يعتبر الملل الزوجي من أهم المشاكل التي تهدد استقرار حياة الأزواج الذين لم يعتقدوا يوما أن أحدهما قد يتمنى فراق الآخر، والسبب هو الروتين اليومي الذي طغى على حياتهم. عادة ما يبدأ الأزواج حياتهم مع بعض وكلهم أمل أن يقضوا كل حياتهم في سعادة وهناء لكون الاستقرار هو الهدف الرئيسي للزواج الذي يسعى كل واحد لتحقيقه ولكن مع مرور الوقت وبازدياد حجم المسؤولية التي تقع على عاتق كل منهما تطفو المشاكل على الحياة الزوجية ما يؤدي إلى ما يعرف ب"الملل الزوجي" لتتسع تلك الفجوة بين الزوجين وقد تتأزم الأوضاع وتؤدي إلى الطلاق. شهادات رجال وجدوا أنفسهم على الهامش ونساء تخلين عن البروتوكولات "بعد مرور أكثر من ست سنوات، زوجتي لم تعد تهتم بي كما كانت لدرجة أنها تنام في غرفة غير التي أنام فيها ما جعل حياتنا الزوجية جد مملة"، هكذا عبّر "رابح" عن الملل الذي يشعر به، فيما يؤكد "طاهر" أنه لم يعد يفهم زوجته وماذا تريد تحديدا، يقول: "الغضب يكتنف وجه زوجتي طوال الوقت وإذا سألتها عن السبب لا ترد عليّ، وأحيانا لا تتكلم معي لعدة أيام دون سبب واضح، وهذا ما جعلني أكره التواجد معها في نفس المكان". لا يمكن التطرق لموضوع الملل الزوجي دون الوقوف على عينات من الجنس اللطيف، حيث تروي الكثير من الزوجات أنهن صرن كقطعة أثاث في البيت ويشعرن بملل قاتل جعل بعضهن يكرهن المنزل الزوجي، بل والزوج أيضا، وهو الشعور التي يعتري نفسية "إلهام" التي تقول: "بعد مرور أكثر من تسع سنوات عن الزواج، صرت أتساءل ما الذي تغيّر بيني وبين زوجي، فهو صار يكره المكوث في البيت، وأنا تمر عليّ أوقات لا أريد رؤيته فيها رغم أنه لا يوجد بيننا أي مشاكل". "لم يعد زوجي من أولوياتي" عبارة قالتها "سمية" بصراحة، وهي تعبر عن حالة الملل الزوجي الذي تعيشه بعد مدة لا تتجاوز خمس سنوات من الزواج، تضيف: "خلال الفترة الأولى من الزواج كنت مهووسة بتغيير شكلي باستمرار حتى أعجب زوجي، كما كنت أحرص على تغيير ديكور البيت وكنت أمطره بالكلام المعسول، ولكن بعد مدة بدأت أتخلى عن كل تلك البروتوكولات". كانت تلك اعترافات بعض النسوة ممن فقدن القدرة على التأقلم مع الحياة الزوجية بعد ما تسرّب الملل ودبّ في نفوسهن ما يدفع للتساؤل هل هذا الشعور دليل على كره الزوجين لبعضهما، أم أنه مجرد مرحلة مؤقتة يمر بها الأزواج بالنظر إلى تغيّر ظروف الحياة؟ ومحاولة منها للإجابة على هذا السؤال، تقول "أم إكرام" أخصائية في علم النفس، أن الملل في الحياة الزوجية يحدث عندما يفتقد كلا الزوجين لكل ما هو جديد، إذ ينشغل كل منهما بحياته الخاصة =، الرجل ينهمك في عمله اليومي، بينما تنصرف المرأة إلى شؤون البيت والأولاد، ما يؤدي إلى حالة من الانفصال، فتجد كل واحد منهما يشتكي إهمال الآخر، وقد يتطور الأمر إلى خلافات متأزمة، تقول في هذا الباب: "إن الرجل من عادته أن ينهمك في العمل بغرض تأمين الحاجات المادية للأسرة، أما المرأة فتنغمس بدورها في رعاية شؤون الأسرة، وهذا الانهماك يحدث شرخا في الحياة الزوجية، فنجد الرجل يفضي بأسراره لرجل مثله، والشأن نفسه بالنسبة للمرأة، وهذا يكون بداية حالة الملل التي يشعران بها". وعن انعكاس هذه الحالة، تؤكد المتحدثة أن الملل الزوجي يجعل كل من الزوج والزوجة يعيشان وكأنهما غريبان عن بعضهما البعض، ما ينعكس على حالتهما النفسية ويجعل كل واحد يعيش في حالة من التوتر والنفور تجاه الطرف الآخر، ولا يقتصر الأمر على حياة الأزواج فقط، بل يتعداها إلى الأبناء، حيث يزيد احتمال أن ينشأ الطفل في محيط أسري مشحون بالتوتر والاضطراب. وتفسّر أخصائية علم النفس، حالة الملل الزوجي بوجود بعض التغيرات البسيطة التي تطرأ على الحياة الزوجية، فخلال الفترة الأولى من الزواج يعيش كلا الزوجين نوعا من الحياة الجديدة ولكن بمجرد أن يصطدموا بجملة من المشاكل يفقدون القدرة على التجاوب مع الأمور، تضيف: "عادة ما يبدأ هذا الملل الزوجي مع ميلاد الطفل الأول ويزداد بازدياد عدد الأطفال، نتيجة لأن المرأة تعطي الأطفال كل الأهمية