الذي يسهل حسب رأيه تمرير ما تريده الجهات الغربية من رسائل، و صور تعكس كلها ايجابيات العالم الآخر، الذي يجيز فيه ما يحرم في المجتمع الجزائري و العربي. و اعتبر حداد أن تعلق الشاب الجزائري بالأفلام الأمريكية جعله يرفض كل ما يقدم له محليا، و هو ما جعله يقدم في فيلمه السينمائي الأخير"الحرقة بلوز" نوعا جديدا في السينما الجزائرية على غرار فيلمه"ماد ان"، حيث قال عنه أن "المتفرج على الفيلم لن يراه بنظرة محلية بل سيكون فلما جزائريا بنظرة أمريكية" ، و قال أن اختياره لنوع الأكشن لتناول هذا الموضوع ليس بالصدفة و لكن عن اقتناع و تحدي لكسب اهتمام الشباب ، عن طريق منتوج جزائري، و في نفس الوقت يلبي ذوق المتفرج المبهور بكل ما ينتجه الغرب. و أضاف المخرج أن فيلمه الجديد الذي سيبدأ في مرحلة تصويره بمجرد حصوله على موافقة وزارة الثقافة، سيخرجه من أجل الشباب قبل أن يفكر فيه كعمل يتطلع من خلاله إلى نيل جوائز أي مهرجان. و أضاف أن هدفه هو "انجاز فيلم يباع في كل العالم" مشيرا إلى أن معظم الأفلام الجزائرية موجهة للتلفزيون لذلك لا تجد إقبالا من طرف المتفرج و هو ما لا يوفر لها العائد الكافي لتحقيقي الاستمرارية في الإنتاج ، الأمر الذي يتطلب حسب رأيه تلبية ما يطلبه الجمهور دون التنازل عن خصوصية المجتمع الجزائري. لا يوجد سيناريست يتوافق مع موسى حداد و قال موسى حداد أن فيلمه "الحرقة بلوز" هو أول أعماله السينمائية التي سيعتمد فيها على سيناريو غني بالأحداث، و المشاهد و التعقيدات و التي توصل إليها حسب قوله بعد قراءة كل ما كتب عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية، في عمل دام قرابة ال 3 أشهر من البحث و الدراسة، للوقوف عند مسببات هذه الأخيرة، من أجل فهمها و عرضها في فيلم سينمائي يعتبر الأول من نوعه في الجزائر، حيث سيعرض فيه و على مدى الساعة و45 دقيقة زاوية من الزوايا المتعددة ل"الحرقة". و عن سبب لجوءه إلى كتابة سيناريو هذا العمل، قال حداد انه لم يجد إلى حد الآن السيناريست الذي بإمكانه أن يصل إلى ما يريده "حداد" و أن يجسد بكتاباته كل ما يتصوره المخرج، ويغوص في أفكاره التي قال عنها أنها متشعبة و كثيرة الأمر الذي جعله يعدل في السيناريو الذي كتبه رفقة زوجته"أمينة بجاوي" قرابة العشر مرات، ليصل إلى الصيغة النهائية له و التي سيعرضها على لجنة قراءة الأفلام على مستوى وزارة الثقافة بداية هذا الأسبوع. و يعرض حداد في فيلم الأكشن قصة الشاب الجزائري الذي يقع بين القهر الاجتماعي و إغراءات بارونات المخدرات، و بالموازاة يترك المخرج مساحة معتبرة لقصة حب تحرك أحداث القصة و ترسم فضاء رومانسيا لأحداث قاتمة، راح ضحيتها شباب و براعم جزائرية. و قال حداد أنه قصة الحب هذه التي تجمع بين صحفية و شاب موسيقي، في إطار محافظ ، يركز فيه على دور القصة العاطفية في تفعيل التطور المنطقي للأحداث، لان الموضوع حسب رأيه يركز على الظاهرة أكثر من الغوص في تفاصيل العلاقة العاطفية. و كشف المخرج أنه سيلجأ هذه المرة إلى وجوه جديدة لتجسيد دوري البطولة لكل من الصحفية و الشاب، لأن ذلك يعطي حسب رأيه قوة أكثر و تنوع في فيلمه، إضافة إلى الاعتماد على وجوه معروفة مثال سيد أحمد آقومي الذي يلعب دور رئيس شبكة المخذرات. السينما الجزائرية قادرة على المساهمة في علاج ظاهرة "الحرقة" أكد المخرج موسى حداد أن الدولة الجزائرية ليست متطورة كفاية كي تعالج موضوع الحرقة لدى الشباب الجزائري، مضيفا ان ذلك لن يتاتى بالنصائح والإرشاد والتنظير أو الحديث الفارغ ، بقدر ما يكون بدراسة الظاهرة نفسيا واجتماعيا،خاصة في ظل ظروف متردية نعيشها من جهة، وإمكانيات مادية تستنزف في الفراغ من جهة أخرى. وقال حداد الذي نزل ضيفا على "النهار" أن الشاب في بلادنا بمختلف أصنافه خاصة المتعلم يعيش حالة من الذهول الكبير نتيجة انه يرى مدى الخيرات التي تزخر بها الجزائر وهو لا يتمكن ممن أن يستفيذ ولو القليل منها، ليلاحظ الشاب فقط عملية استنزافية لهذه الخيرات، والتي تذهب في مهب الريح على حد تعبير المخرج دون أن تضيف شيئا للساحة الوطنية. واعتبر المخرج المعروف في حديثه عن الجانب الفني أنه وعلى الفن أن يقوم بدوره في مجال البحث عن حلول لهذه المعضلة المتمثلة في الهجرة غير الشرعية،مشيرا في ذات الوقت أن الدولة الجزائرية على الرغم من كل شيء باستطاعتها أن تجد حلا للازمة الراهنة ، وهذا بقرار سياسي جاد وبدراسة متأنية لهذه الأخيرة إضافة إلى الالتفاتة الجادة للشريحة المتضررة وهي الشباب. وأضاف حداد في حديثه عن دور السينما الجزائرية في المساهمة في الحل، أن حرية الإبداع في هذا المجال كفيلة بان تقدم يد العون في استئصال الظاهرة التي عرفها الشريحة الشبانية خلال السنتين الأخيرتين،مبرزا ذات المتحدث دور السينما الجزائرية التي تعاني نوعا ما من التضييق وعدم الدعم اللازم ، في كبح جماح الحراق أو الذي ينوي في القيام بعملية الحرقة كما اسماها. وقد طالب المخرج موسى حداد الجهات المسؤولة بفتح المجال أمام السينما الجزائرية من اجل أن تؤدي أدوارها اللازمة في التطرق لأهم قضايا المجتمع الجزائري على غرار التاريخية منها،إضافة إلى عدم تمييعها بأشياء مستهلكة لدى المواطن وقد لا تنفعه في الأساس، مؤكدا في ذات الموضوع أن الفن السينمائي الجاد والحر قد يعتبر أداة دبلوماسية في فك عقد تعاني منها المجتمعات والأمريكي خير دليل على ذلك. وبالنسبة لنظرة المخرج حداد لواقع الأعمال السينمائية الجزائرية في الوقت الراهن قال أن بعضها قد لا يرقى إلى المستوى باعتبار انه لنم يتخلص من النمطية و لا يزال استعجالي ويعالج فقط مخلفات العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر في الألفية الماضية ،وهو أمر قد يجعلنا ندور في حلقة مفرغة حسب المخرج،ليدعوا في الأخير كل فنان ومخرج ومبدع في المجال لضرورة النظر إلى الحاضر واستشراف المستقبل بدل الدوران في الماضي التعيس.