على حساب الزوج، فتجدها تمنح كل وقتها لهم، وهي تعتقد أنهم أولى بذلك من الزوج الذي قد يدخل في طي النسيان". نكدية أحد الطرفين وغياب الحوار أهم أسباب الملل الزوجي ومن أسباب الملل الزوجي حسب المتحدثة وجود فرق كبير في السن بين الزوج والزوجة، فقد يشعر الزوج أنه كبر على عدة أمور لاتزال مفضلة عند المرأة ما يجعلها تمّل زوجها أو على العكس، وكذا اختلاف المستوى الثقافي في كثير من الأحيان. إن الحياة الزوجية تقوم في الأساس على مبدأ المشاركة الذي يشمل مبدأ التأثر والتأثير أيضا، وعادة ما يحدث الملل في الحياة بسبب نكدية أحد الطرفين حسب ذات المتحدثة، وهو التحليل الذي نجد ما يطابقه في الواقع، حيث يؤكد كثير من الرجال أنهم اكتشفوا صفات جديدة لم تكن ظاهرة في بداية العلاقة الزوجية ما جعلهم يملون من زوجاتهم، بل ويفكرون في تغييرهن، ومنها نكدية وأنانية بعض الزوجات، وفي الموازاة يوجد كثير من الأزواج يمن عيشون حالة الملل الزوجي، ولكنهم لا يهتمون لذلك، ومن الأحاسيس التي ترافق حالة الملل، تشير "أم إكرام" إلى غياب المشاعر بين الزوجين وغياب الحوار الذي يشكل أحد أهم أسباب حالة الملل الزوجي، وتؤكد قائلة: "إذا تجاهل أحد الطرفين الآخر وغاب الحوار، زادت حدّة الملل الزوجي، وقد يصل الأمر إلى الأسوأ، والنتيجة حياة زوجية خالية من الهدوء، فالملل الزوجي يجعل القدرة النفسية على التجاوب تنقص وتنعدم بصورة تدريجية". التجديد.. السبيل للقضاء على الملل الزوجي تقول أخصائية علم النفس أن الدور الأكبر في تجديد الحياة الزوجية والقضاء على الملل يقع على الزوجة من خلال تجديد الحياة الزوجية انطلاقا من تجديد المظهر والعمل على بعث جو أكثر حيوية، وعن التجديد تؤكد الأخصائية أنه قد يتطلب جهدا، خاصة إذا كانت قد مرّت فترة طويلة على الزواج مع مراعاة وجود الحوار وتجنب الفتور العاطفي بين الزوجين، ولكن هذا لا يغيّب دور الرجل، تقول بهذا الخصوص: "إن المرأة في العصر الحالي تغيّرت نظرتها كثيرا للزواج مقارنة مع المرأة في زمن مضى، فقد كانت المرأة لا تنتظر من الزواج سوى زوج ينفق عليها وتنجب منه الأولاد، ولكن المرأة حاليا صارت تطلب زوجا أكثر حنانا وتفهما". الملل الزوجي حالة طبيعية يمكن التغلب عليها وضحت "أم إكرام" في تقديمها لجملة من النصائح التي من شأنها أن تساعد الأزواج على التغلب على حالة الملل أن الانتقال من مرحلة ما قبل الزواج إلى ما بعده يعني وجود عدّة تغيرات في حياة الفرد عليه إدراكها، تنصح قائلة: "ما على الأزواج أن يفهموه بصورة جيدة أن ظهور الخلافات في السنوات الأولى، أمر جد طبيعي كونها مرحلة اكتشاف حقيقية لذهنيات وسلوكات الطرف الآخر، لذا يجب أن يكون الزوجان أكثر مرونة واستعدادا للمبادرة بالصلح، كما لابد أن يظهر كل طرف خفيف الظل ومهتم بالطرف الآخر وميولاته، وعليهم الإدراك أن الحياة الزوجية مليئة بالأعمال المملة، وعلى الأزواج أن يسعوا لتفهم سلوكيات بعضهم البعض ويتعايشوا انطلاقا من ذلك". ومن النصائح الأخرى التي قدمتها ذات الأخصائية: "أن يعمل كل واحد من الزوجين على إضفاء نوع من التجديد على الحياة الزوجية، ويكون التجديد بوقوف كل طرف على دوره في الحياة الزوجية، وتجنب كل ما من شأنه أن يثير غضب الطرف الآخر، بمعنى أن يحاول كل طرف تجنب المشاكل التي تهدد استقرار الأسرة. ومن الرسائل التي وجهتها إلى النساء، ضرورة أن يحفظن ألسنتهن ويكسبن قلوب أزواجهن بالكلمة الطيبة دوما وأن تبادر المرأة بكل تلك التنازلات وأن لا تنتظر الرجل، كما على المرأة أن تعرف جيدا أن طبيعة الرجل تمنعه في كثير من الأحيان وتجعله لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره وتضع دوما نصب عينيها أن الزوج هو طفل صغير بحاجة إلى عناية". ودعت كلا الزوجين إلى إضفاء الرومانسية على الحياة الزوجية من خلال بعض التصرفات التي قد تكون بسيطة، ولكن لها تأثير واضح على كلا الطرفين مثل تبادل الهدايا بين الزوجين لاسيما خلال المناسبات السعيدة تنظيم خرجات رفقة الزوج أو جلسات خاصة.